خلال انتشار مرض فيروس الإيبولا في القارة الأفريقية بين عامي 2014-2016، واجهت الفتيات موجات ملحوظة من أشكال العنف، كان من بينها العنف الجنسي على تنوعه. في سيراليون مثلًا اختبرت 65% من الفتيات القاصرات الزواج المبكر والحمل المبكر والإجهاض ومنعن من متابعة دراستهن وتعرضن لأشكال متنوعة من التمييز والعنف الجسدي والمعنوي، هذا وفقًا لمعطيات دراسة نشرتها منظمة "فتيات لا عرائس"، وهي مبادرة أمريكية لمحاربة الزواج المبكر عالميًا.
ارتفع مستوى العنف ضد النساء بنسبة 30% منذ 17 آذار/مارس 2020. وكذلك الأمر بالنسبة لطلبات تأمين ملاجئ أمنة للنساء في مناطق مختلفة من العالم
أما اليوم فتعاني الفتيات والنساء في فترة انتشار فيروس كورونا ضغوطًا كبيرة تتمثل في تصاعد الأعباء المعيشية والاقتصادية، رفقة ارتفاع مستويات العنف المنزلي، من قبل الأهل أو الأزواج على السواء. في الوقت الذي تتزايد فيه الصعوبات أمام الفتيات والنساء في القدرة على الوصول إلى الحماية والخدمات الصحية المستحقة. إذ وصلت مراكز الإيواء لضحايا العنف الأسري إلى أقصى حدود الاستيعاب نظرًا لازدياد حالات العنف في أكثر من بلد في العالم.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن سوء المعاملة العاطفية؟.. وحش العنف الخفيّ ضد المرأة
بينما يشكل الحجر المنزلي خطوة أساسية لمواجهة الوباء والحفاظ على أقصى درجات التباعد الاجتماعي، إلا أنه يمكن أن يشكل أزمة بالنسبة للنساء. إذ يزيد الحجر المنزلي والإغلاق العام من فرص فقدان القدرة على الهرب من العنف المنزلي وتأمين ملاذات أمنة أو الحصول على بعض الوقت بمفردهن بعيدًا عن شركائهن في المنازل، خاصة في ظل خلل في علاقات القوة والسلطة بين الرجال والنساء بشكل عام.
ووفقًا للدراسة الأمريكية نفسها، فقد ارتفع العنف ضد النساء بنسبة 30% منذ 17 آذار/مارس 2020. وكذلك الأمر بالنسبة لطلبات تأمين ملاجئ أمنة للنساء، فقد ارتفعت النسبة بشكل مثبت في كل من كندا وألمانيا وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وبلدان أمريكا اللاتينية وتركيا وغيرها العديد من الدول في مختلف قارات العالم.
المنزل مساحة غير أمنة بالضرورة!
على سبيل المثال، ارتفعت وتيرة العنف ضد المرأة ثلاثة أضعاف في الصين وفقًا لما تمت مقارنته في مراكز الشرطة من رصد لحالات العنف في عام 2019، أي قبل انتشار وباء كورونا وبعد انتشاره عام 2020، وفي الأرجنتين قتلت 12 امرأة منذ فرض الحجر الصحي الإلزامي على خلفية العنف المنزلي. وبحسب دراسة نشرت مؤخرًا على موقع UN WOMEN التابع للأمم المتحدة، ونشرت شبكة بي بي سي البريطانية تقريرًا مصورًا بخصوصها، فقد تعرضت 243 مليون امرأة للاعتداء الجسدي، اللفظي والجنسي خلال الحجر الصحي العام.
أطلقت عدة منظمات دولية ووكالات تابعة للأمم المتحدة تحذيرات ضرورية لمواجهة تصاعد العنف المنزلي ضد النساء في وقت جائحة كوفيد 19 في مختلف بلدان العالم
كما ترتفع مستويات العنف الأسري نتيجة المكوث في المنازل فترات طويلة والازدحام وضيق المكان وصعوبات المعيشة وعدم المقدرة على الترفيه في الخارج وارتفاع حدة التوتر والقلق والغضب والضغوط النفسية كافة مما عزز حصول العنف ضد النساء والعنف الأسري بشكل عام وفق ما تجمع عليه عدة دراسات بهذا الصدد. إذ تقول إحدى النساء المعنفات أن زوجها كان يصرخ كثيرًا ويلومها لأنها مقصرة في الواجبات المنزلية، وأطفالها أصيبوا بالإحباط بسبب التوقف عن القيام بالأنشطة المعتادة الترفيهية وبسبب تغير روتين الحياة. فيما ارتفعت نسب الطلاق بين الأزواج في فترة الحجر المنزلي نتيجة استمرار وتيرة الخلافات الزوجية.
اقرأ/ي أيضًا: العنف الأسري ضد النساء.. 6 جرائم قتل كل ساعة!
هذا في الوقت الذي تواجه فيه الميزانيات والتمويلات المالية نقصًا حادًا فيما يتعلق بالبرامج المخصصة لمواجهة العنف ضد المرأة عالميًا. فلا يشكل حاصل هذه التمويلات أكثر من 1% من كل التمويلات العاملة في المجالات الإنسانية. وتقدر التكلفة العالمية لمناهضة العنف الأسري 1.5 تريليون دولار أمريكي، وهذا الرقم من المرجح أن يرتفع مع استمرار عيش العالم سياسات الإغلاق المستمر والحجر المنزلي ومنع التجول.
تحذيرات أممية ودعوات طارئة
في هذا السياق أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن هناك تصاعدًا عالميًا مروعًا للعنف المنزلي منذ بداية انتشار أزمة كورونا التي خلفت نتائج اجتماعية واقتصادية خطيرة. ورأى غوتيرش أنه "بالنسبة للعديد من النساء والفتيات، إن أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهنّ. إنه المنزل".
ووجه غوتيريش نداءً جديدًا من أجل السلام في الداخل، وفي المنازل، في جميع أنحاء العالم، وقال "إننا نعلم أن أوامر عدم الخروج والحجر الصحي من الضرورات لكبح جماح كوفيد-19، ولكن في ظل هذه الظروف، قد تجد النساء أنفسهن حبيسات المنازل مع شركاء مسيئين". وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أنه على مدى الأسابيع الماضية، ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية وتنامي المخاوف المتنوعة، شهد العالم طفرة عالمية مروّعة في العنف المنزلي. ففي بعض البلدان، تضاعف عدد النساء اللاتي يطلبن خدمات الدعم. ما دفع منظمة اليونسكو للقول أن جائحة كوفيد 19 تسببت بجائحة ثانية تتمثل في تصاعد العنف المنزلي ضد النساء، الذي وصفته المنظمة الأممية المعنية بالتربية والثقافة والعلوم بأنه يحدث في الظل.
في الوقت ذاته، فإن أجهزة الرعاية الصحية وأجهزة إنفاذ القانون تنوء تحت الضغوط الحالية وتعاني من نقص في الموظفين. ومجموعات الدعم المحلية مشلولة القدرات أو تفتقر إلى الأموال. وأَغلقت بعض ملاجئ العنف المنزلي أبوابها، في حين امتلأ بعضها الآخر. وحث غوتيريش جميع الحكومات على محاربة العنف ضد المرأة واعتبار الضرر الواقع من جرّاء هـذا العنف جزءًا رئيسيًا من خططها الوطنية للتصدي لكوفيد-19.
وبحسب توصيات الأمم المتحدة فإنه يجب زيادة حالة التأهب لدى الشرطة وتوفير التدريبات على التعامل مع هكذا حالات. كما المباشرة بحملات توعية في الإعلام والمدارس وعبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الحد من انتشار هذه الظاهرة. وهذا يعني زيادة الاستثمار في الخدمات الإلكترونية ومنظمات المجتمع المدني، والتأكد من استمرار النظم القضائية في مقاضاة المعتدين، وإنشاء أنظمة إنذار طارئة في الصيدليات والمستشفيات، وإعلان أن الملاجئ تندرج في فئة مرافق الخدمات الأساسية، وتهيئة سبل آمنة للنساء لالتماس الدعم. كل هذا في إطار محاولة الحد من العنف المنزلي وأضراره التي تفاقمت وفرضت على النساء أثمانًا أثمانًا أكبر من تلك التي ترتبت قسريًا قبل وقت الجائحة الحالية.
اقرأ/ي أيضًا: