أصدرت "دار المأمون" في بغداد، حديثًا، كتاب "شعراء الحرب الباردة" الذي يضم مجموعة دراسات ومقالات، ترجمها ووثّقها الشاعر والباحث العراقي جمال جمعة، حول استخدام الولايات المتحدة للثقافة كسلاح في مواجهة الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.
يكشف الكتاب جانبًا من طبيعة عمل المنظمة العالمية للحرية الثقافية التي أسستها وأدارتها وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، لمواجهة الشيوعية وخدمة المصالح السياسية الغربية، إذ أدركت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وبداية صراعها مع الاتحاد السوفييتي، أن الحرب الباردة أقل كلفة من المواجهة العسكرية، لأن خسائرها أقّل، ومكاسبها أكبر، وتأثيرها أعمق.
يضم الكتاب مجموعة دراسات ومقالات حول تجنيد وكالة الاستخبارات الأمريكية لكتّاب وأدباء عرب في حربها الثقافية ضد الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة
ولهذا ركّزت على إدارة حرب ثقافية عبر تمويل المجلات الأدبية والمعارض الفنية والحفلات الموسيقية تحت عناوين الحداثة وحرية التعبير، ومن خلال المنظمة العالمية لحرية الثقافة، التي ورّطت العديد من المثقفين العرب بطرق مختلفة، ومنهم توفيق صايغ وبدر شاكر السياب والطيب صالح.
"الخبز والحرية: المنظمة العالمية لحرية الثقافة ومجلة حوار"، هي أولى دراسات الكتاب. وفيها، تتحدث إليزابيث م. هولت عن تجربة مجلة "حوار" التي أسسها الشاعر توفيق صايغ عام 1962 وترأّس تحريرها حتى توقفها عام 1967، وعلاقتها بالمنظمة التي كانت تموّلها بأموال وكالة الاستخبارات الأمريكية، والجدل الذي أثارته في المشهد الثقافي العربي بعد افتضاح أمر المنظمة.
وتحت عنوان "بدر شاكر السياب: شاعر الحرب الباردة"، يربط إليوت كوالا بين نشر الشاعر العراقي بدر شاكر السياب مذكراته "كنت شيوعيًا" وأنشطة المنظمة العالمية لحرية الثقافة خلال الحرب الباردة، لكنه يؤكد أن السياب لم يتطوّع تلقائيًا في تلك الحرب، وأنه تم تجنيده بسبب الظروف الصعبة وعدم وجود خيارات أفضل.
وتكتب إليزابيت م. هولت في "موسم الهجرة إلى الشمال والحرب الباردة الثقافية"، عن علاقة الروائي السوداني الطيب صالح بمجلة "حوار"، ورئيس تحريرها توفيق صايغ، وعدة مجلات أخرى ممولة من قبل المنظمة العالمية لحرية الثقافية، وتتناول كذلك دوره كروائي خلال الحرب الباردة، والجدل الذي أثارته مجلة "حوار" التي نشرت روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" بعد وقت قصير على الفضيحة.
وتضمن الكتاب أيضًا عدة مقالات أخرى حول الموضوع نفسه جمعها جمعة في قسم "ملحق"، ومنها: "سبعون عامًا من التضليل" لفيليب جيرالدي، و"كيف موّلت وكالة المخابرات المركزية المجلّات الأدبية" لجوش جونز، و"مجلات الاشتراكيين الممولة" لباتريك أيبر، و"باريس ريفيو والحرب الباردة" لجويل ويتني.
يُذكر أن جمال جمعة شاعر ومترجم وباحث من العراق، يقيم في الدنمارك منذ 1984. قام بتحقيق مجموعة من كتب التراث الإيروتيكي العربي للنفزاوي والتيفاشي وغيرهما، وقد أثارت هذه الكتب جدلًا واسعًا. من إصداراته الشعرية: "يوميات السائر في نومه"، و"اختراق حاجز الصوت"، و"قصائد فيلنيوس"، و"شرفة في شارع جدمينو".