في سابقة من نوعها، أقرت محكمة الأمريكية، يوم الأربعاء الماضي، مسؤولية نظام بشار الأسد في موت الصحفية الأمريكية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوتليك، كأول جريمة حرب تثبت بشكل قانوني ضد النظام السوري.
أقرت محكمة أمريكية مسؤولية نظام الأسد في مقتل الصحفية الأمريكية ماري كولفين، فيما تعتبر أول جريمة حرب تثبت قانونيًا ضد النظام السوري
كولفين التي قضت نحبها في شباط/فبراير 2012، أثناء تغطيتها الصحفية لحصار مدينة حمص من قبل قوات النظام السوري؛ تعود بعد سبع سنوات شبحًا يطارد جلاده، مغرمة نظام الأسد بحزمة تعويضات بلغت 302.5 مليون دولار أمريكي، وفقًا لما قضت المحكمة الأمريكية.
اقرأ/ي أيضًا: نيويورك تايمز: قتل الصحفيين جريمة ممنهجة إضافية بيد النظام السوري
من قتل ماري كولفين؟
"إنها كذبة كبيرة من نظام الأسد أن يصرح بأنه يستهدف فقط الإرهابيين. ما يقوم به جيش النظام الآن هو تصفية مدينة كاملة من الجياع"، تنقل ماري كولفين على قناة "CNN" الإخبارية، في آخر بث لها من داخل مدينة حمص المحاصرة سنة 2012.
بعدها بساعات قليلة، ستجد الصحفية الأمريكية نفسها وجهًا لوجه مع قذيفة مدفعية، وهي تحاول الهرب من القصف الذي استهدف ملجأً كان يأويها رفقة مجموعة صحفيين من دول مختلفة، لتضع حدًا لحياتها وتريدها قتيلة.
ومنذ ذلك الحين حظيت الصحفية الأمريكية بتكريمات عديدة، كاعتراف لها بما قدمته من تضحية فداءً لقضايا الإنسان. بيد أن السؤال: "من قتل ماري كولفين؟" ظل عالقًا ينتظر إجابة، هي أكبر رد جميل لروحها.
خمس سنوات بعد مقتل كولفين، أطلق مركز العدالة والمساءلة (CJA) الحقوقية الأمريكية، تحقيقًا في القضية، ليثبت لها ما يلي: "إن ماري كولفين تمت تصفيتها بشكل مستهدف من طرف الجيش والمخابرات العسكرية السورية، لإخراس صوتها"، كما جاء في نص بيان المنظمة.
ويستطرد البيان ساردًا ملابسات القضية: "تظهر الأدلة التي حصلت عليها منظمة مركز المساءلة والعدالة، أنه أثناء بث كولفين الأخير على CNN يوم 21 شباط/ فبراير 2012، تم تحديد مكان وجودها بدقة من طرف مخابرات النظام السوري، وبذلك حدد هدفاً مباشر للقصف في اليوم التالي".
تطابق معطيات التي توصلت لها تحقيقات مركز العدالة والمساءلة مع ما عاينه بول كونروي، الصحفي البريطاني الذي أصيب في نفس القصف الذي راحت ماري ضحيته، إذ يصرح لصحيفة الغارديان: :منذ صباح ذلك اليوم، لم تكن الغارات المتقطعة اعتباطية وهي تستهدف محيط ملجأنا. كان ذلك القصف يقصدنا نحن، علمت ذلك من نوعية القذائف ومسارها".
وهي شهادة ترتكز على الخبرة العسكرية للمتحدث الذي سبق له أن خدم في المدفعية الملكية البريطانية، إذ أضاف: "كنت أعلم ما سيحدث. وبعد ثلاثين ثانية بدأت أركان المبنى تتداعى فوقنا. وبينما ماري وريمي كانا يقطعان الطريق فارين من الحطام، استهدفتهما قذيفة مباشرة أنهت حياتهما".
داخل ردهات المحكمة
في التاسع من تموز/يوليو 2016، سيرفع مركز العدالة والمساءلة دعوة قضائية على نظام الأسد في جريمة قتل الصحفية ماري كولفين للمحكمة الفيدرالية بمقاطعة كولومبيا الأمريكية، موكلة شركة "Shearman & Sterling" التي سجلت الدعوة لصالح أخت الفقيدة، كاثلين كولفين، وأبنائها الثلاثة، بينما اكتفى غرض المنظمة الحقوقية الأمريكية من هذا التحرك القضائي، بتحميل الدكتاتور السوري مسؤولية جرائم الحرب التي يرتكبها، في سابقة هي الأولى من نوعها.
وبعد توصله بالشكوى يوم السادس من شباط/فبراير 2017، تخلف دفاع بشار الأسد عن كل جلسات المحاكمة، الشيء الذي اعتبرته هيئة القضاء فشلًا في الدفاع عن براءته. والذي دفع الطرف المدعي/الضحية إلى استغلال هذا السياق، وتقوية موقفه أكثر، بتسليم دفوعات وأدلة تضمنت وثائق سرية مسربة من داخل أجهزة الاستخباراتية للنظام، تدينه باقتراف جريمة الحرب هذه كاملة، ما لم يدع لشك في أن النظام السوري مذنب.
وفي جلسة مفتوحة، الأربعاء الماضي، أعلنت القاضية آمي بيرمان جاكسون، أن الحكومة السورية مدانة في قضية قتل مواطنة أمريكية هي الصحفية ماري كولفين. وغرمت نظام بشار الأسد بتعويضات لعائلات الضحايا تبلغ قيمتها 302.5 مليون دولار، بعد أن تأكد لها تورطه في هذه الجريمة.
ويسقط الصحفيون تباعًا!
وما زالت الحرب متواصلة تحصد أرواح الأبرياء، وبينهم الصحفيون الذين قضى منهم في الحرب السورية 110 صحفي وصحفية، كانت كولفين ورفيقها الفرنسي اثنين من البقية، ولن يكونا الأخيرين، غير أن حكم المحكمة يعطي بارقة أمل بما يمثله من انتصار معنوي وتأكيد على إجرام النظام السوري واستهدافه للمدنيين.
"لهذا أخلصت ماري حياتها"، تقول أخت الضحية مصرحة لوكالة رويترز: "للدفاع عن الحق، وإلى جانب الضحايا كانت دائمًا تقف، لإسماع قصصهم للعالم"، مقرة بأن هذا المكسب الذي هو حكم المحكمة، ليس إلا امتدادًا لمسيرة شقيقتها، مؤكدة بشبه تعزية ذاتية أنها: "حتما فخورة بما أنجزناه".
إدانة القضاء الأمريكي للأسد أعطت بادرة أمل في مواجهة الدكتاتور العربي الذي تسببت حربه في مقتل ما لا يقل عن 110 صحفي وصحفية
هذا وعبر محامي الادعاء، ديكسون أوسبورن، عن رضاه عمّا آلت إليه القضية، موضحًا: "الهدف الأول منها كان تسجيل سابقة، وإدانة نظام بشار بجرائم الحرب. وهذا فعلًا ما أقرته المحكمة".
اقرأ/ي أيضًا: