بعد إقامة النسخة الرابعة من كأس العالم في البرازيل عام 1950، في بطولة طغت عليها أجواء كارثة الماراكانازو، حان الوقت لعودة أوروبا كي تحظى بشرف تنظيم النسخة الخامسة عام 1954، ولم يكن هنالك بلد أفضل من سويسرا لتولّي تلك المهمة، فهي البلد المحايد في الحرب العالمية الثانية، والتي كانت ما تزال تحتفظ ببنيتها التحتية وتملك ملاعب فخمة مقارنة بالملاعب الأخرى في أوروبا على الرغم من صغر حجمها المناسب لاستيعاب المتفرّجين نسبيّاً.
رمى طفل إيطالي ضرير قطعة معدنية أهّلت تركيا إلى مونديال سويسرا 1954 على حساب إسبانيا
تقدّم للمشاركة في بطولة كأس العام 1954 45 فريقاً قبل أن يتقلص العدد إلى 39، حيث انسحبت بولندا والاتحاد السوفييتي من أوروبا، وتايوان من آسيا، والبيرو من أميركا الجنوبية، فيما واصلت الأرجنتين رفضها المشاركة في كأس العالم 1954، إذ لم تلعب سوى بالنسخة الأولى التي أحرزت فيها الوصافة خلف الأوروغواي المستضيفة.
وفي أبرز مشاهد التصفيات المؤهلة لبطولة كأس العالم 1954 وضعت القرعة ممثل العرب الوحيد فريق مصر بمواجهة إيطاليا، فهُزم الفراعنة في القاهرة 2-1، وبميلان 5-1، فيما تغلبت تركيا على إسبانيا ذهاباً 1-0، وخسرت إياباً 4-1، ما اضطر اللجنة المنظمة لإجراء مباراة فاصلة انتهت بالتعادل، فلجأ الفريقان للقرعة، حيث رمى طفل إيطالي ضرير قطعة نقدية معدنية أفرحت الأتراك وأقصت الإسبان من هدف الوصول لمونديال كأس العام 1954.
وكما كان معتمداً في النسخة السابقة، تأهل صاحبا المركزين الأول والثاني في بطولة الجزر البريطانية إلى نهائيات كأس العالم 1954، وهما المنتخبان الإنجليزي والأسكتلندي، بينما عادت ألمانيا للبطولة بعد حرمانها من قبل الاتحاد الدولي من خوض البطولة السابقة بسبب عقوبات فُرضت عليها إبّان الحرب العالمية الثانية.
اقرأ/ي أيضًا: قصة كأس العالم 1950.. كارثة الماراكانا
سيشارك البرازيليون بالقميص الأصفر لأول مرة في تاريخهم المونديالي بعد أن ألغوا اللباس الأبيض الذي جلب لهم الشؤم في البطولة السابقة
سيشارك في هذه الحالة 16 فريقاً بالنهائيات بواقع 12 منتخباً من أوروبا وواحد من آسيا وهو كوريا الجنوبية للمرة الأولى في تاريخه وآخر من أميركا الشمالية وهو المكسيك، إضافة إلى البرازيل والأوروغواي من أميركا الجنوبية. وهنا تنبأ الجميع ببطولة متميّزة وحافلة بالمتعة والإثارة، إذ ينوي الإنكليز إعادة الاعتبار لأنفسهم في مشاركتهم المونديالية الثانية وتأكيد سطوتهم على كرة القدم من خلال بطولة ظنّوا أنها أقل أهمية من دورياتهم المحلّية وفوجئوا بعدم قدرتهم على حمل كأسها.
اقرأ/ي أيضًا: كأس العالم 1938، النجاة من مقصلة موسوليني
كذلك الحال بالنسبة لفريق البرازيل، فهو المنتخب المقهور من خيبة الماراكانازو، والذي أراد أن يعوّض شعبه مرارة عدم حمل الكأس الغالية لصالح الأوروغواي، وهنا سيشارك البرازيليون بالقميص الأصفر لأول مرة في تاريخهم المونديالي بعد أن ألغو اللباس الأبيض الذي جلب لهم الشؤم في البطولة السابقة. بينما تتطلع الأوروغواي لإثبات قدرتها على الظفر بالكأس وأن إحرازها لكأسي عالم من مشاركتين فقط لم يكن محض صدفة.في وقت رغب به الطليان بتعزيز رقمهم القياسي بحمل كأس العالم للمرة الثالثة في تاريخهم.
بينما كانت ألمانيا الغربية دولة محطمة الأركان، فبعد موت الملايين من سكّانها إزاء الحرب العالمية الثانية، قبع مئات الآلاف من رجالها في معتقلات الدول المنتصرة، ولم تندمل جراحها من حرب أحرقت اقتصادها وبنيتها الاجتماعية ودمّرت أبنيتها، فكان الحلم يتجسّد ببطولة تعيد البسمة إلى شفاه كل ألماني وتنسي ويلات الحرب.
بين هذا وذاك كان المرشّح الأبرز لإحراز البطولة هو المنتخب المجري، ففي تاريخ البطولة منذ تأسيسها لم يتم الإجماع على ترشيح منتخب ما لإحراز اللقب كما كان حال المجر في نسخة عام 1954، فامتلك زملاء بوشكاش ترسانة هجومية اكتسحت كلّ الخصوم، ونتج عنها 27 مباراة دون هزيمة بواقع 24 انتصاراً و3 تعادلات، كذلك أحرزت المجر ذهبية أولمبياد هلسنكي 1952، وكانت النتيجة الأبرز التي حققها المجريون وأذهلت خصومهم هي سحق إنكلترا في ويمبلي 6-3، فدخلوا التاريخ كأول فريق من خارج بريطانيا يهزم الإنكليز على ملعبهم.
كانت مصر هي ممثل العرب الوحيد في تصفيات كأس العالم 1954، وفشلت بالتأهل للنهائيات بعد خسارتها ذهاباً وإياباً أمام إيطاليا
اتخذت اللجنة المنظمة نظاماً شديد الغرابة، فقسّمت الفرق الـ16 إلى 4 مجموعات تضم كل منها 4 فرق، ويتأهل فريقان من كل مجموعة، وكان في كل مجموعة فريقان مصنّفان وآخران غير مصنّفين، بحيث لا تلعب الفرق المصنّفة فيما بينها ويلعب كل فريق مباراتين فقط، وإن انتهت المباراة بالتعادل فسيتم تمديد المباراة لأشواط إضافية، ولو استمر التعادل فسيتم اعتماد النتيجة، أما في حال تساوى فريقان بالنقاط فسيتم لعب مباراة فاصلة لتحديد هوية المتأهل لدور الثمانية.
وتجدر الإشارة إلى أن البطولة شهدت تغطية تلفزيونية لأول مرة في تاريخ البطولة، وذلك على التلفزة السويسرية، بحيث يأخذ كل فريق شريط مبارياته الخاص به قبل عودته إلى بلاده، فكيف سارت تفاصيل أول بطولة كأس عالم تقام في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية؟
تابعونا في الجزء القادم..
اقرأ/ي أيضًا: