أصدر "المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات" مؤخّرًا كتاب "محاضرات في تاريخ الفلسفة السياسيّة" للفيلسوف الأمريكيّ جون رولز (1921-2002)، تحرير صامويل فريمان وترجمة يزن الحاج.
يجمع الكتاب الذي جاء في 640 موزّعة على ستّة أقسام رئيسيّة وتسعة عشر فصلًا فرعيًا، بالإضافة إلى مُلحق يضمّ عددًا من المُحاضرات عن جوزف بتلر؛ بين دفّتيه مجموعة مُحاضرات ألقاها رولز خلال سنوات تدريسه البالغة ثلاثة عقود من الزمن في جامعة هارفرد.
بالنسبة لجون رولز، قوانين الطبيعة ومضمون الفضائل الأخلاقيّة كالعدالة والشرف.. يُمكن تفسيرها دون اللجوء إلى الافتراضات اللاهوتيّة
تتناول مُحاضرات صاحب "قانون الشعوب" المُنشغل بالعدالة وفلسفتها جُملة مواضيع، أهمّها الفلسفة السياسيّة الحديثة، وتحديد السمات الأساسيّة لليبراليّة باعتبارها تُعبّر بحسب رأيه عن مفهوم سياسيّ للعدالة إن جرى النظر إلى الليبراليّة بمنظار تقاليد الدستوريّة الديمقراطيّة.
اقرأ/ي أيضًا: كتاب "نوعان من البشر".. الغرب هو التاريخ والآخرون هم الجغرافيا
ولا يُغفل الفيلسوف الأمريكيّ المرور بحثًا ودراسةً ونقاشًا على أصحاب نظريّة العقد الاجتماعيّ توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو، خصوصًا أنّه في غالبيّة اشتغالاته الفلسفيّة جمع بين نظريّة الأخلاق الكانطيّة القائلة باستقلاليّة الشخص، وتلك القائمة على فكرة العقد الاجتماعي. كما يمرّ أيضًا على مفكِّري الفلسفة النفعيّة أمثال ديفيد هيوم وجون ستيورات مل، بالإضافة إلى كارس ماركس الذي تناولهُ باعتباره ناقدًا لليبراليّة.
جاء القسم الأوّل من الكتاب موزّعًا على أربعة فصول مُخصّصة جميعها للفيلسوف البريطانيّ توماس هوبز وفلسفته وفكره، إذ تناول جون رولز في الفصل الأوّل "المحاضرة الأولى عن هوبز: الأخلاقيّة العلمانيّة عند هوبز ودور عقده الاجتماعي" مسألة الفكر الأرثوذكسيّ ودوره في فكر الأخير، مُعتقدًا أنّ هذا الفكر لم يلعب دورًا جوهريًّا في آرائه، وأنّ جميع الأفكار المُستخدمة أو الواردة فيها يُمكن تعريفها وتحليلها بمعزل عن أيّ خلفيّة لاهوتيّة، مُبيّنًا أيضًا أنّ قوانين الطبيعة ومضمون الفضائل الأخلاقيّة كالعدالة والشرف وما إلى ذلك، يُمكن تفسيرها دون اللجوء إلى الافتراضات اللاهوتيّة، بل ويُمكن أيضًا فهمها ضمن المنظومة العلمانيّة.
ويرى مؤلّف "العدالة كإنصاف: إعادة صياغة" في الفصل الثاني من الكتاب "المحاضرة الثانية عن هوبز: الطبيعة البشريّة وحالة الطبيعة" أنّ الفيلسوف البريطانيّ يعمد إلى إظهار ماهية الطبيعة البشريّة عبر السمات الأساسيّة والقدرات والرغبات والعواطف الأخرى للبشر المُلاحظة الآن داخل المجتمع المدنيّ.
أمّا في الفصل الثالث "المحاضرة الثالثة عن هوبز: توصيف هوبز للتفكّر العمليّ"، يقول رولز إنّ التفكّر العمليّ عند مؤلّف "اللفياثان" هو التفكّر في ماهية الأمر العقلانيّ الذي ينبغي فعله، بينما يرى في الفصل الرابع والأخير "المحاضرة الرابعة عن هوبز: دور الحاكم وسلطاته" أنّ رؤية هوبز المتعلّقة بدور الحاكم تعني أو تُفسّر بصفتها تكرّس أو تصون الحالة الاجتماعيّة التي يحتكم فيها الجميع إلى القوانين الطبيعيّة التي تردُ في فكره باعتبارها "حالة السلام".
القسم الثاني من "محاضرات في تاريخ الفلسفة السياسيّة" جاء مُخصّصًا للفيلسوف البريطانيّ جون لوك الذي تناولهُ جون رولز في ثلاثة فصول، رأى في أوّلها "المحاضرة الأولى عن لوك: عقيدته المتعلّقة بالقانون الطبيعيّ" أنّ تصوّر الأخير للقانون الطبيعيّ يُقدّم نموذجًا عن نظام مُستقلّ للقيم الأخلاقيّة والسياسيّة.
أمّا الفصل الثاني "المحاضرة الثانية عن لوك: توصيفه لنظام شرعيّ" يقول الكاتب إنّ جون لوك يستخدم فكرة الميثاق الاجتماعيّ كوجهة نظر يُمكن من خلالها إدراك كيف أنّ بإمكان النظام المختلط أن يظهر تشريعيًّا، فيما جاء الفصل الثالث "المحاضرة الثالثة عن لوك: المِلكية والدولة الطبقيّة" مُخصّصًا لمسألة العقد الاجتماعيّ عند الأخير ودوره في دعم الدولة الدستوريّة.
يقول رولز إنّ التفكّر العمليّ عند مؤلّف "اللفياثان" هو التفكّر في ماهية الأمر العقلانيّ الذي ينبغي فعله
وتناول مؤلّف "نظريّة في العدالة" في القسم الثالث مسألة العقد الأصليّ عند الفيلسوف الاسكتلنديّ ديفيد هيوم، بالإضافة إلى المنفعة والعدالة والرؤية الأخلاقيّة الخاصّة به، تلك التي لا تعرف الفروق الأخلاقيّة وتُطبّق على الأشياء بواسطة العقل وحده. أمّا في القسم الرابع، فقد حاول الفيلسوف الأمريكيّ تفسير أو تبيين مشكلة العقد الاجتماعيّ عند الفيلسوف السويسريّ جان جاك روسو والافتراضات والإرادة العامّة ومسألة الاستقرار عندهُ أيضًا.
اقرأ/ي أيضًا: كتاب "الفلسطينيون في العالم: دراسة ديموغرافية".. تحولات وأرقام
وجاء القسم الخامس من الكتاب معنيًّا بالفيلسوف البريطانيّ جون ستيورات مل، حيث تناول فيه رولز تصوّر مل للمنفعة وتوصيفه للعدالة وصياغته لسؤال الحريّة أيضًا، قبل أن يُفكِّك في محاضرته الرابعة والأخيرة عنه عقيدته بصورة عامّة، لينتقل بعد ذلك في القسم السادس لمُناقشة أفكار الفيلسوف الألمانيّ كارل ماركس ورؤيته إزاء مواضيع عدّة أهمّها الرأسمالية باعتبارها منظومة اجتماعيّة، فضلًا عن تصوّره للحقّ والعدالة، وغايته المُثلى المُتمثّلة بمجتمع من المُنتجين المُرتبطين ارتباطًا حرًّا.
اقرأ/ي أيضًا: