19-يوليو-2024
رءوف مسعد

الكاتب والروائي المصري رءوف مسعد (الترا صوت)

رءوف مسعد كاتب وروائي يساري ينتمي إلى جيل الستينيات. تميزت أعماله بالجرأة وكسر التابوهات والتحدث عن المسكوت عنه في المثلث الشهير: الدين، والجنس، والسياسة.

ولد رءوف مسعد في السودان عام 1937. درس في مصر، وتعددت محطات إقامته في بلدان مختلفة قبل أن يستقر به المقام في هولندا مع زوجته وابنه وابنته، ومؤخرًا أحفاده.

حصل على ليسانس الآداب في قسم الصحافة من جامعة القاهرة سنة 1960، ثم التحق بمدرسة المسرح العليا ليدرس الإخراج المسرحي. كان والده قس بروتستانتي، أما والدته فنذرته للمسيح ولخدمة الكنيسة، لكنه لم يف بالنذر المقدس، وصار لا دينيًا.

انضم إلى تنظيم ماركسي محظور، وهو فى الـ17 من عمره، كان اسمه "طليعة العمال" الذي أصبح "حزب العمال والفلاحين"، ثم استقال منه أثناء وجوده في السجن، لينضم إلى "الحزب الشيوعي المصري" الذي استمر عضوًا فيه حتى بعد الإفراج وحل الحزب من خلال خلايا صغيرة ليست لها نشاطات جماهيرية أو سرية.

مسعد: أعتبر نفسي متعدد الهويات فلا أعتبر هويتي الدينية كمسيحي هي هوية كاملة، وهكذا هويتي المصرية، فلا توجد هوية كاملة في أي شخص في العالم

ترك التنظيم نهائيًا في عام 1981 وهو في بيروت، وعاهد نفسه على عدم الانضمام إلى أي تنظيم، وأن يتفرغ للكتابة.

اعتُقل وقُدّم إلى محاكمة عسكرية عام 1960، وهي السنة نفسها التي أنهى فيها دراسته الجامعية. وقد حُكم عليه بالسجن أربع سنوات قضى السنتين الأخيرتين منها فى معسكر الاعتقال بواحات الخارجة. ومن حسن الحظ أنه دخل السجن بعد أن مُنع التعذيب في السجون إثر الفضيحة الدولية لنظام عبد الناصر، وهي مقتل شهدي عطية الشافعي تحت التعذيب.

لم يُعيّن رءوف مسعد بعد خروجه من السجن في أي من صحف ومجلات الدولة مثلما عُين أصدقائه لأسباب لا يعلمها أحد. وقد تعددت بعد ذلك وجهاته، فسافر إلى بولندا بعد حصوله على منحة لدراسة المسرح، ثم انتقل إلى بغداد وعمل في القطاع المسرحي مع توفيق صالح وغيره ممن هربوا أثناء حكم السادات. ولكن سرعان ما انقلب الحال وقام نظام "البعث" بإعدام الشيوعيين العراقيين، فكان لزامًا عليه الخروج.

استقل هو ومجموعة من الأشخاص تاكسي بهويات مزورة للذهاب إلى بيروت حيث عمل مترجمًا للأخبار في جريدة "السفير"، ثم في مجلات مختلفة مثل مجلة "اللوتس" المنبثقة عن اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، وكان يرأس تحرير الطبعة العربية منها الشاعر الفلسطيني معين بسيسو. ثم عمل في مجلة "بيروت المساء" التي كانت تصدرها "منظمة العمل الشيوعي اللبناني"، وترأّس تحريرها الكاتب والمؤرخ اللبناني فواز طرابلسي، حتى بداية الحرب الإسرائيلية على لبنان في حزيران/يونيو عام 1982.

غادر لبنان إلى سوريا ومنها إلى القاهرة بعد 12 عامًا من الغياب. كتب عن تجربة لبنان أول كتاب له بعنوان "صباح الخير يا وطن". قال رءوف مسعد إنها أحب الأيام إلى قلبه، حيث بيروت لا حكومة فيها، وتضمن للمرء قدرًا كبيرًا من الحرية الشخصية، وبلد جميل عشق البحر فيه ولطالما كان يتمنى الاستمرار هناك، لكن جاء الغزو وتحطم كل شيء.

له العديد من الروايات، لعل أشهرها وأولها أيضًا رواية "بيضة النعامة" التي ترجمت إلى خمس لغات هي الفرنسية والإيطالية والإسبانية والسويدية والهولندية. ورواية "مزاج التماسيح"، وهي ذات طابع استشرافي عبرت عن العنف الطائفي تجاه المسيحيين في مصر. و"غواية الوصال"، و"إيثاكا" التي أهداها إلى ضحايا "كوين بوت".

وله أيضًا مجموعة من الحكايات صدرت بعنون "صانعة المطر"، إضافةً إلى كتاب "في انتظار المخلص" الذي أنجزه بعد زيارته لفلسطين عام 1998، ورواية "زهرة الصمت". وسيرة ذاتية معنونة بـ"لمّا البحر ينعس: مقاطع من حياتي"، نشرت على جزئين.

جاء هذا الحوار معه خلال زيارته الأخيرة لمصر.


  • من أدخلك إلى الحركة الشيوعية ممثلةً بـ"حزب طليعة العمال والفلاحين" ولاحقًا "حدتو"؟

عندما استقر بي المقام في القاهرة عام 1956 للالتحاق بالجامعة، تقابلت مع صديق سوداني فقام بتقديمي للحزب، وكنت متعطشًا للمعرفة ولاكتشاف العالم وللقراءة، فانضممت إلى حزب "طليعة العمال".

مسعد: أعتقد أن جميع الكتّاب يكتبون أنفسهم، وهذا طبيعي لأن كلًا منا يكتب عالمه، وخصوصًا في البدايات

أما "حدتو"، فكان الانضمام لها أثناء تواجدي داخل السجن، حيث تقابلت مع مسؤول طليعة العمل هناك، والذي قابلني بالتشكك ظنًا منه أني مدفوع للتجسس عليهم نظرًا لاختفائي أثناء فترة الاعتقالات الأولى والتعذيب، ثم قُبض عليَّ في مرحلة لاحقة، حيث توقف التعذيب في أعقاب فضيحة النظام دوليًا في واقعة مقتل شهدي عطية الشافعي.

  • موقفك من حل الأحزاب الشيوعية في سجن الواحات؟

أيدت حل الأحزاب بشدة ووقّعت على وثيقة حل الأحزاب لأننا كنا نريد الخروج والمشاركة في الحياة السياسية. بالمناسبة، "حدتو" كانت تؤمن بأن عبد الناصر قائد تاريخي، وتثق به ثقة عمياء حتى بعد الذي حدث لقائدها شهدي عطية.

  • في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تعرضت الحركة الشيوعية للتنكيل والسجن، مع هذا ظللتم مؤيدين له ومحبين؟

أنا لم أحبه، ولكن أقدره لأنه حاول تغيير حياة الفقراء، وسمح لهم بالترقي الاجتماعي والتعلم، وبالإضافة إلى إسهاماته في قضايا التحرر الوطني. ويجب علينا أن نفهم مرحلة عبد الناصر جيدًا ثم نتجاوزها ولا نطيل الحديث فيه أكثر من ذلك.

  • ما هو سبب إقصاء رءوف مسعد وعدم تعيينه في الصحف بعد الإفراج عنه مثل باقي الرفقاء؟

في أعقاب خروجنا من السجن قاموا بتوجيهنا إلى مكتب ضابط أظن أنه ضابط مخابرات في "الاتحاد الاشتراكي"، وقمت بتسجيل بياناتي ولكن لم يرسل لي أحد، فتوجهت إلى العمل في إحدى المكاتب.

وأُرجِع سبب عدم توظيفي إلى تمردي داخل السجن، وعدم التقرب من قيادات "حدتو" داخله، ولكن ليس لدي ما يثبت ذلك غير أني لم أعمل. وقد ساعدني صديقي صنع الله إبراهيم في العمل في وكالة الأنباء الروسية "نوفوستي"، حيث كنت أترجم من الإنجليزية إلى العربية.

  • ماذا تبقى من اليسار والشيوعية في الشارع والحياة السياسية؟

لم يتبق من الشيوعية شيء، لأن الشيوعية في المقام موقف طبقي، والشيوعيون يعتبرون أنفسهم قيادة في الحركة العاملة والفلاحين. وفي مصر لا يوجد الآن حركة لهم، حيث النقابات متشتتة، والفلاحين لا صوت لهم، والمدينة جنت على القرية وأخذت منها، والقرية لم تعد كسابق عهدها، ولا يسمع لها أحد.

  • موقفك من خلافات الشيوعيين في الخمسينيات؟

معظم الشيوعيين في هذه الفترة كانوا بسطاء: طلاب جامعة وعمال وفلاحين. أما المثقفين الذين يجيدون اللغة الإنجليزية هم عدد قليل جدًا. ومثلًا، لم نكن نفهم معنى الديمقراطية، فأنا لم أقرأ في وقتها كتب الماركسية. حاولت قراءة الترجمة الصادرة عن بيروت، لكنها كانت معقدة للغاية.

حتى على مستوى معرفتنا بتاريخنا الحديث، لم نكن نعرفه جيدًا. باختصار، لم يكن هناك معرفة ووعي يسمحان بوجود واستمرار هذا الحركات، فحملت بداخلها عوامل فنائها.

  • هناك حالة امتنان لتجربة السجن، هلّا وضحت لنا الأسباب؟

تجربة السجن تجربة مهمة، لكنها ليست ضرورية، لأني اكتشفت نفسي داخل السجن، وسمحت لي بتعرف على أصدقاء عمري، مثل كمال القلش وصنع الله إبراهيم.

  • جميع أعمالك الروائية فيها شيء من السيرة الذاتية؟

هذا صحيح. لدي اعتقاد أن جميع الكتّاب يكتبون أنفسهم، وهذا طبيعي لأن كلًا منا يكتب عالمه، وخصوصًا في البدايات.

  • لم تكتب بانتظام إلا بعد الخمسين. لماذا تأخرت كل هذا الوقت؟

نعم تأخرت. كان لدي هاجس بشأن الكتابة، وكنت أريد أن أكتشف العالم وأكتشف ذاتي وأن أتامل في كل ما حولي لكي أكتب بشكل مختلف عن أبناء جيل الستينيات الذي أنتمي له، كما شغلتني المواضيع المسكوت عنها وتابوهات المجتمع وعلى رأسها الجنس، فأطلت التأمل في الأمر من جوانب عدة، ووجدت أن أدبنا العربي يفتقد لهذا الضرب من الأدب فكتبت عنه. وقد تعرضت لنقد بسبب هذا، لكن لا يهمني، المهم أني كتبت بحرية وتلقائية. وكذلك كثرة التنقل من بلد الى آخر.. كلها عوامل ساعدت على تأخر الكتابة لدي.

والكتابة تتطلب الاستقرار وغرفة تخصني، ولم يحدث هذا إلا بعد انتقالي إلى هولندا وزواجي من آناماريكا، زوجتي.

لم أكتب إلا بعد عودتي من بيروت بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي لها. كتبت مقتطفات عن مرحلة بيروت، وكنت دائم الحديث عنها لأصدقائي حتى نصحني صنع الله بكتابة تجربتي، فكان كتاب "صباح الخير يا وطن" عام 1982، وهو الكتاب الوحيد الذي كتبته في مصر.

  • بعد هذا العمر المديد، والتجربة الثرية التي من المؤكد أنها تضمنت الكثير من مراجعة المواقف. هل ما زلت ترى نفسك شيوعيًا؟

لا أعلم ما إذا كنت لا أزال شيوعيًا أم لا، ولكن ما زلت منحازًا للمهمشين والضعفاء، ولدي موقف تجاه التمييز والطبقية كما هو الحال في الفكر الشيوعي.

مسعد: لم يكن هناك معرفة ووعي يسمحان بوجود واستمرار الحركات الشيوعية في مصر، فحملت هذه الحركات عوامل فنائها في داخلها

لكن أنا أعيش في دولة رأسمالية، وأتمتع بكل مميزاتها، من ناحية الحريات العامة والخاصة. فعلى سبيل المثال، خرجت أنا وأسرتي في مظاهرات تندد بحرب غزة، ولا أدري في حال كنت أعيش في دولة شيوعية ما إذا كانت ستسمح لنا بالخروج أم لا!

  • ما هي أسباب طغيان الإيروتيكية في كتاباتك بشكل قد يكون مزعج للكثيرين؟

قررت أن أكتب كتابات إيروتيكية لأسباب هامة وأساسية، منها هو عدم وجود كتابات إيروتيكية عربية حديثة ومعاصرة، اللهم إلا محمد شكري وبدأها في روايته "الخبز الحافي".

تأثرت بكتابات هنري ميللر أكثر من شكري، وبكتابات الفرنسية أنا يسنن التي أعجبتني برهافتها أكثر من ميللر الغليظ، فهي تكتب عن الجنس برقة وشاعرية أحبهما وأحاول استخدامهما في كتاباتي، ولا أحب مباشرة ميللر، بل أفضل أن أترك للقارئ مساحة للتخيل.

السبب الثاني أني أعتبر أن الكتابة الإيروتيكية متعة من نوع خاص للكاتب وللقراء الذين يتابعون هذا النوع الخاص من الكتابة.

أما السبب الثالث، فهو أنني أؤمن أنه من حق الكاتب، أي كاتب وكاتبة، أن يختاروا لأنفسهم التيمة التي يحبون أن يكتبوا بها، خاصةً بين ثالوث المحرمات في منطقتنا العربية الدكتاتورية.

لهذا كتبت عن هذه التابوهات الثلاث، وركزت أكثر على الكتابة الإيروتيكية إمعانًا في ممارسة حقوقي.

أساسًا أعتقد أن اهتمامي بالكتابة الإيروتيكية ينبع أولًا من شغفي بالقراءة الإيروتيكية مثل "رجوع الشيخ" لمحمد عبد النبي، وبعض "ألف ليلة وليلة"، ثم اكتشافي لهنري ميللر وديكاميرون.

الينبوع الثاني هو أنني شخص "خيالي"، أي أن الخيال عندي قوي لدرجة أنني لا أحتاج إلى فيلم أو فيديو أو حتى صورة لكي تستثير حواسي الجنسية. وبالتالي الكلمة المكتوبة عندي هامة أكثر من المنطوقة في فيلم مثلًا.

ثم حظوظي المختلفة مع النساء، ومعظمها كانت حظوظًا طيبة مع نساء كريمات في عطائهن الجسدي بل والروحي أيضًا. هذه الحظوظ جعلتني قريبًا عاطفيًا للنساء، أحاول أن أفهم دواخلهن قبل مظاهرهن.

  • في كثير من الأحيان يتم تعريفك بالأديب السوداني المصري على الرغم من مصرية الأبوين، حتى فترة مكوثك هناك كانت قصيرة جدًا مقارنةً بحياتك؟

أعتبر نفسي متعدد الهويات فلا أعتبر هويتي الدينية كمسيحي هي هوية كاملة، وهكذا هويتي المصرية، فلا توجد هوية كاملة في أي شخص في العالم بسبب تداخل الأعراق والأجناس.

التمسك بهوية واحدة القومية بداية أي رفض للآخر.

علمًا بأن لي كتابًا لم يُنشر، يضم مجموعة مقالات نشرتها منذ سنوات في جريدة "القدس العربي" في لندن، بعنوان "السودان: قرون من القهر وستون عامًا من الحنين"، عن بدايات علاقة دولة مصر بشعب السودان، وعن القهر الذي مارسه الحكم المصري التركي على السودان، وعن العلاقة بين الشعبين المصري والسوداني حتى استقلال السودان، وذلك بمناسبة بلوغي الـ60، وزيارتي السودان آنذاك.

مسعد: على من ينتقد "حماس" ويتهمها بالخيانة والتمويل الخارجي، أن يمسك هو السلاح، أو يمولها. عدا ذلك مزايدة فارغة لا قيمة لها

فالسودان هو البلد الذي ولدت فيه وتعلمت نطق حروفي الأولى من اللغة العربية باللهجة السودانية، وعشت فيه حتى مراهقتي، وذهبت إليه فرارًا بعد الخروج من السجن في زيارات متعددة، وما زال يحملني الحنين إليه، ولا أجد غضاضة في تعريفي بكوني سوداني، فهذا التعريف به جزء كبير من الصواب.

  • نشرت قبل سنوات عن السرقات الأدبية لكتّاب كبار في عالمنا العربي، مثل الراحل خالد خليفة، والراحل جمال الغيطاني، وعلاء الأسواني، ويوسف زيدان، وغيرهم. هل تعد نفسك ناقدًا لتقوم بهذا العمل الشائك؟

إن الكاتب الذي يكرس نفسه للكتابة مثلي ويعتبرها حرفته في الحياة وسببًا من أسباب وجوده، لا بد له أن يتصدى للسرقات الأدبية مهما كانت مكانة السارق كبيرة في الأوساط الأدبية. وأنا ككاتب من النوع الذي ذكرته لك لا يهمني من هو علاء الأسواني، ويوسف زيدان، أو جمال الغيطاني، طالما اقتنعت بأنهم "سراق" للنصوص الأدبية.

وذكرت لك أن مجلة "بدايات" التي كان يرأس تحريرها المفكر اللبناني المعروف فواز طرابلسي طلب مني أن أحدد له النص المسروق منه عنوان "لا سكاكين" فأرسلت له فوتو كوبي من النص الإنجليزي برقم الصفحة واسم المؤلف والناشر، وقد نشر لي موقفي هذا بعد أن اقتنع بما كتبته. أنا لا أتهم أحد بالباطل، كل ما أقوله أقيم عليه الدليل.

  • بعد نشر روايتك "زهرة الصمت" كتب الدكتور والناقد الراحل صلاح فضل واصفًا الرواية بأنها ليست "رواية" بل "اللارواية"، وأنك تقتبس من المستشرقين من هنا، وتأخذ من رواياتك السابقة من هناك؟

صلاح فضل له تاريخ في الارتزاق الفني، وله قصة معروفة في الأوساط الأدبية العربية والمصرية حينما حاول تسويق القذافي الديكتاتور كراعٍ للثقافة والأدب، فأقنع القذافي بتخصيص جائزة تبلغ على ما أتذكر نصف مليون دولار، وحاول أن يُقنع الكاتب الإسباني الشهير العائش في المنفى الاختياري خوان غويتيسولو أن يأخذ الجائزة، لكنه رفضها قائلًا إنه لا يأخذ جائزة من دكتاتور يداه ملوثة بدماء المثقفين في بلده، فأعطاها فضل لرفيقه في التعريص جابر عصفور.

قال فضل عن "زهرة الصمت" إنها لا رواية لأنه كان يجهز نفسه لرئاسة مجمع اللغة العربية، فكيف يشيد برواية تحكي بالوثائق عن التمييز الديني في مصر؟! ورددت عليه في معركة كبيرة على النت لأني دائمًا أبتعد عن التزلف للنقاد مهما كانت أحجامهم، وقد هاجمت "البوكر العربية" في مقالات منشورة ورقية.

  • زرت الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1998 وكتبت عن هذه التجربة كتاب "في انتظار المخلص". ما هو الدافع لهذه الزيارة؟ وبعد كل هذه الأعوام، هل ندمت عليها؟ وما هي الأماكن التي زرتها؟

لست نادمًا على الإطلاق. هو حلم قديم لم أتمكن منه عقب خروجي من السجن، فقمت بهذا الرحلة وأنا عمري 60 عامًا، ليتثبت عندي أن إسرائيل، منذ البداية، إنتاج أميركي خالص، وما يزال لتنفيذ الاستراتيجية الأميركية الإمبريالية العسكرية في المنطقة العربية. ولا يمكن أن تكون بلد ديمقراطي أو آمن للعيش فيه والحواجز في كل مكان، والمسلحين منتشرين في كل بقعة. كيف للإنسان أن يمارس حياته في ظل كل هذا الترهيب؟

سجلت هذه الرحلة في كتابي "في انتظار المخلص" رحلة إلى الأرض المحرمة" عام 1998، وكان الهدف ليس التذكير بجرائم إسرائيل، ولكنه بجرائم أميركا الفاعل الحقيقي، وفي هذه الأيام نشاهده في البث الحي كما لم يحدث من قبل.

زرت كلًا من القدس وغزة وبيت لحم ورام الله ويافا وحيفا وعكا وصفد، والحدود المغتصبة من سوريا ولبنان والأردن، إلى المستوطنات والكيبوتسات، إلى أطلال دير ياسين وكفر قاسم.

قبل كل ذلك رغبتي شديدة كانت في رؤية العلم الفلسطيني يرفرف مرة أخرى على المناطق الفلسطينية المحتلة. العلم الذي شاهدته في كل الدنيا إلا في بلده!

  • قامت الدنيا ولم تقعد في الصحافة وأوساط المثقفين، وتم إدانتك أيضًا بسبب الزيارة. كيف كانت ردة فعلك؟

اتُهمت بالتطبيع، وقاطعني صديقي صنع الله إبراهيم، وشنت الأقلام الصحفية حربها الضروس علي، ولم يهم بالدفاع عني سوى الصحفية عبلة الرويني، والشاعر عبد المنعم رمضان. وفي واقع الأمر، لم أهتم كثيرًا بما قالته الصحف عني والمعارك دائرة في مصر حول التطبيع والمطبعين، دون أن يعرف المتعاركون ماذا يعني تطبيع.

مسعد: أنا لم أحب عبد الناصر، ولكن أقدره لأنه حاول تغيير حياة الفقراء، وسمح لهم بالترقي الاجتماعي والتعلم، وبالإضافة إلى إسهاماته في قضايا التحرر الوطني

ودون أن يدرون أن هذه المعارك تأكل الأخضر واليابس، ولا أفهم ما معنى الهرب والانسحاب. في كل مواجهة بيننا وبين الإسرائيليين، أرى أن هذا فعل طفولي وساذج، وأن علينا أن نثبت حضورنا أمام العالم، ونروي قصتنا كما هي.

  • منذ أن زرت قطاع غزة أعلنت تأييدك لحركة "حماس" ونضالها المسلح على الرغم من اختلافك معها أيديولوجيًا؟

نعم، أنا أعلنت تأييدي لـ"حماس" قلبًا وقالبًا في حربها ومقاومتها. أختلف بالطبع أيديولوجيًا معها، لكن هذا ليس وقتًا لنقاش التوجهات. كل ما أعرفه أنها الآن أخذت على عاتقها حمل المقاومة والاستبسال في وجه قوة تخشى أنظمة بعدتها وعتادها مواجهتها. وعلى من ينتقد "حماس" ويتهمها بالخيانة والتمويل الخارجي، أن يمسك هو السلاح، أو يمولها. عدا ذلك مزايدة فارغة لا قيمة لها.

بالمناسبة، قبل تأييدي لـ"حماس" أيدت "حزب الله" في الجنوب المحتل، وأرسلت لهم رسالة رمزية برغبتي بأن أكون جنديًا لديهم. باختصار، أي يد سترفع السلاح لمقاومة أي احتلال أو ظلم، سأكون معها حتمًا.