في الزمن الحالي، يعتبر الاقتصاد الأزرق نهجًا متقدمًا يهدف إلى الموازنة بين تطوير الاقتصاد والمحافظة على البيئة البحرية. ويتضمن هذا المفهوم استخدام الموارد البحرية والساحلية بأسلوب يحقق الفائدة الاقتصادية مع الحفاظ على التنوع البيئي ودعم العدل الاجتماعي. فما هو الاقتصاد الأزرق وما هي موارده؟ وما التحديات التي تقف في وجه تحقيق أهدافه؟
تعريف الاقتصاد الأزرق
جاء تعريف الاقتصاد الأزرق في بحث علمي دقيق شارك فيه 19 باحثًا من 8 دول مختلفة؛ هي الصين وأيرلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والمكسيك وألمانيا وإيطاليا وفرنسا على أنه إطار استراتيجي يهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة للصناعات البحرية بطريقة تحقق الفوائد البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية من خلال استغلال الموارد البحرية والساحلية. ويعتمد على نموذج إدارة مستند إلى النظام البيئي كجوهر في عملية اتخاذ القرار لتطوير الصناعة والمجتمعات. ويشمل الاقتصاد الأزرق مبادرات لمواجهة التغير المناخي من خلال صناعات الشحن، والصيد، والسياحة البحرية، والطاقة المتجددة البحرية التي تتسم بانخفاض الكربون وكفاءة في استخدام الموارد.
ويُعرف أيضًا بأنه نموذج للتنمية الاقتصادية البحرية المستدامة، ويركز على حماية النظام البيئي البحري مع تحقيق الاستغلال المستدام للموارد. بالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى الاقتصاد الأزرق على أنه اقتصاد قائم على التكنولوجيا البحرية الجديدة، والذي يشجع على تطوير صناعات متنوعة مبنية على المحيط مع تنفيذ مبادئ الاستدامة الاجتماعية والبيئية.
ويشمل الاقتصاد الأزرق الأنشطة الاقتصادية التي تتعلق بالمحيطات والبحار والأنهار والبحيرات، مثل الصيد، والسياحة البحرية، والنقل البحري، وتوليد الطاقة من المحيطات، واستخراج المعادن والنفط تحت الماء.
تبنت العديد من الحكومات والمنظمات الدولية مفهوم الاقتصاد الأزرق كجزء من استراتيجياتها للتنمية المستدامة.
تاريخ الاقتصاد الأزرق
يعود تاريخ الاقتصاد الأزرق إلى بداية الألفية الجديدة، حيث بدأ المفهوم بالظهور كطريقة للإشارة إلى استغلال الموارد البحرية والمائية بطرق مستدامة تسهم في النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
وكانت إحدى النقاط المحورية لنمو الاقتصاد الأزرق هي مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20) في عام 2012، حيث تم التأكيد على أهمية المحيطات والبحار للتنمية الاقتصادية العالمية والحاجة إلى استغلالها بشكل مستدام. ومنذ ذلك الحين، تبنت العديد من الحكومات والمنظمات الدولية مفهوم الاقتصاد الأزرق كجزء من استراتيجياتها للتنمية المستدامة.
ويتعامل الاقتصاد الأزرق مع التحديات المرتبطة بالحفاظ على البيئة البحرية وتعزيز الاستغلال الاقتصادي المسؤول للموارد المائية. ويهدف إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان استفادة المجتمعات المحلية.
الفرق بين الاقتصاد الأزرق واقتصاد المحيط
يكمن الفرق الأساسي بين الاقتصاد الأزرق واقتصاد المحيط في نطاقهما وتركيزهما. حيث يعتبر الاقتصاد الأزرق مفهومًا أوسع، ويشمل استخدام الموارد المائية بشكل مستدام في جميع المسطحات المائية مثل المحيطات، والبحار، والأنهار، والبحيرات، لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي مع الحفاظ على البيئة. بينما يركز اقتصاد المحيط تحديدًا على المحيطات والبحار، ويسعى إلى تحقيق استفادة اقتصادية منها بطريقة تضمن الحفاظ على صحتها واستدامتها للمستقبل.
النقل البحري عصب التجارة العالمية وأحد أهم مكونات الاقتصاد الأزرق
موارد الاقتصاد الأزرق
ينّمي الاقتصاد الأزرق التجارة، والسياحة، ويحافظ على البيئة بتوظيف موارده بطرق مستدامة لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، وإليك أهم موارد الاقتصاد الأزرق:
-
الموارد المائية
تعد الموارد المائية أساس الاقتصاد الأزرق وتشمل كل ما يتعلق بالمحيطات، والبحار، والأنهار والبحيرات من حياة بحرية كالأسماك والرخويات، والطحالب والنباتات المائية، بالإضافة إلى الطاقة المتجددة كطاقة الأمواج والرياح البحرية والمعادن المستخرجة من قاع البحار. هذه الموارد تدعم الصناعات المتنوعة من الصيد والزراعة المائية إلى استخراج الموارد الجيولوجية، وتوفر فرصًا اقتصادية واسعة مع الحرص على استدامة النظم البيئية المائية.
-
السياحة البحرية
تمثل السياحة البحرية جزءًا مهمًا من الاقتصاد الأزرق، حيث تجذب الشواطئ الخلابة، والجزر الاستوائية، والمواقع البحرية المتنوعة مثل الشعاب المرجانية والغوص بين الحطام الغارق، السياح من جميع أنحاء العالم. وتسهم هذه السياحة في دعم الاقتصادات المحلية من خلال توفير فرص العمل في الفنادق، والمطاعم، والأنشطة الترفيهية البحرية، كما تعزز من الوعي بأهمية الحفاظ على البيئات البحرية.
-
النقل البحري
يعد النقل البحري عصب التجارة العالمية وأحد أهم مكونات الاقتصاد الأزرق، فهو يوفر وسيلة فعالة واقتصادية لنقل البضائع عبر القارات. ولا يشمل النقل البحري الشحن الدولي للمنتجات الأساسية والسلع المصنعة فقط، ولكن أيضًا بناء وصيانة السفن. وهذا القطاع لا يدعم فقط الاقتصادات العالمية من خلال تسهيل التجارة الدولية بل يوفر كذلك فرص عمل هائلة في مجالات الهندسة البحرية، والخدمات اللوجستية، وإدارة الموانئ.
استغلال الموارد دون اعتبار للحفاظ على التوازن البيئي يهدد الاستدامة طويلة الأمد للأنظمة البيئية البحرية ويقلل من فرص الأجيال القادمة في الاستفادة منها
التحديات التي تواجه الاقتصاد الأزرق
يواجه الاقتصاد الأزرق العديد من التحديات التي تحتاج إلى حلول مبتكرة وتعاون دولي لضمان استدامته وفاعليته. ومن أبرز هذه التحديات:
-
التحديات البيئية وتغير المناخ
تشمل هذه التحديات التلوث البحري من النفايات البلاستيكية والتسربات النفطية، بالإضافة إلى الآثار السلبية لتغير المناخ مثل ارتفاع درجات حرارة المحيطات وتغير مستويات الحموضة، وكذلك ارتفاع مستوى سطح البحر. وتؤثر هذه التغييرات بشكل مباشر على الأنظمة البيئية البحرية، وتقلل من التنوع البيولوجي وتهدد الحياة البحرية، مما يؤدي إلى خلل في النظم البيئية ويؤثر على الأمن الغذائي والمجتمعات الساحلية.
-
الإفراط في استغلال الموارد والنزاعات
يشير هذا التحدي إلى الصيد المفرط وغير المستدام الذي يؤدي إلى تدهور مخزونات الأسماك، والتنافس على الموارد المائية مثل الصيد والمعادن الثمينة تحت الماء، مما قد يؤدي إلى نزاعات بين الدول أو داخلها. فاستغلال الموارد دون اعتبار للحفاظ على التوازن البيئي يهدد الاستدامة طويلة الأمد للأنظمة البيئية البحرية ويقلل من فرص الأجيال القادمة في الاستفادة من هذه الموارد.
-
النقص في المعرفة والتحديات التكنولوجية
يعكس هذا التحدي الفجوات في البيانات والمعرفة حول الأنظمة البيئية البحرية وعدم كفاية التكنولوجيا لاستكشاف واستغلال الموارد بطرق مستدامة. حيث إن الحاجة إلى الابتكار والتقنيات المتقدمة حاجة ملحّة لتعزيز الفهم العلمي للمحيطات، وتحسين إدارة الموارد، وتطوير أساليب جديدة للحفاظ على البيئة البحرية واستغلالها بشكل مستدام.
-
التحديات القانونية والتنظيمية والأمنية
تشمل الصعوبات في إنشاء وتنفيذ إطار قانوني وتنظيمي موحد يضمن استخدام الموارد المائية بشكل مستدام ويحمي البيئة البحرية. وبالإضافة إلى ذلك، يواجه الأمن البحري تحديات مثل القرصنة والصيد غير القانوني، مما يتطلب تعاونًا دوليًا وإجراءات محددة لضمان الأمن والسلامة في المسطحات المائية.
استراتيجيات تطوير الاقتصاد الأزرق
هناك عدة استراتيجيات يمكن اتباعها لتطوير الاقتصاد الأزرق بطريقة مستدامة وفعّالة، منها:
- تعزيز الحوكمة والتعاون الدولي لضمان استخدام مستدام للموارد المائية.
- الاستثمار في البحث والابتكار لتطوير تكنولوجيا جديدة تسهم في استكشاف واستغلال الموارد بطرق مستدامة.
- دعم الاستدامة وحماية البيئة من خلال تطبيق ممارسات الصيد المستدام وتعزيز الزراعة المائية الصديقة للبيئة.
- تطوير البنية التحتية وتحسين الوصول إلى الأسواق لزيادة كفاءة النقل والتجارة البحرية.
- تعزيز القدرات ودعم المجتمعات المحلية لضمان مشاركتهم الفعالة في الاقتصاد الأزرق.
- الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة لتقليل البصمة الكربونية للأنشطة البحرية.
وختامًا؛ فإن الدور الذي يلعبه الاقتصاد الأزرق في تشكيل مستقبل التنمية المستدامة لا يمكن إنكاره. ويتطلب النجاح في هذا المجال جهودًا مشتركة على المستوى العالمي، مع التركيز على الابتكار، وصياغة سياسات تدعم الاستخدام الأمثل للموارد البحرية. فمن خلال مواجهة التحديات البيئية، وتحسين الإدارة البحرية، يقدم الاقتصاد الأزرق فرصة فريدة لتعزيز الازدهار المستدام وحماية كوكبنا للأجيال القادمة، مما يمهد الطريق نحو مستقبل يسوده التوازن والاستدامة.