أية نهاية
أن يجلس الشاعر أمام نافذته
ليحدق بجدار؟
أية خيانة
أن تصبح الثورة قميصًا في الدولاب
مضى موسمه دون عودة، والثائر
مادة جامدة يقاس بالمسطرة؟
أية حياة
أن تشعل سيجارة
وتحتضن الحاسوب بدلًا من القرطاس
وتفشل في كتابة قصيدة ترثي بها القصيدة؟
إن أغلقت عينك الآن، وشغلت أسطوانة بيانو لن تتألق جوارحك ولن تتقد المشاعر، أو تهطل الرؤى كالمطر الناعم على رأسك، ثمة ضوضاء ستسلبك السكينة، وأفواه معدة للسخرية والتثاؤب. هذه حياة جديدة لها آلات تقيس معدل الألم من عشر درجات، وأخرى تحسب منسوب السعادة بتحليل هرومانتك، فيها روحك معادلة رياضية - حيوية، ولن تستطيع إطلاقها عن جسدك المنهمك بكتابة قصيدة.
لا رومانسية بعد اليوم، لا خطر ولا مجهول، الدراية الكونية دنست الدهشة، والبحر الشاسع أسرته صورة عرضها خمس بوصات ونصف، دوات الحبر جافة في المتحف، والمكتبة القديمة استبدلت بمقهى، يصنع القهوة فيها جهاز كهربائي. إنه زمن الروبوت الذي سيشذب الحدائق وفق نسبة مثلى، ويفرق بين الجمال وخطيئة الإنسان.
دع أغنيتك، ملحمة الحب التي قوست ظهرك فوقها، جنياتك الذهبية وأشباحك السود، دع أحلامك وأبوابك المشرعة على الوجود كما تراه أنت، لا يحق لك الآن أن تقول ما تقول، فالعالم الواسع أصبح رهين أزرار ذكية، سيخبرك أن القلب لا يحب، وأن يد حبيبتك التي لامست قبل عام يدك، أزال الماء والصابون رائحتها بعد يوم.
ينظر الشاعر إلى قصيدته خلسة، كما يفعل العجوز مع كيس أغراضه القديمة. في القصيدة ما في الكيس: علبة سجائر فارغة، ولاعة معطلة، وشهادة تسريح من الجيش. في القصيدة ما في الكيس من أثر: غطاء قلم ضاع مع من اهدته القلم، خرقة خضراء من جدته العائدة من "السيد محمد"، وشريط دواء منتهي الصلاحية لم تكمله زوجته. في القصيدة ما للشاعر وحده، كما في الكيس ما للعجوز، وفي القصيدة ابتسامة مجانية، ولحظة مسروقة واعتراض بصوت خفيض.
يترك الشاعر أمام الناس القصيدة، يتركها ويختبئ، كالطفل الذي كسر أصيص الورد بعد أن قذف الكرة على الجيران. هو لا يخاف ولا يستحي، إنها لغته فقط التي لم يعد لها مكان سوى في كيس العجوز.
اقرأ/ي أيضًا: