تعيش المسلسلات التلفزيونية الأمريكية، في السنوات الأخيرة، عصرها الذهبي الذي ربما لم تعرفه من قبل، وقد باتت منافسًا قويًا للأفلام السينمائية، بل ربما تتفوق عليها أحيانًا، إلا أن هذا الازدهار جلب معه ازدهار المشاهد الجنسية الأكثر جرأة ووضوحًا، على غير ما اعتادت عليه العروض التلفزيونية الأمريكية على مدار عقود طويلة. كيف إذًا، ومتى، أصبحت المسلسلات التلفزيونية الأمريكية أكثر جرأة في عرض المشاهد التلفزيونية؟ الإجابة في السطور التالية المنقولة بتصرف عن موقع شبكة "BBC".
منذ الحلقة الأولى له في 2011، يُظهِر مسلسل Game of Thrones -من إنتاج شبكة HBO- الجنسَ كما لم يَظهَر من قبل على التلفاز الأمريكي؛ إذ يعرض لعلاقات جنسية بين المَحارم، وجنسٍ فمويّ وجنس جماعيّ، وبيوت دعارة وأثداء، ثمّ أثداء ثم المزيد من الأثداء العارية.
تعتبر السنوات الأخير بمثابة عصرٍ ذهبي للمسلسلات التلفزيونية في أمريكا، والذي جلب معه أيضًا عصرًا ذهبيًا للجنس على شاشات التلفاز
في العام التالي، تصدر مسلسل "Girls"، من إنتاج HBO أيضًا، وذلك لأسباب مشابهة أيضًا وهي ولع بطلاته الشابات، بالتعري، لأداء مشاهد جنسية واضحة.
اقرأ/ي أيضًا: تعرف على أبرز 12 مسلسلًا في خريف 2018
وبحلول عام 2013، وبعد الكثير من العُري والعلاقات المُثيرة، بَدَا من المألوف تقريبًا عرضُ مسلسلٍ كامل عن الجنس، كما الحال مع مسلسل من إنتاج شبكة Showtime، يُسمى "أسياد الجنس" أو "Masters of Sex"، وهو مسلسل دراما تدور أحداثُه في خمسينات القرن الماضي، عن البحوث المخبريّة غير المعتادة للباحثيْن ويليام ماسترز وفيرجينيا جونسون، وعلاقتهما.
كان الجنس، في الزمن الذي تدور فيه أحداث مسلسل "أسياد الجنس"، أمرًا محظورًا بشدّة في التلفاز، إلى حدِّ أنَّ زوجَين شرعيَّين مثل لوسي وركي ريكاردو من مسلسل I Love Lucy، كان عليهما أن يَظهرَا نائمَين في سريرَين مختلفَين. وحين أصبحَت لوسي، حاملًا، كانت حتى كلمة "حامل" محظورٌ نطقُها على شاشات التلفازّ
ثم أخيرًا، بحلول السبعينيات، أصبَحَ مقبولًا للأزواج أن يتشاركوا الفراشَ وأن يتحدَّثوا عن الجنس، ما سمَحَ لبطلة مسلسل Maude، أن تقوم بالإجهاض، وكذلك سمح لماري ريتشارد من مسلسل The Mary Tyler Moore، أنْ تُلمح أنها كانت تتعاطى حبوب منع الحمل، وسمح لشخصية جودي دالاس من مسلسل Soap، أن يعلِن أنّه مثليّ الجنس.
والآن، وبينما يُعرَض الجزءُ الثالث من مسلسل أسياد الجنس على التلفاز الأمريكيّ، أصبحت مشاهدُ الجنس الواضحةُ على شاشة التلفاز أمرًا طبيعيًّا، فنحن نتوقّع أن نرى هذه المشاهد في أيّ مسلسل دراما للكبار، مثل: The Americans وThe Affair وScandal، وHouse of Cards، وغيرها الكثير، فالعصر الذهبي لمسلسلات الدراما، جلب معه أيضًا عصرًا ذهبيًا للجنس على شاشات التلفاز.
وبالتأكيد ساعدَت مواقع التواصل الاجتماعيّ على تجاوزِ حدودِ ما كان مألوفًا، إذ كافَأت كلَّ مشهدٍ صادمٍ بهاشتاغ ذائعِ الصيت على تويتر. ولكن من المثير للاهتمام أنَّ الأفلامَ ذهبَت في الاتّجاهِ المعاكس، إذ أصبحَت بمرورِ الوقت أقلَّ إظهارًا للجنس، في محاولة منها للوصول إلى جمهورٍ أكبر (حتى تتجاوز التحديدات العُمْريّة في مسارح السينما). فمَعَ رغبةِ صنّاع الأفلام بإنتاج أفلام تُناسِب العائلة كلَّها، ومع غياب إمكانيّة توحيد البَثّ؛ نهَجَت الأفلام نهجًا مختلفًا.
للكبار فقط؟
مع ازدياد "عِفّة" هوليوود، أصبحَت المسلسلات التليفزيونيّة هي المكان الذي يقصده الراغبون في محتوًى أكثر جرأة. إنّ العاملَ الأكبر في انعكاسِ الأدوار بين السينما والتلفاز، هو أنّهما تَبادَلا الأدوارَ في الثقافة الأمريكيّة، فحتّى وقتٍ قريب، كانت الأفلام هي الأكثر جاذبيّةً من حيث غناها في الحسِّ الفنّيّ، وأنها الأكثر خيالًا، بينما كانت الأفلام هي مَحلّ تجاوُز الحدود المألوفة، والجرأة في عرض المشاهد الجنسية، أمّا التلفاز فكان بمثابة الميديا الثانوية، كان مكانًا للبلادة والملل، ومكانًا لتسلية الجماهير، لم يكن فنًّا أو حتّى مكانًا لمتعة "البالغين".
كان من المفترض أن يكون التلفاز موجَّهًا للجميع. في الواقع، في عام 1975، وحين بدأت العروض التليفزيونيّة تصبح أكثر تطوّرًا وتعقيدًا، أجبرَت احتجاجاتٌ من اليمين المسيحيّ، لجنةَ الاتصالات الفيدراليّة، على الدعوة إلى "ساعة للمشاهدة العائليّة"، في أوّل ستّين دقيقة من وقتِ الذّروَة.
في النهاية، أُلغيَ هذا الإجراء من المحكمة عام 1977، لكن ليس قبْل أن يُحدث فوضى في جداولِ مواعيد العروض لِمُختلِف الشبكات التليفزيونيّة، ما أدَّى إلى انتقال مُميت للمسلسل الطويل All in the Family، من إنتاج شبكة CBS، إلى ليلة الإثنين، بعد أن كان يُعرض في ليلة السبت، ما أدى لتناقص أعداد مشاهديه، وربما يكون قد أدَّى أيضًا إلى تسريع نهاية مسلسل ذا ماري تايلر مور.
غير أنه في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، ارتقت شبكة HBO الأمريكية، إلى مكانة بارزة، عندما عرضت مسلسل تلفزيوني بدا وكأنه عملٌ فنيٌ من الطراز الأول، فقد ابتكر كاتب السيناريو، ديفيد تشيس، مسلسل "آل سوبرانو" أو "The Sopranos"، مُستلهمًا أحداثه من أفلام السينما التي انتشرت في حقبة السبعينات، ومُتخذًا أعمال المخرجين فرانسيس فورد كوبولا، ومارتن سكورسيزي، نموذجًا له.
ومنذ ذلك الحين، صارت الأعمال التلفزيونية أكثر جدية، وزاد ظهور الأبطال المخالفين للعرف، أي البطل أو الشخصية الرئيسية التي تفتقر إلى مواصفات البطولة التقليدية كالمثالية والشجاعة وغيرهما. وتألقت وسائل التصوير السينمائي الجميلة، والنصوص المتقنة، والأداء التمثيلي الرائع، وظهر الكثير من المحتوى الجاد للبالغين، في العديد من المسلسلات مثل Mad Men وBreaking Bad وLost وDexter وThe Good Wife وHouse of Cards.
كما لعبت خدمات التلفزيون المدفوعة وخدمات البث المباشر، دورًا رئيسيًا أيضًا، فقد خضعت لقيود أقل من قبل هيئة الاتصالات الفيدرالية، وكانت لبرامجها قدرة جذب أعلى للمشاهدين. أصبحت البرامج التلفزيونية في العقد الأول من الألفية الجديدة، تبدو مشابه لما كانت عليه الأفلام السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
لعبت خدمات التلفزيون المدفوعة خدمات العرض عبر الإنترنت، دورًا رئيسيًا في زيادة وجود الجنس في المسلسلات التلفزيونية
وفي الوقت نفسه، تغيرت صناعة السينما بشكل جذري، نظرًا لأن سعي الاستوديوهات إلى تحقيق أرباحٍ أكبر دفعها بشكل حصري تقريبًا إلى إنتاج سلاسل الأفلام التي لها جمهورها الخاص المضمون. كما ساهمت الاستثمارات الكبيرة في الأبطال المشهورين، والمؤثرات الخاصة الهائلة؛ في تقديم هذه الأفلام إلى أكبر قدر من الجماهير، سواء في الولايات المتحدة أو في الخارج.
اقرأ/ي أيضًا: إدمان نتفليكس.. مشاهدة "قهرية" حتى الرمق الأخير!
وكانت النتيجة هي وجود الكثير من المؤثرات البصرية الحاسوبية، ومشاهد الانفجارات، ولكن القليل جدًا من المشاهد الجنسية. وأصبحت هوليوود في سعيها إلى استهداف الجمهور العالمي، تدرك تمامًا الحساسيات والمحرمات الإقليمية، فيما يتعلق بالمحتوى الجريء، وباتت الأفلام المشهورة القليلة التي تحتوي على الكثير من العري، مثل: Fifty Shades of Grey وسلسلة أفلام Magic Mike، تصنف على أنها أفلام "تدور أحداثها حول الجنس"، وهذا تصنيف لا يترك في دلالته سوى مجال صغير للفهم الخاطئ.
بالإضافة إلى أن أرقام شباك التذاكر، تُشير إلى نجاح الأفلام العائلية؛ فقد تمكن فيلم Jurassic World وفيلم الرسوم المتحركة الكوميدي Inside Out، من إنتاج استوديوهات بيكسار للرسوم المتحركة، من تحقيق إيرادات أعلى من فيلم Magic Mike XXL في أول أسبوع من عرضه، ما دفع بالفيلم الذي يتناول مجموعة من الرجال يعملون في مجال عروض التعري؛ إلى المركز الرابع في شباك التذاكر خلال الأسبوع الأول من بداية عرضه.
اغتنام الفرص
صبغ مسلسل Grey's Anatomy، صناعة المسلسلات التلفزيونية، بصبغة جنسية نسائية، فقد احتوى على العديد من مشاهد المداعبة الجنسية، وعلاقات مثلية جادة بين النساء، وذكر صريح لأعضاء المرأة الحساسة.
وأحدثت المنتجة التلفزيونية وكاتبة العمل، شوندا رايمز، طفرة هائلة من خلال المسلسل الذي بدأ عرضه في عام 2005 على شاشات التلفزيون في الولايات المتحدة، والذي أثار عواطف مشاهديه من خلال متابعتهم لمجموعة كبيرة من الأطباء ذوي المظهر الأنيق، الذين اعتادوا ممارسة الجنس في غرف الإمدادات الطبية، وفي غرف الاستراحة، خلال الفترات الفاصلة بين قيامهم بإجراء عمليات جراحية حساسة.
ولم يستغل المسلسل الجنس فحسب، بل ساهم في صناعة برامج التلفزيون الجنسية النسائية، فقد احتوى على العديد من مشاهد المداعبة الجنسية، وعلاقات مثلية جادة بين النساء، وذكر أعضاء المرأة الحساسة في بعض الأحيان بطريقة مباشرة.
وحافظت رايمز على علامتها المميزة عبر مسلسلاتها التالية: Private Practice، وScandal، وHow to Get Away With Murder. كما كانت العروض التي صنعتها، رائدة في عرض مشاهد الجنس المثلي الصريح خارج حدود البرامج والقنوات المدفوعة، التي تتعلق على وجه التحديد بالشخصيات المثلية، مثل مسلسل Queer as Folk، وThe L Word.
في الوقت نفسه، أنقذ مسلسل Orange Is the New Black، مشاهد الجنس المثلية بين النساء، من اعتبارها ضمن المواد الإباحية، إذ لا يوجد شيء أكثر نمطية في الأفلام الإباحية من امرأتين تمارسان الجنس في السجن. لكنه نجح في إضفاء صبغة إنسانية على مثل هذه العلاقات، ما جعلها تبدو وكأنها علاقات مميزة مثل النساء اللواتي ينخرطن فيها، إذ بدا بعضها لطيفًا، أو استغلاليًا، بينما اتسم بعضها بطابع رومانسي، فيما كان البعض الآخر مثيرًا للإزعاج.
ولم يتمتع العديد من النساء في المسلسل بالأجسام المثالية التقليدية، وفي النهاية، كان الأمر الأكثر وضوحًا، وهو: إبراز أن ممارسة الجنس بين النساء في السجن أمر طبيعي. وصرنا نتطلع إلى بعض تلك العلاقات وندافع عنها ونكره بعضها الآخر، تمامًا مثلما فعلنا لعقود مع العلاقات الجنسية التي ظهرت على التلفاز بين جنسين متباينين.
قام مسلسل Grace and Frankie من إنتاج شبكة نتفليكس، بفعل نفس الشيء فيما يتعلق بالحياة الجنسية لكبار السن. إذ تدور أحداث المسلسل حول زوجي شخصيتي غرايس وفرانكي، اللتين يحمل عنوان المسلسل اسميهما، فقد ترك كلاهما زوجته بسبب حبهما لبعضهما البعض، وهو اعتراف واضح بأن الجنس لا يزال مهمًا بالنسبة إلى أولئك الذين تتجاوز أعمارهم السبعين عامًا. ولم تضيع الزوجتان أي وقت، وشرعتا في البحث عن شركاء محتملين جدد، ولا سيما غرايس التي تقوم بأداء شخصيتها الممثلة جين فوندا، التي تعطي عشيقها، الذي يقوم بأدائه الممثل كريج تي نيلسون، درسًا في المداعبة بطريقة جميلة، لكنها لا تزال واضحة تمامًا.
تثبت المسلسلات التلفزيونية المنتجة في السنوات الأخيرة، المقولة الكلاشيهية بأن الجنس قادر على النجاح وزيادة الإقبال على المنتجات
قد تثبت هذه العروض والمسلسلات التلفزيونية، المقولة البالية بأن الجنس قادر على النجاح وزيادة الإقبال على المنتجات، لكنها غالبًا ما تعرضه لنا بطرق مبتكرة وفنية، تدفع إلى المزيد من التأمل وتتحدى معايير المجتمع.
اقرأ/ي أيضًا:
روبي روز.. "باتْوُمان" مثلية الجنس
أكثر من مجرد جنس.. كيف تعبّر السينما عن مشاكل المثليين غير البيض؟