تخيلي نفسك عزيزتي القارئة جالسة لتناول العشاء في مطعم ما في إحدى الليالي، وبعد تناول الطعام، يعنّ لكِ فجأة أن تطلبي قطعتي كيك كتحلية بدلاً من واحدة. سيقول لك كثيرون إن هذا غير صحي، أو أنه تبذير وإسراف لا داعي له. لكننا جميعاً نستحق أن ندلل أنفسنا بين الحين والآخر، أليس كذلك؟ ولو حدث هذا مرّة، بين الفينة والأخرى، فلن يضرّ.
بعض أنماط السلوط الرومنسي تدلّ على شخصيّة نرجسيّة متسلّطة تعشق السيطرة والاهتمام الزائد
لكن، إن دأبتِ على طلب قطعتي كيك كلّ مساء، على مدى شهور عديدة، فلا شكّ أنّ ذلك سيكون ضارًا على مستويات عديدة.
هذا تشبيه استخدمته شيترا راغافان، أستاذة علم النفس بكلية جون جاي للعدالة الجنائية، في مقال في نيويورك تايمز لتشرح الكيفية التي يتحول بها السلوك الرومانسي إلى ممارسة مواعدة ماكرة تعرف باسم "الإغراق بالحب" أو "قصف الحب" (Love Bombing)، وهي ممارسة تتعمّد إغراق الشريك الجديد بمبادرات وهدايا كبيرة وعلى نحو مستمر، وذلك للاحتفاظ باليد العليا في العلاقة، وأسر الشريكة وتقييدها. وإن كانت هذه الممارسة ممكنة من قبل الشريكة نحو شريكها أيضًا، إلا أنّها أكثر شيوعًا بالعكس، أي من قبل الشاب نحو الفتاة.
تقول أستاذة علم النفس، إنه في الحالة التي يمكن وصفها بأنها تتبع إستراتيجية "الإغراق بالحب"، أو "قصف الحب"، يقوم أحد الشريكين، الذكر في العادة لكن ليس دائماً، بإغراق الشريك الآخر بالاهتمام والحب والثناء والغزل والهدايا الثمينة بشكل مبالغ به، فيؤسس بذلك سياقاً تشعر فيه الفتاة بأنها التقت رفيق روحها، دون عناء. لكن الحقيقة هي أن هذا الشخص الذي يمارس الإغراق بالحب يخلق وضعًا يبدو فيه أمام الطرف الآخر كأنه الشريك المثالي"، أي الوضع الذي لا يتخيّل فيه أن يخطئ أو يطاله الانتقاد أو الشعور بالملل من رفقته في لحظة ما، أو التصدّي لأي سلوك سلبيّ صادر من تجاهه.
هل يبدو لكِ الأمر مألوفاً ؟ إليك هنا بعض الأنماط والإشارات التي تقيكِ معرفتُها من التعرض لمصيدة "الإغراق بالحب"، وبعض النصائح لكيفية التعامل مع الأمر إن كنت ضحية لهذا السلوك بالفعل، ننقلها بتصرف عن مقال في نيويورك تايمز الأمريكية.
1. الاهتمام المفرط والغزل الزائد عن الحد
أحد الأشياء المعقدة فيما يخص المواعدة، هو أن كل شيء يمكن أن يحدث في علاقة سليمة يمكن أن يحدث كذلك في علاقة غير صحية. إظهار الاهتمام المفرط هو مثال على هذا الأمر.
تقول راغافان المختصة كذلك في العنف المنزلي والتجارة الجنسية "إن منحك أحد ما اهتمامه وكان حاضر الذهن في الموعد الأول، قد يدل هذا الأمر على اهتمام حقيقي. لكن هناك كذلك نوع من الاهتمام يستهلك الطرف الآخر.
قد يصعب التفرقة بين الأمرين على حد قولها (لكن تذكروا أن هذا شخص قابلتموه للتو)، وعاطفة الحب الفياضة حين تصاحبها كلمات مثل "أنت رفيق روحي" أو "لم ألتق يومأً بشخص أشعر معه بهذا القرب" أو "كل ما أردته موجود فيك"، تنم عن المبالغة الشديدة وتشبه الأداء المسرحي، مع ذلك قد تكون مغوية ورومانسية، بناء على ما يحدث أثناء الموعد وما يحدث بعده.
2. العزلة عن الأصدقاء والعائلة
قد تشعر أن رغبة رفيقك الجديد في تزجية كل وقته معك أمر لطيف. لكن في كثير من الأحيان ينم الأمر عن إشارة سلبية. قد يكون الشخص نرجسياً يحاول عزلك عن علاقاتك الأخرى في حياتك، ليتمكن من بسط سيطرته عليك طوال الوقت.
تقول إيمي برونل ، أستاذة علم النفس في جامعة ولاية أوهايو التي يركز عملها البحثي على النرجسية في العلاقات الاجتماعية والعاطفية، رغم قلة الأبحاث التي تنظر في العلاقة بين استغلال الشريك العاطفي والنرجسية، إلا أن هناك رابطاً بينهما بالتأكيد. التحكم في الحياة الاجتماعية للطرف الآخر بأكملها، قد لا يدع لهذا الشخص ملتجأ يلجأ إليه حين تسوء الأمور في العلاقة العاطفية.
"يزرع هذا السلوك بذور العنف تجاه الشريك العاطفي لأن الطرف الآخر سيصل حده وسيحاول الخروج من العلاقة، وسيكون الأمر شاقاً للغاية".
3. هدايا مبالغ فيها
الدكتورة راغافان، تقول إن إغراق الشريك الجديد بالهدايا هي طريقة لدى ممارس الإغراق بالحب، أو "القصف بالحب" لبسط سيطرته على شريكته، وحتى لو لم يكن يمتلك الكثير من المال، فإنه سيتكلّف بالهدايا كما لو كان غنيًا. وهذا أمر غير صحيّ وقد يكون علامة تحذير يجدر بالفتاة التنبه إليها.
"تكمن الفكرة في المبالغة وإغراق الشخص الآخر بالهدايا الثمينة حتى يفقد السيطرة ويشعر بأنّه ممنون للطرف الآخر فوق قدرته على الردّ والمقابلة. الاهتمام المتواصل والغزل والإغواء والهدايا كلها تهدف لإغراق الشخص والتحكّم به وبردود أفعاله. وحين يغرق الشخص في فيض الحب هذا لا يمكنه أن يرى الخطر القادم، ولا يتعامل معه بالشكل المطلوب".
بحسب الدكتورة إيمي برونيل، يميل النرجسيون لأن يكونوا ماديين، لذا قد يقومون بتقديم الهدايا لتعزيز قيمتهم وثقتهم بأنفسهم. وقالت إن الأمر يذكرها بعض الشيء بكريستيان جراي، الشخصية الرئيسية في فيلم “Fifty Shades of Grey"، الذي اعتاد على تقديم الهدايا الفاخرة دائماً لحبيبته. ولأن مثل هذه الشخصيات تعرض في الأفلام والموسيقى وغيرها من الوسائط الرومانسية، يصبح سلوكهم معياراً أو مثالاً على الرومانسية بالنسبة لنا.
بول ايستويك أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، الذي يركز بحثه على الكيفية التي يبدأ بها الناس علاقات رومانسية ويلتزمون بها، قال إنه لا يجب اعتبار جميع المبادرات الرومانسية الكبيرة في قيمتها نذيراً سيئاً أو مؤشرًا على شخصية نرجسية من الشخص الذي قدّمها.
وقال في مقابلة تلفونية "بشكل عام الطريقة التي نعبر بها عن حبنا للآخرين والطريقة التي نظهر بها اهتمامنا بهم والطريقة التي نحاول دعمهم بها، كلها عوامل تسهم في توقع نتيجة العلاقة. ويمثل الإغراق بالحب جزءاً صغيراً من هذا السلوك".
للقراءة أكثر عن العلاقات بين الشريكين وبعض النصائح العاطفية يمكنك الاطلاع على هذه المواد في التراصوت.
مترجَم: هل يكون التنائي بين الشريكين وصفَة سحريّة لإنقاذ الزواج؟
6 أشياء يجب ألا تخفيها عن شريك حياتك
ما السرّ الذي يضمن إنقاذ علاقاتنا مع من نحبّ؟
وأضاف قائلاً "في العلاقات الرومانسية الصحية تكون ممارسات الدعم والحب والرغبة متشاركة ومتبادلة، لكن في علاقات الإغراق بالحب، حتى في العلاقات الزوجية، يحاول شخص ما أن يصبح كل شيء بالنسبة للطرف الآخر".
الإغراق بالحب ليس دائمًا علامة على علاقة صحيّة بين الشريكين
تقول الدكتورة راغافان، إن الأشخاص الذين تعرضوا للإغراق في الحب، كثيراً ما يشعرون كما لو أنهم فقدوا إحساسهم بذواتهم، وقد يستغرقون وقتاً طويلاً لإعادة بناء هذا الاحساس". وتضيف: "يفقد المرء إحساسه بذاته في تلك الحالة لأن شخصاً آخر يدير كل جوانب حياتهم ابتداء من كيفية ارتداء ملابسهم وصولاً للطريقة التي يقدمون بها أنفسهم، وحتى أشكال المزاح التي يسمح له بأن يرويها أمام الآخرين".
اقرأ/ي أيضًا:
ما هو السر وراء عمر مديد سعيد؟.. الإجابة في دراسة علمية عمرها 80 عامًا