كما تختار مجلة "تايم" الأمريكية شخصية العام، فلم لا يختار معجميّو اللغة الإنجليزية "كلمة العام" الأبرز والأكثر تأثيرًا؟ هكذا فكّر ألان ميتكالف، اللغوي الأمريكي الشهير وأستاذ الإنجليزية في جامعة إلينوي الأمريكية في تسعينات القرن الماضي، وارتأى أن يبدأ تقليدًا معجميًا فريدًا سيمتدّ أثره إلى معظم القواميس الرئيسية للغة الإنجليزية، وسينتقل بعدها إلى قواميس اللغات الأخرى كالفرنسية والإسبانية والإيطالية.
تعود القصّة كما ترويها مجلة تايم نفسها، إلى أن ميتكالف، إلى جانب عمله أستاذًا في الجامعة، قد كان أمين سرّ "جمعية اللهجة الأمريكية" (American Dialect Society)، وهو منصب شغله طوال 30 عامًا، وقد انقدحت في ذهنه هذه الفكرة أثناء تحضيره لجدول أعمال المؤتمر السنوي للجمعية في دورته لعام 1990، ورأى أنها قد تكون إضافة جديدة قد تكسر جمود التعقيدات الأكاديمية المملّة لاجتماعات زملائه اللغويين.
وقد نالت الفكرة استحسان الجميع، وكان الاستفتاح سياسيًا بامتياز، إذ صوّت أعضاء الجمعية على اختيار (Bushlips) لتكون كلمة العام 1990، وهي كلمة نحتت وشاع تداولها في الولايات المتحدة للدلالة على كذب السياسيين ووعودهم الفارغة، وذلك نسبة إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، والذي كذب على الأمريكيين بخصوص الضرائب، بعد أن كان وعدهم في حملته الانتخابية بالوقوف في وجه أي محاولات لفرض ضرائب جديدة، وذلك في عبارته الشهيرة التي ذهبت مثلًا: (Read My Lips: No New Taxes).
لكن الفكرة على طرافتها لم تجد الصدى المنشود إلا بعد أكثر من عقد من الزمن، وذلك حين اجتمع مندوبون من جمعية اللهجة الأمريكية مع أعضاء من الجمعية اللغوية الأمريكية (Linguistic Society of America) في العام 2000، وبعدها بثلاثة أعوام، أعلن قاموس ميريام ويبستر الأمريكي عن اعتماده للفكرة وتطبيقها، ووقع الاختيار على كلمة (Democracy)، والتي أصبحت الكلمة المختارة للعام 2003. ومن هنالك انتقلت هذه الفكرة إلى مختلف القواميس الأساسية للغة الإنجليزية، ومنها قاموس أكسفورد العريق، والذي انضمّ إلى هذه الحفلة اللغوية السنوية في العام 2004، لتلحقه قواميس ومعاجم مطبوعة وأخرى رقمية، مع تباين طفيف فيما بينها في معايير اختيار الكلمة في كل عام. فبعض القواميس والجمعيات اللغوية، ومن بينها جمعية اللهجية الأمريكية، اعتمدت في البداية معيار الجدّة كشرط ثابت لتأهّل الكلمة للقائمة النهائية التي يتمّ التصويت عليها، لكن سرعان ما تبنت القواميس معايير أخرى أكثر أهمّية، ومن بينها معدّل الاستخدام في المدونة اللغوية، أو مقدار البحث عنها على الإنترنت أو في النسخة الإلكترونية من المعجم، أو ارتباطها بحدث بارز أثر على حياة الناس خلال العام.
اقرأ/ي أيضًا: تاريخ "إن شا الله" بالإنجليزية.. من "ألف ليلة" إلى مناظرات الرئاسة الأمريكية
ثم توسّعت الفكرة قليلًا، وبدأت قوائم "كلمة العام" تضمّ تراكيب من كلمتين أو أكثر، وذلك ما حدث منذ العام 2004، والذي شاعت فيها تراكيب مرتبطة بالانتخابات الأمريكية من قبيل (red state) و(blue state) للدلالة على الولايات التي يميل الناخبون فيها للتصويت لصالح الديمقراطيين (الولايات الزرق)، أو للجمهورريين (الولايات الحمر)، وهو ما فعله قاموس أكسفورد كذلك عام 2011، حين اختار التركيب الاختزالي (squeezed middle) ليكون "كلمة العام"، وهو تركيب يصف تلك الطبقة من المجتمع التي تعاني ظروفًا اقتصادية صعبة، لكنها ليست فقيرة بما يكفي لإعفائها من الضرائب الإضافية أو الحصول على المعونة الحكومية.
قاموس أكسفورد.. من "كلمة العام" إلى "كلمات العام"
وللمرة الأولى منذ بدء هذا التقليد السنوي لقاموس أكسفورد الشهير، تقرّر عدم الإعلان عن كلمة بعينها لتكون "كلمة العام"، وذلك لأن العام 2020 كما وصفه القائمون على القاموس قد كان عامًا مليئًا بالغرائب والأحداث الجسيمة التي يصعب أن تقوم بها كلمة واحدة. وعوضًا عن ذلك، ارتأت اللجنة المسؤولة عن هذا المشروع اختيار عدد من الكلمات التي تعبّر عن هذا العام "غير المسبوق" بحسب عنوان التقرير الموسّع الذي أصدرته اللجنة يوم الإثنين 23 تشرين الثاني/نوفمبر، والذي جاء فيه أن الكلمات التي عايشت المستخدمين خلال العام 2020 قد بلغت من الكثرة والتأثير حدًا يصعب معه إهمالها والاكتفاء بكلمة واحدة كما جرت العادة منذ العام 2004.
وقد وقع اختيار القائمين على قاموس أكسفورد على 16 كلمة بارزة ومؤثرة في العام 2020، بعضها جديد وبعضها الآخر تضاعف استخدامه بشكل كبير خلال بعض الأشهر من هذا العام. فكلمة (Coronavirus) مثلًا، هي كلمة يعود تاريخها إلى العام 1968، إلا أن استخدامها قد تضاعف بنسبة وصلت إلى 1800% في آذار/مارس الماضي، ثم بدأ يتراجع استخدام الكلمة لصالح كلمة أخرى هي (Covid-19)، حتى صارت هي الأكثر استخدامًا، وبنسبة بلغت 1600% في أيار/مايو، مقابل 1100% لكلمة (Coronavirus).
وقد ذكر معجميو أكسفورد في تقرير هذا العام أن أحد أبرز التطورات اللغوية التي تابعوها باهتمام بالغ في الأشهر الماضية هو المدى الذي دخلت فيه بعض المفردات والتركيبات اللغوية الطبية المتخصّصة في التداول العام، في أحاديث الناس اليومية وعبر وسائل الإعلام المختلفة وفي منصات التواصل الاجتماعي. وقد ظهر ذلك بشكل مخصوص في تراكيب مثل (flattening the curve) والتي تقابلها في العربية "تسطيح المنحنى"، أو (community transmission) بمعنى "الانتشار المجتمعي" أو "التفشي المجتمع". كما تزايد استخدام تركيب (following the science) بشكل هائل في العام 2020، وذلك بنسبة وصلت إلى 1000% مقارنة بالعام الذي سبقه، إضافة إلى بروز كلمات أخرى مرتبطة بجائحة كورونا وتركت أثرها على حياة الناس اليومية، ومنها كلمة (pandemic)، والتي شهدت تزايدًا في استخدامها بلغ 57،000%، وكلمة (lockdown)، و(face mask) وغيرها.
أثر ترامب حاضر
ثمة مواضيع أخرى لم يفت فريق المعجميين في أكسفورد تقدير حضورها الطاغي بين مستخدمي الإنجليزية هذا العام، ومن بينها بلا شكّ السياسة الأمريكية والجدل المتواصل بشأن دونالد ترامب وسياساته وأثر خطاباته الشعبوية التي يكاد يتفق اللغويون الأمريكيون على رداءتها وتدني مستوى بلاغتها مقارنة مع رؤساء سابقين، إضافة إلى حركة الاحتجاجات التي شهدتها الولايات المتحدة إثر مقتل جورج فلويد، وهو الأمريكي الأسود الذي مات تحت قدم أحد رجال الشرطة أثناء محاولة اعتقاله. فقد تزايد مثلًا استخدام كلمة "impeachment" (والتي تعني عزل الرئيس) بشكل كبير في بداية العام، بنسبة وصلت إلى 3000%، أما عبارة "Black Lives Matter" فقد تضاعف تداولها أيضًا، مثلما تضاعف استخدام عبارة "Systemic Racism" (العنصرية المنهجية) بنسبة تجاوزت 1،600% مقارنة بالعام 2019.
اقرأ/ي أيضًا: