يسود اعتقاد عند غالبية المهتمين بالسيارات وعموم الناس بأن السيارات الحديثة خفيفة الوزن و"حديدها" أو "صاجها" ضعيف. يرجع ذلك ربما لملاحظتهم انتشار الأجزاء البلاستيكية في هذه السيارات، في حين أنه في حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كان من الشائع رؤية السيارات بصدامات أمامية لامعة مصنوعة أو مطلية بمعدن الكروم، أما السيارات اليوم فصداماتها والمرايا الجانبية والعديد من الأجزاء الخارجية مصنوعة من البلاستيك أو "الفايبرالجلاس" واللدائن المتعددة.
السيارات الحديثة في الحقيقة هي أثقل وزنًا وبفارق كبير مقارنة بالسيارات القديمة
إلا أن الواقع يكذّب هذا الاعتقاد، نظرًا إلى أن السيارات الحديثة في الحقيقة هي أثقل وزنًا وبفارق كبير مقارنة بالسيارات القديمة.
وللتوضيح فلنأخذ المثال التالي:
تويوتا كامري الجيل السابع (موديلات 2011 وحتى 2017) وهي من أكثر السيارات انتشارا في أسواق الخليج العربي، يبلغ وزنها 1570 كيلوغرام تقريبا اعتمادا على فئة التجهيزات والمحرك المجهزة به السيارة، بينما الفولفو 240 موديلات الثمانينات وهي سيارة يضرب المثل بمتانتها وثقل وزنها و"حديدها" الثقيل السميك يبلغ وزنها 1278 كيلوغراما ، وهذا على الرغم من الاستخدام الكثيف للبلاستيك والمواد الخفيفة في بناء السيارات الحديثة.
الأمر ذاته ينطبق على سيارة أخرى وهي مرسيدس فئة 200 والتي أصبحت تعرف لاحقا بالفئة E موديلات الثمانينات والتي حظيت بانتشار واسع في جميع الأسواق العربية وبالذات في بلاد الشام والعراق. فهذه السيارةوزنها الإجمالي هو 1340 كيلوغرام، أي بفارق 200 كغم تقريبًا عن سيارة الكامري بالموديلات الحديثة المشار إليها أعلاه
فما الذي يجعل أوزان السيارات الحديثة مرتفعة؟ الجواب السريع البسيط هو المستهلكون، لكن كيف ذلك؟
قد يكون أحد أهم الأسباب هو رغبة الزبائن بالحصول على سيارات أكبر حجما وأكثر رحابة، فمعظم السيارات قد زادت أحجامها وأوزانها بشكل كبير في العقود الأخيرة.وللتوضيح فإن موديلات التسعينات من سيارة تويوتا كورولا، وهيأكثر سيارات العالم مبيعًا،كان طولها الإجمالي 427 سم وعرضها 168.5 سم، بينما الموديل الحديث من السيارة نفسها، (2018-للوقت الحاضر) فيزيد طوله عن 460 سم بينما يزيد عرضها عن الموديل القديم ب10 سنتمترات تقريبا. فالكورولا الحديثة ،وهي سيارة من الفئة المدمجة ما دون المتوسطة، تعدّ أكبر حجمًا من أختها تويوتا كامري بموديلات التسعينات رغم أنها من الفئة المتوسطة.
أما السبب الثاني فهو رغبة المستهلكين بالحصول على وسائل راحة ورفاهية أكثر، في السابق كانت المرايا الكهربائية وربما التكييف هي قمة وسائل الترفيه والراحة في المركبات. بينما اليوم حتى السيارات الصغيرة الرخيصة تأتي بهذه الإضافات! فيما أصبحت المقاعد الكهربائية المدفأة وأحيانا المهواة من الأمور الشائعة في العديد من السيارات. اليوم أيضا أغلب السيارات فيها أنظمة صوتية معقدة بعدة سماعات وتجد كذلك الشاشات وأنظمة الترفيه المتطورة وغيرها، وهذا كله يضيف وزن للسيارات ويجعلها "تسمن" بشكل كبير عما اعتدنا عليه قبل عقود.
السبب الثالث هو أنظمة السلامة والأمان في المركبات. فأنظمة منع انزلاق المكابح والتحكم بالثبات الإلكتروني والوسائد الهوائية وغيرها تضيف وزنًا كبيرًا للسيارات، ومع اهتمام المستهلكين أكثر بالسلامة أصبحت الدول تفرض هذه الأنظمة بشكل قياسي وإجباري على المصنعين في الأسواق. وفي سعي المصنعين لتصميم سيارات أكثر أمانا يتم زيادة حجم السيارات حتى يتيح إضافة "مناطق تهشم" والتي تحمي الركاب في حالة الحوادث ويتم تدعيم هياكل السيارات بمعادن أقوى وقد تكون أثقل وزنا مما يضيف إلى وزن السيارات الحديثة.
ما المشكلة إذًا في الوزن الكبير للسيارات؟
ترتبط زيادة وزن السيارات بمشكلتين اثنتين، الأولى هي تسببها في ارتفاع أسعار السيارات. لا يمكن بالطبع إغفال تأثير الإضافات الجديدة المتعلقة بالأمان والسلامة في السيارات الحديثة، إضافة إلى التقنيات المتطورة فيها والتي تفسر ارتفاع سعرها نسبيًا، ، لكن الإضافات الكمالية تؤدي أيضا إلى ارتفاع في السعر. مثلًا، وفي نهاية التسعينات كان المستهلك في السوق السعودية يستطيع شراء تويوتا كامري جديدة بسعر 46500 ريال سعودي تقريبا، وهو ما يعادل في أسعار اليوم 75500 ألف ريال سعودي، ولكن السعر الابتدائي لتويوتا كامري 2022 في السوق السعودي يتعدى 98 ألف ريال سعودي، مما يعني أن نفس السيارة قد زاد سعرها 22500 ريال سعودي في 25 سنة تقريبا.
كل هذه العوامل دفعت الشركات المصنعة للسيارات إلى رفع سعر السيارات بشكل أكبر عن طريق إيقاف تصنيع وتطوير السيارات الصغيرة والتركيز على السيارات الكبيرة الأكثر ربحا للشركات. ففي سوق الولايات المتحدة الأمريكية عدة شركات سيارات أوقفت إنتاج وبيع السيارات الصغيرة، مثل شركة فورد التي قررت التركيز على سيارات الدفع الرباعي والبيك أب وسيارات الكروس أوفر وأوقفت إنتاج وبيع سيارات الهاتشباك والسيارات الصغيرة تماما، كل ذلك تسبب في ارتفاع متوسط سعر السيارات الجديدة في السوق الأمريكي من 33 ألف دولار عام 2016 إلى 40 ألف دولار تقريبا عام 2022.
وفق أبسط مبادئ الفيزياء كلما زادت كتلة الجسم فإنه سيحتاج إلى طاقة أعلى لتحريكه، مما يعني أن محركات المركبات ستحتاج إلى استهلاك وقود أكثر للتعامل مع وزن المركبة
المشكلة الأخرى وهي ارتفاع استهلاك الوقود، فوفق أبسط مبادئ الفيزياء كلما زادت كتلة الجسم فإنه سيحتاج إلى طاقة أعلى لتحريكه، مما يعني أن محركات المركبات ستحتاج إلى استهلاك وقود أكثر للتعامل مع وزن المركبة. وعلى الرغم من التطوير الكبير في تكنولوجيا المحركات في العقود الأخيرة إلا أن ذلك لم ينعكس على معدلات استهلاك المركبات بسبب زيادة وزنها.