28-سبتمبر-2015

تحبّهم الجماهير رغم كل شيء (بيتر باركس/أ.ف.ب/Getty)

قد تراهم في وضع النهار عُمالاً في البناء أو في محال تجارية أو أيٍ من المهن الحرفية، وتراهم في الليل نجومًا تهتف لهم الجماهير، ويتسابقون لالتقاط الصور معهم بعد أن ينهوا لعبتهم. فلا تستغرب من هذا الحال! فهم لاعبو كرة القدم في قطاع غزة المحاصر، الذين يعيشون بين النقائض.

يمضون مع ساعات الصباح الأولى للبحث عن رزقهم في مناطق عملهم، ومنهم أباء لهم أبناء يحتاجون لمصاريف كثيرة. يعملون في كل شيء وليس في أي مهنة تناسب الرياضة، إنما في مهن عديدة قاسية على الجسد، تشكل خطرًا كبيرًا على صحتهم. فهذا هو حال نسبة 80 بالمئة من لاعبي الكرة سواء في الدوريات الممتازة أو في بقية الدرجات.

لاعب مع الفريق البطل عامل على "تكتك"

بالنظر لواقع اللاعب في غزة، فثمة جزء منهم يشتغل في البناء عاملاً أو صاحب خبرة. منهم اللاعب فضل قنيطة 27 عامًا، الذي يلعب مع فريق اتحاد الشجاعية في مركز الارتكاز بخط الوسط. حصل فريقه العام الماضي على دوري قطاع غزة الممتاز لكرة القدم وكأس القطاع بعدها، وهو يسكن في أكثر الأحياء تدميرًا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير. وهو أب لابنتين وولد. يعمل على عربة "التكتك"، ويقوم خلالها بنقل البضائع مع عدة تجار بداخل سوق الشجاعية، أو نقل مواد بناء.

يخرج قنيطة من منزله عند الساعة السابعة صباحًا، ليبدأ بنقل البضائع، وعينه على الساعة. وما أن تصبح الساعة الواحدة حتى يذهب لمنزله للاستحمام وتناول طعام الغداء مع أسرته، ويجهز نفسه للتوجه للملعب والتدرب مع فريقه، رغم أن الساعات الأربعة الذي يخصصها لراحة جسمه قبل التمرن لا تكفيه... "أمامي صراع يومي في أن اختار العمل مقابل التنازل عن لعب الكرة، لكن اضغط على نفسي لان أعاني من الحياة الصعبة، وفي الليل أكون سعيدًا في اللعب مع فريقي الذي ترعرعت معه منذ الصغر".

وفي بعض المرات فَضَل قنيطة اللعب والتمرن على العمل، وقام بالتهرب من عمله نظرًا لحاجة الفريق له والتدرب في وقت مبكر. وبالفعل حقق الانتصارات، بينما يحصل على مكافآت من الفريق لا تتجاوز 200 دولار شهريًا فقط.

تلقى ابراهيم النجار عرضًا للعب في الأردن لكن الحصار منعه من السفر

عامل طلاء

لاعب أخر من فريق اتحاد خان يونس الذي حصل على المركز الثالث في الدوري الأخير لموسم 2014-2015 يدعى إبراهيم النجار 25 عامًا، يعمل هو الآخر يعمل  مهنة شاقة. يعمل دهان بيوت ومبان، ولكنه يضطر للعمل في مهن أخرى. إبراهيم متزوج وله ابنتان ويسكن في الإيجار، هذا ما يزيد من معاناته اليومية، بينما يتابع تمريناته، ويجد في لعب الكرة نافذة للخروج من الهموم اليومية التي تحطيه بداخل منزله من جهة، وفي عمله جهة أخرى، ولا يحصل من فريقه سوى مكافأة شهرية حوالي 150 دولار فقط.

ويقول "لن نحصل على العدل طالما هنالك محتل لا يسمح لنا بالتنقل واللعب في الخارج، وحتى على صعيد الفيفا لا يصل أي مراقب كروي لغزة وجميع الأندية طالبتها بإرسال مراقب ليشاهد الانتهاكات الإسرائيلية لملاعب الكرة واللاعبين في القطاع"، ويؤكد تلقيه عرضًا من ناد في الأردن طمح خلاله للانتقال اللعب فيه وتحسين وضعه المادي، إلا أن إجراءات السفر التي يتحكم فيه الجانب الإسرائيلي وإغلاق معبر رفح الحدودي منعوه من حلمه.

رواتب اللاعبين في الضفة مرتفعة كثيرًا بالمقارنة مع تلك التي في غزة

ويصدم لاعبي كرة القدم في الوطن العربي عند تواصلهم مع لاعبي غزة، ويجدوهم يعملون في مهن شاقة ويمارسون الكرة، وهذا ما كان حال لاعب من الدوري الإماراتي خلال تواصله مع اللاعب أحمد جمعة وهو يلعب في نادي المغازي. يقول جمعة "اللاعب في النظام الرياضي العربي له غذاء معين قبل اللعب وله ساعات محددة إن أراد العمل، لكن في غزة لا يوجد نظام رياضي متكامل يتأسس عليه اللاعب، لأننا محاصرون من كافة الجوانب".

لكن رغم كل هذا، تجد السعادة البسيطة بمجرد اللعب وافرة. يتنقلون خلال التمرين بين الدمار والخراب وملاعب قليلة جدًا متاحة. وعندما يجدون الملعب المناسب يفرحون، وبعد اللعب تجد الروح الرياضية وبعض الجماهير التي تحمل اسم منطقتها تشجع وكأنها في استاد دولي، وإن كانت المدرجات متواضعة للغاية.

رواتب اللاعبين المزرية


يتقاضى معظم اللاعبين في فرق الدوري الممتاز مكافآت شهرية قرابة 700  شيكل (180 دولار تقريبًا)، أما فرق الدرجة الأولى والثانية فيتقاضى لاعبوها مكافآت كل ثلاثة شهور ما بين 500 شيكل إلى 300 شيكل (130 دولار – 80 دولار)، على عكس ما يحدث في الضفة حيث تصل بعض رواتب اللاعبين فيها لـ 3000 آلاف دولار وراتب سنوي 30 ألف دولار. وبمعزل عن قضية الرواتب المجحفة يبقى السؤال، متى يصبح هناك دوري فلسطيني واحد، لا دوريان، واحد في غزة والثاني في الضفة.

اقرأ/ي أيضًا: المستحيل ليس فلسطينًا