انتظر عشاق كرة القدم في العالم بشغف شديد بداية النسخة الخامسة من كأس العالم في سويسرا عام 1954، حيث قسّمت اللجنة المنظمة الفرق الـ16 إلى 4 مجموعات تضم كل منها 4 فرق، ويتأهل فريقان من كل مجموعة، وكان في كل منها فريقان مصنّفان وآخران غير مصنّفين، بحيث لا تلعب الفرق المصنّفة فيما بينها ويلعب كل فريق مباراتين فقط، وإن انتهت المباراة بالتعادل فيتم تمديد المباراة لأشواط إضافية، ولو استمر التعادل فسيتم اعتماد النتيجة، أما في حال تساوي فريقين بالنقاط فيتم لعب مباراة فاصلة لتحديد هوية المتأهل لدور الثمانية.
وضمّت المجموعة الأولى كلّاً من البرازيل وفرنسا والمكسيك ويوغوسلافيا، فتغلّبت البرازيل على المكسيك 5-0 وتعادلت مع يوغوسلافيا 1-1، بينما لم ينفع فرنسا فوزها على المكسيك 3-2، لأنها خسرت أمام يوغوسلافيا 1-0، وبذلك تأهلت البرازيل ويوغوسلافيا إلى دور الثمانية الذي سيتم إجراء مبارياته وفق نظام القرعة، قرعةٌ ستكون غير معنية بمتصدر لمجموعة أو صاحب مركز ثان فكلاهما سواء.
كان لاعبو كوريا الجنوبية ينحنون أمام لاعبي المجر باحترام بعد كل هدف يسجلوه في مرماهم
وفي المجموعة الثانية التي ضمّت المانيا الغربية والمجر وتركيا وكوريا الجنوبية، استطاعت ألمانيا أن تحقق فوزاً سهلا على تركيا 4-1، في وقت سحقت به المجر ضيوف المونديال الجدد كوريا الجنوبية 9-0، وشهدت هذه المباراة حدثين طريفين سجّلهما التاريخ، إذ كان لاعبو كوريا ينحنون أمام لاعبي المجر باحترام بعد كل هدف يسجلونه في مرماهم، فيما ادّعى حكم اللقاء لفرنسي فيسنتي أنه لم يستطع التمييز بين لاعبي كوريا الجنوبية بسبب تشابه أشكالهم.
بعد انتهاء الجولة الأولى من المجموعة الثانية، قرأ المدرب الألماني سيب هيربرغر نظام البطولة جيّدًا، فأيقن أن لقاءه أمام المجر سيكون بالغ الصعوبة ولا بدّ له من عدم كشف أوراقه كلّها ما دام سيضمن التأهل بعد مباراة فاصلة ستُلُعب مع تركيا الضعيفة، فأشرك أمام المجر 5 لاعبين جدد كانوا بمثابة الكومبارس، إذ لم يلعب 4 منهم سوى هذه المباراة التي انتهت بسحق المجر للألمان 8-3، وإصابة أهم لاعب في البطولة وهو المجري بوشكاش، وعلى الرغم من ذلك عاقب المدرب مهاجمه بطرده من الفريق إثر سماعه وهو يغنّي أثناء الاستحمام عقب الخسارة المدوّية، وهي خسارة أغضبت الجماهير الألمانية عندما طالبت حكم اللقاء بإنهاء المباراة ووقف المهزلة التاريخية، قبل أن تطالب الصحافة بإقالة المدرّب، وفي وقت تغلّبت به تركيا بسهولة على كوريا الجنوبية 7-0، كان لزاماً على الألمان الفوز على الأتراك بالمباراة الفاصلة كي يرافقوا المجر إلى دور الثمانية، وهو ما تحقق بنتيجة كبيرة بلغت 7-2.
ضمت المجموعة الثالثة كلّاً من الأوروغواي حاملة اللقب وتشيكوسلوفاكيا والنمسا واسكتلندا، وفي الجولة الأولى تغلّبت الأوروغواي على تشيكوسلوفاكيا 2-0، والنمسا على اسكتلندا 1-0، بينما تلقّى الخاسرَان في الجولة الثانية أقسى خسارتين في تاريخهما، إذ سحقت الأوروغواي اسكتلندا 7-0 وهي أقسى نتيجة يتعرض لها فريق بريطاني حتى الآن، فيما أذاقت النمسا تشيكوسلوفاكيا أمرّ خسارة بتاريخها في كأس العالم عندما قهرتها 5-0، في لقاء شهد أسرع هاتريك بتاريخ المونديال عندما سجل النمساوي بروبست 3 أهداف في غضون 20 دقيقة فقط، وهذه المرة الوحيدة في التاريخ التي تشهد بها مجموعة مونديالية أهدافاً من منتخبين وصيام الفريقين الآخرين عن التهديف.
ترأس الإنجليز المجموعة الرابعة التي ضمت سويسرا مستضيفة البطولة وبلجيكا وإيطاليا، وفي الجولة الأولى أحرز أصحاب الأرض فوزاً رائعاً على الطليان أبطال العالم في نسختي 1934-1938، بينما تعادلت إنجلترا أمام بلجيكا 4-4 رغم التمديد بعد نهاية الوقت الأصلي 3-3، وهو التعادل الأعلى بتاريخ المونديال، وفي الجولة الثانية غلب الإنجليز أصحاب الأرض 2-0، وهزمت إيطاليا بلجيكا 4-1، ما اضطر سويسرا لإجراء مباراة فاصلة مع إيطاليا في تكرار لمباراتها الافتتاحية، فكرر مستضيفو البطولة فوزهم على الآزوري وهذه المرة بنتيجة 4-1، ليرافقوا إنجلترا إلى دور الثمانية.
طرد مدرب ألمانيا الغربية مهاجم فريقه من المنتخب إثر غنائه خلال الاستحمام عقب الخسارة المدوّية مع ألمانيا 8-3
بعد تأهل كل من سويسرا وألمانيا الغربية وإنجلترا والمجر والبرازيل والنمسا والأوروغواي ويوغوسلافيا إلى دور الثمانية، حشدت هذه الدول كافّة إمكاناتها للظفر باللقب، فأراد الإنجليز تأكيد أحقّيتهم بلقب ملوك الكرة، بينما تطلّعت الأوروغواي إلى فكّ شراكتها مع إيطاليا في إحراز اللقب العالمي لمرتين عبر لقب ثالث، فيما رغبت البرازيل بالظفر بلقب عالمي هو الأول، لقبٌ ينسي جماهيرها كارثة الماراكانا، وفي حالة ألمانيا الغربية كان لقب كأس العالم سيمثّل نهضة حقيقية لأمّتها المكسورة إثر الحرب العالمية الثانية، بطولةٌ لو تمّت ستأتي بالتزامن مع خطّة نهضوية على صعيد الإعمار والاقتصاد، كل هذه الآمال السابقة يقف أمامها عائق حقيقي وهو الفريق المجري، إذ اكتسح زملاء بوشكاش خصومهم وأذلّوهم بـ17 هدفًا من مباراتين فقط، وهو فريقٌ حمل لقب آخر بطولة أولمبية أقيمت في هلسنكي ولم يتلقَّ أي خسارة منذ 28 مباراة وسيصعب اجتيازه بالتأكيد.
ادّعى حكم مباراة كوريا الجنوبية والمجر أنه لم يستطع التمييز بين لاعبي كوريا الجنوبية بسبب تشابه أشكالهم
وكما كان ينص نظام البطولة، أُجريت قرعة دور الثمانية دون تمييز بين متصدّر لمجموعة ما أو وصيفه، وهنا أسفرت القرعة عن ملاقاة النمسا لأصحاب الأرض، بينما يواجه الإنجليز الأوروغواي حاملة اللقب، فيما اصطدم البرازيليون بالمنتخب المجري، وألمانيا الغربية بيوغوسلافيا.
فمن هم الأربعة المتأهلون للدور نصف النهائي من المنتخبات الثمانية السابقة، وأيّ المتأهلين سيمضي إلى المباراة النهائية، وما هي الأحداث المفصلية في تاريخ كرة القدم التي ستحدث خلال الجولتين القادمتين؟
تابعونا في الجزء الثالث من قصة النسخة الخامسة للمونديال..