ألترا صوت – فريق التحرير
نهاية شباط/ فبراير 1965، أسَّست منظّمة التحرير الفلسطينية "مركز الأبحاث الفلسطينيّ" في العاصمة اللبنانية بيروت بوصفه الجهة الفلسطينية الرسمية المُكلّفة بالإنتاج المعرفيّ وحفظ تسجيلات المنظّمة من جهة بالإضافة إلى جمعه للوثائق القديمة والمُعاصرة المتّصلة بالصراع العربيّ – الصهيونيّ ومُتابعته لما يستجدّ منها من جهة أخرى، ومن ثم ّتنظيم سبل الاستفادة من هذه الوثائق، الأمر الذي أنجزه المركز خلال سنوات عمله (1965-1982) التي بنى فيها أرشيفه الذي شكّل، بما جمعهُ، ذاكرةً جمعية للشعب الفلسطينيّ، تُمكّنه من إعادة كتابة حكايته وتاريخه والحفاظ عليه.
وضعت دولة الاحتلال أرشيف مركز الأبحاث الفلسطينيّ نصب عينيها، وما إن سنحت لها الفرصة حتّى انقضت عليه خلال اجتياحها للعاصمة اللبنانية بيروت سنة
وضعت دولة الاحتلال أرشيف مركز الأبحاث الفلسطينيّ نصب عينيها، وما إن سنحت لها الفرصة حتّى انقضت عليه خلال اجتياحها للعاصمة اللبنانية بيروت سنة 1982، حيث قامت بالسطو على محتويات أربعة طوابق من طوابقه الستّة، ونقلها في 35 شاحنة عسكرية إسرائيلية كانت مُعدّة مُسبقًا لهذا الغرض تحديدًا وفقًا لبعض الروايات التي تؤكّد أنّ ما نجا من عملية النهب تلك، إنّما كان بسبب تلقّي الجنود الإسرائيليين أوامر بالانسحاب من غرب العاصمة اللبنانية.
اقرأ/ي أيضًا: 4 كتب مذكرات تروي زماننا
يُعيد كتاب "الإرث الفلسطينيّ المرئيّ والمسموع، نشأته وشتّتهُ والحفاظ الرقميّ عليه: دراسات أوليّة وتطلّعات مستقبلية" (مؤسّسة الدراسات الفلسطينية، 2020) تأليف بشّار شموط؛ إلقاء الضوء على مسألة نهب أرشيف مركز الأبحاث من منظورٍ مُختلف قائم على سؤال سبق وأن نُوقش مرّاتٍ عدّة نظرًا لأهمّيته وجدّيته أيضًا: كيف يُمكن الحفاظ اليوم على الإرث الفلسطينيّ بمختلف أشكاله من خلال وسائل الأرشفة الرقمية الحديثة بصفته جزء من ذاكرة جمعية مُهدَّدة دائمًا في ظلّ تواجدها ضمن نزاعات وصراعات مُختلفة، وأوضاع معيشية وسياسية صعبة يرزح تحتها الشعب الفلسطينيّ؟
يُحاول الكتاب الإجابة على هذا السؤال من خلال تقديمه لأبحاث موضوعية مبنية على علوم الأرشفة الرقمية بالإضافة إلى العودة لمناقشة أحداث فاصلة متعلّقة بالأرشيف الفلسطينيّ، منها حادثة نهب القوات الإسرائيلية لأرشيف مركز الأبحاث وغيرها من المُحاولات الدؤوبة والمتعمّدة أيضًا لاستهداف الهوية الثقافية الفلسطينية وتغييبها في إطار المساعي الرامية لمحو الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطينيّ.
يقدّم المؤلَّف عرضًا تفصيليًا للجهود المبذولة من أجل الحفاظ على هذا الإرث، مناقشًا دور المتحف الفلسطينيّ في الحفاظ الرقمي عليه. كما يقدّم أيضًا سردًا تاريخيًا لبدايات التوثيق المصوّر والتسجيل الصوتيّ في الأراضي الفلسطينية قبل النكبة، بدءًا من بدايات التصوير الفوتوغرافيّ وتصوير الأفلام السينمائية المتحرّكة وما خلّفاه من إرثٍ بصريّ، مرورًا ببداية التسجيلات الموسيقية التي تتطلّب مناقشة دور مصلحة الإذاعية الفلسطينية برفقة إذاعة الشرق الأدنى البريطانية الناطقة باللغة العربية.
يُعيد كتاب "الإرث الفلسطينيّ المرئيّ والمسموع" إلقاء الضوء على مسألة نهب أرشيف مركز الأبحاث من منظورٍ مُختلف
حملت النكبة وما تلاها مُتغيّرات ومُعطيات سياسية وتاريخية جديدة تناولها الكتاب في فصله الرابع الذي خصّصه الكاتب لمناقشة مسألة التلاعب بالذاكرة الجماعية، وبدايات الإنتاج الثقافي والمرئي والمسموع في ظلّ النضال التحرّري الوطنيّ، ونشوء الأغنية الفلسطينية في الشتات، وتلك السياسية التي ظهرت داخل الأراضي المحتلّة، وصولًا لاتفاق أوسلو وتأثيره على النتاج الثقافي الفلسطينيّ. ويتطرّق الكتاب لمسألة المجموعات المرئية والمسموعة المنهوبة في الأرشيفات الإسرائيلية، وتلك التي عُثر عليها فيما بعد، غير أنّها لا تزال في أمكنة متفرّقة.
اقرأ/ي أيضًا: أنيس صايغ.. أرشيفٌ لفلسطين
يُعدّ الكتاب من أولى الدراسات التي عالجت موضوع الإرث الفلسطينيّ المرئيّ والمسموع من خلفية علمية وعملية، وجاء فصله الأخير مُخصّصًا لاستعراض الكيفية التي يُمكن من خلالها أرشفة هذا الإرث، والتحدّيات وكذا الإمكانيات المتوفّرة للقيام بعملية الأرشفة المرئية والمسموعة.
اقرأ/ي أيضًا:
في السؤال عن الأرشيف الفلسطيني.. من هم الذين تُخيفهم هذه الذاكرة؟