"ابتليت" المنطقة العربية بثرائها بالنفط الخام وحقول الغاز، وهي عوامل فتحت شهية المستعمر لغزوها تارة وللتحكم بها تارة أخرى، ولدعم حكام، هم في الأصل حلفاء لهم، حتى اليوم. ولكن كيف استفادت الأسواق العالمية من الحروب الدائرة في الشرق الأوسط؟ كيف استغلت وقائع الاضطرابات المحلية لصالح إمداد أسواقها بما تحتاجه من مواد خام في منطقة الشرق الأوسط؟ من هي الدول الرئيسة التي ألقت لعنة المستعمر الأبدية في إشعال الحروب ولصالح ملء جيوبها؟ كيف حدث ذلك؟ وهل كانت الحروب في منطقتنا بسبب النفط فقط؟
في بحث نشرته الجلوبال ريسرش، يتضح لنا كيف كانت المنطقة العربية ساحة حرب لملء جيوب الآخرين بالمال و النفط.
الحرب والنفط: لعنات أبدية لا تنتهي
بالغ كيم جونغ الزعيم الكوري الشمالي في أخذ تصريحات ترامب على محمل الجد، وهي التي توعد فيها الأخير كوريا الشمالية بالنار والغضب، رغم أنه وحسب تعبير استخدمته الفورين بوليسي "ضرب من ضروب البلاغة"، ولا يأخذها الأمريكان أنفسهم على محمل الجد عادة.
الأمر تعدى التلاسن بين الزعيمين إلى إطلاق صاروخ قرب جزيرة جوام الأمريكية. وكانت النتيجة أن الأسواق الأوروبية انخفضت مؤشراتها 1%، أما التصريح الذي سيأخذنا إلى موضوع هذا المقال فكان تصريح أحد مديري الإدارة في بنك نيويورك ميلون والذي نشرته الفورين بوليسي، وقد لخص فيه الموقف بقوله إن "غزو العراق للكويت في آب/ أغسطس 1990 جعل المستثمرين في حالة ترقب طويلة للسوق في انتظار النتائج المحتملة، وقد ثبت أن ذلك مضيعة للوقت، ولكن الدرس الذي تعلمه المستثمرون عام 1990 لم يتكرر في غزو العراق عام 2003، فقد تجاهلوا تمامًا العواقب". ولكن كيف أمنت الأسواق الأمريكية نفسها من العواقب؟
في بحث نشرته الجلوبال ريسيرش تحت عنوان: "الحرب في الشرق الأوسط كانت دائمًا بسبب النفط"، يتضح لنا كيف كانت المنطقة العربية ساحة حرب لملء جيوب الآخرين بالمال و النفط.
ورد في متن البحث أن الرئيس الأمريكي إيزنهاور والأخوان دولس، وهما مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية وقتها ألين دالاس ويلز ووزير الخارجية جون فوستر دولس، رفضا مقترحًا سوفيتيًا بترك منطقة الشرق الأوسط محايدة في الحرب الباردة.
لكنهم بدلاً من ذلك شنوا حربًا سرية ضد القومية العربية، خاصة عندما هدد الحكم الذاتي العربي امتيازات النفط، حيث ضخوا المساعدات العسكرية الأمريكية السرية للأنظمة في المملكة العربية السعودية والأردن والعراق ولبنان لصالح الأيديولوجيات الجهادية التي اعتبرتها الإدارة الأمريكية وقتها ترياقًا في مواجهة الأيديولوجية الماركسية السوفيتية.
حينها قال أيزنهاور في اجتماع عقده البيت الأبيض بين مدير التخطيط في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية فرانك ويسنر وجون فوستر دولس عام 1957، قال فيه أيزنهاور "يجب أن نبذل كل ما في وسعنا للتأكيد على أننا نخوض حربا مقدسة"، وقد جاء ذلك وفقا لما سجله سكرتير موظفيه أندرو جودباستر.
قصة خط الأنابيب (الموصل – حيفا)
هو المعروف أيضًا باسم خط أنابيب البحر المتوسط، ويمتد من حقول النفط الخام في كركوك شمال العراق مرورًا بالأردن إلى حيفا وقد كان يعمل في الفترة ما بين 1935-1948. فقامت شركة نفط العراق ببناء الخط في الفترة ما بين عامي 1932 و1935 وكانت وقتها هذه الأراضي تحت ولاية بريطانيا. الحكومة البريطانية اعتبرت الخط ذا أهمية كبرى بالنسبة لها، "لقد وفر بالفعل الكثير من احتياجات القوات البريطانية والأمريكية من الوقود في البحر المتوسط خلال الحرب العالمية الثانية."
كما ورد في الغلوبال ريسيرش أنه "في عام 1948، مع اندلاع نكبة فلسطين عام 1948، انتهت العملية الرسمية لخط الأنابيب عندما رفضت الحكومة العراقية ضخ المزيد من النفط".
ولكن ما علاقة ذلك بحرب العراق؟ الإجابة هي أنه بعد حرب العراق بفترة وجيزة عام 2003 "طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل التحقق من إمكانية ضخ النفط من العراق إلى مصافي البترول فى حيفا. جاء هذا الطلب فى برقية من مسؤول كبير بالبنتاغون إلى مسؤول كبير بوزارة الخارجية في القدس". رئيس الوزراء الإسرائيلي رأى أن خط الأنابيب يمكن أن يُنظر له باعتباره مكافأة الولايات المتحدة لإسرائيل مقابل دعمها اللامحدود لحرب الولايات المتحدة الأمريكية على العراق.
الجدير بالذكر أن هذا الخط ينتج 40% من نفط العراق، ولكنه في حالة سيئة، ويحتاج إلى إصلاحات. وقد ذكر تقرير الغلوبال ريسرش الذي نشر العام الماضي أنه "وردًا على شائعات حول خط أنابيب كركوك والموصل وحيفا المحتمل، حذرت تركيا إسرائيل من أنها ستعتبر هذا التطور ضربة خطيرة للعلاقات التركية الإسرائيلية. لذا فإن القتال على العراق يمكن أن يعزى إلى الأحداث التي وقعت في عام 1948 وما قبله".
حرب العراق: بالطبع نحن هنا من أجل النفط!
تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي، والسيناتور السابق: بالطبع نقاتل من أجل النفط، النفط هو المصلحة العُل
حرب العراق إذن كانت من أجل النفط، حتى أن مهندسي الحرب أنفسهم يعترفون بذلك دون مواربة ومنهم تشاك هيغل وزير الدفاع الأمريكي، والسيناتور السابق، قال عن حرب العراق، في تصريح ذكرته الغلوبال ريسرش عام 2007: "يقول الناس إننا لا نقاتل من أجل النفط، بالطبع نقاتل من أجله، وهم يتحدثون عن المصلحة العُليا الأمريكية، النفط هو المصلحة العُليا. نحن لسنا هنا من أجل ثمر التين!".
صحيفة الصنداي هيرالد في مقال لها عام 2004 فيما يُعد وثيقة تبحث في الدوافع الأساسية للحرب على العراق ، قالت: "تحديات سياسة الطاقة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين تصف كيف تواجه أمريكا أكبر أزمة طاقة في تاريخها. ويستهدف التحدي صدام حسين كتهديد للمصالح الأميركية بسبب سيطرته على حقول النفط العراقية ويوصي باستخدام التدخل العسكري كوسيلة لحل أزمة الطاقة الأميركية".
ومن أهم الفقرات الواردة في التقرير ما يلي: "يبقى العراق نفوذًا مزعزعًا للاستقرار في تدفق النفط إلى الأسواق الدولية من الشرق الأوسط. كما أظهر صدام حسين استعداده لتهديد استخدام السلاح النفطي واستخدام برنامجه الخاص للتصدير للتلاعب بأسواق النفط. وهذا من شأنه أن يعرض سلطته الشخصية ويعزز صورته كزعيم عربي... ويضغط على الآخرين لرفع العقوبات الاقتصادية عن نظامه. ويتعين على الولايات المتحدة إجراء مراجعة فورية للسياسة تجاه العراق بما في ذلك التقييمات العسكرية والطاقة والاقتصادية والسياسية /الدبلوماسية".
في النهاية، يجدر بنا أن نتفهم كيف استطاعت السياسات الغربية أن لا تقاوم شهية بقائها بعيدًا عن منطقة الشرق الأوسط التي وفرت لها منذ الحرب العالمية الثانية وحتى أيامنا هذه أهم مصادر الطاقة، التي ملأت به جيوبها ومصانعها وحققت بها سيطرتها على المنطقة لعقود قادمة.