ألتراصوت- فريق الترجمة
تواجه فيسبوك مؤخرًا عاصفة من الانتقادات المتزايدة من البيت الأبيض وعدد من المؤسسات الرقابية والناشطين ووسائل الإعلام، بدعوى أن المنصّة تسهّل، عبر خوارزمياتها، انتشار المعلومات والأخبار المضللة، بخلاف المحتوى الذي تنشره الصفحات الإخبارية الأكثر مهنية. وتؤّكد العديد من الدراسات والتقارير الاستقصائية هذه الملاحظات بشأن الأخبار المضللة على فيسبوك، والتي يرى مختصون أن لها أثرًا كبيرًا في وعي عموم الناس بشأن عدد من القضايا الأساسية، بما في ذلك الانتخابات والحملات السياسية أو التعاطي مع الكوارث الصحيّة، وهو ما أكدته دراسة شاملة جديدة رصدت حجم التفاعل مع عشرات الآلاف من الصفحات المؤثرة في الولايات المتحدة. في هذا المقال المترجم بتصرف عن الواشنطن بوست المزيد من التفاصيل عن هذه الدراسة التي أعدها باحثون من جامعة نيويورك الأمريكية، وخضعت للمراجعة الأكاديمية في معهد البيانات والديمقراطية والسياسة في جامعة جورج واشنطن الأمريكية.
تواجه شركة فيسبوك المزيد من الانتقادات التي ترى بأن خوارزميات منصّة التواصل الاجتماعي تسهّل انتشار المعلومات المضللة، على حساب الأخبار من المصادر الموثوقة. وقد عزّز من هذه الاتهامات دراسة جديدة لتحليل سلوك المستخدمين على فيسبوك في الولايات المتحدة، في فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020.
وقد كشفت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة نيويورك بالتعاون مع باحثين من جامعة غرينوبل الفرنسية أنه، وفي الفترة بين آب/أغسطس 2020 حتى كانون الثاني/يناير 2021، حازت الصفحات الإخبارية المعروفة بنشرها معلومات مضللة على ستة أضعاف من الإعجاب والتفاعل والمشاركة مقارنة بمصادر الأخبار الأكثر جدّية، مثل سي أن أن، أو منظمة الصحة العالمية.
حازت الصفحات الإخبارية المعروفة بنشرها معلومات مضللة على ستة أضعاف حجم الإعجاب والتفاعل والمشاركة على صفحات الأخبار الأكثر مهنية
ومنذ أن جرى الالتفات إلى ظاهرة "الأخبار المفبركة" (Fake News) على فيسبوك، وتزايد القلق بشأنها، إبان الانتخابات الأمريكية عام 2016، اهتمت العديد من الدراسات والتقارير برصد قدرة الصفحات التي تتعاطى بالأخبار المضللة على الاستفادة بشكل أكبر من منصة فيسبوك، وكسب أعداد ضخمة من المتابعين والوصول بشكل أكبر، مقارنة بالمنصات الإخبارية الأخرى. لكن هذه الدراسة الجديدة من جامعة نيويورك تمتاز عمّا سبقها بأنها واحدة من الدراسات الشاملة المعدودة التي تطمح لرصد الأخبار المضللة وبيان أثرها عبر دراسة مجموعة واسعة من صفحات الناشرين على فيسبوك. إلا أن الدراسة تتفق عمومًا مع ما سبقها من الأدبيات الأكاديمية في المجال، في انتقاد سلوك منصة فيسبوك الذي يظهر أنّه يكافئ صفحات الناشرين التي تروّج للمعلومات المضللة.
وبحسب ريبيكا ترومبل، مديرة معهد البيانات والديمقراطية والسياسة في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، فإن هذه الدراسة (التي راجعت الجامعة نتائجها) تساعد على تدعيم الأدلة المتزايدة على أن المعلومات المضللة على فيسبوك تجد بيئة حاضنة لها وجمهورًا متفاعلًا معها.
من جهتها قالت شركة فيسبوك إن التقرير قد اهتم بقياس حجم المتابعين الذين تفاعلوا عم المحتوى على المنصّة، وأن ذلك لا يؤشّر بالضرورة على حجم المتابعين الذين عرضوا ذلك المحتوى فعلًا (علمًا أن فيسبوك لا تتيح عرض الأرقام الخاصة بالانطباعات (impressions) ولا توفرها للباحثين). وقال جوي أوزبورن، المتحدث باسم الشركة، بأن التقرير الصادر عن جامعة نيويورك "يتناول في مجمله كيفية تفاعل رواد المنصة مع المحتوى، ومن المهمّ عدم اعتبار ذلك دالًا بالضرورة على نسبة من عرض ذلك المحتوى فعليًا". كما أشار أوزبورن إلى أن فيسبوك تستعين بأكثر من 80 مختصًا بالتحقق من الأخبار والمعلومات في أكثر من 60 لغة، وأن هذا الفريق يحرص على تحديد المعلومات الخاطئة والحد من وصولها وتوزيعها على المنصّة.
بيانات الدراسة
اعتمد الباحثون في هذه الدراسة على تصنيفات وضعتها مؤسستان تنشطان في دراسة المعلومات المضللة على الإنترنت، وهما مؤسسة "نيوز غارد" (NewsGuard)، ومؤسسة "ميديا بياس/فاكت تشيك" (Media Bias/Fact Check). وقد صنفت المؤسستان آلاف الصفحات على منصة فيسبوك وفق توجهاتها السياسية وميولها الأيديولوجية، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، كما صنفتها وفق تساهلها أو صرامتها بشأن نشر الأخبار غير الموثوقة. وقد حدّد فريق الباحثين 2،551 صفحة من هذه الصفحات المصنّفة، وقارنوا حجم التفاعل على منشورات الصفحات المعروفة بميلها للأخبار المضللة ونشرها، مثل صفحة (Occupy Democrats) ذات التوجهات اليسارية، وصفحات من الطرف المقابل للطيف السياسي، من أقصى اليمين، ومقارنة ذلك بحجم التفاعل على منشورات الصفحات التي تعرف بأنها تهتم بنشر الأخبار الموثّقة.
وقد وجد الباحثون أن رواج المعلومات المضللة "محايد سياسيًا" بنسبة إحصائية معتبرة، بمعنى أن الأخبار المضللة تلقى نشاطًا كبيرًا على منصة فيسبوك بصرف النظر عن التوجه السياسي للصفحة التي تنشرها، سواء كانت في أقصى اليمين أو أقصى اليسار، إذ كانت المنشورات المضللة من أية صبغة سياسية أكثر رواجًا من منشورات الأخبار الأكثر موثوقية، أيًا كان توجهها هي الأخرى. لكن الدراسة نوّهت إلى أن الصفحات ذات التوجهات اليمينية تميل إلى نشر المعلومات المضللة أكثر من غيرها، وهي ملاحظة تؤكّد نتائج دراسات وتقارير سابقة، بما في ذلك تقرير داخلي لشركة فيسبوك، حول نشاط صفحات يمينية متطرفة ورواح محتواها على منصة فيسبوك، وذلك وفق ما كشفت عنه الواشنطن بوست في تقرير سابق.
انتقادات مستمرة لفيسبوك
لطالما اتهم خبراء وناشطون شركة فيسبوك بأنها تستثمر في المحتوى المضلل والمثير الذي يعزّز ويتفق مع آراء وتوجهات المتابع من أجل توليد تفاعل أكبر على المنصّة، بخلاف ما تحظى به الصفحات الإخبارية المحترفة. وظلت فيسبوك في دائرة الاتهام والنقد، ولاسيما مع التساهل الذي أظهرته منصتها مع الأخبار المضللة ومحتوى نظريات المؤامرة المتعلق بجائحة كورونا واللقاحات المضادة لعدوى كوفيد-19، عدا عن انتشار الأخبار المضللة المتعلقة بالأدوية والوصفات الخطيرة التي تدعي علاج المرض، والتي كانت من بين أصناف المحتوى الأكثر رواجًا على المنصّة، ويعتقد أنّه قد كان لها أثر على تعاطي عدد كبير من الناس، في الولايات المتحدة وغيرها، مع الوباء واللقاحات. وقد أظهر استبيان أجرته مؤسسة "مشروع كوفيد" (Covid States Project)، أن مستخدمي فيسبوك في الولايات المتحدة أقل قناعة بالحصول على لقاحات كورونا، ويعزى ذلك لطبيعة المحتوى الذي يتعرضون إليه على المنصّة.
وبلغ الاستياء من فيسبوك أعلى المستويات الرسمية في الولايات المتحدة، إذ قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في تموز/يوليو الماضي "إن منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، تقتل البشر"، في إشارة إلى تساهل منصات التواصل الاجتماعي مع الأخبار المضللة المتعلقة باللقاحات، وأثر ذلك الوخيم على الصحة العامة.
من جهة أخرى، أشارت ريبيكا ترومبل، بأنه يصعب البرهنة بشكل قاطع على أثر الخوارزميات التي تعتمد عليها منصّة فيسبوك وما إذا كانت تسهّل انتشار الأخبار المضللة والمفبركة، وذلك يعود بشكل أساسي إلى أن الشركة نفسها لا تفصح عن البيانات التي يسع الباحثون الاطلاع عليها بهذا الشأن، ما يجعل اتهام الخوارزميات قائمًا على التكهّن إلى حد بعيد، بالاعتماد على مؤشرات عامّة مثل حجم التفاعل مع المحتوى من قبل روّاد المنصّة.
ففي دراسة من معهد ماستشوسيتس للتقنية (MIT) حول محتوى تويتر عام 2018، انتهى الباحثون بملاحظات شبيهة، ترى أن الأخبار المضللة تلقى رواجًا أكبر من الأخبار الأكثر موثوقية على المنصّة. وثمّة دراسات أخرى سابقة ترى أن التفاعل مع الأخبار المضللة على منصات التواصل الاجتماعي قد لا يكون خطيرًا بالقدر الذي يوحي به بعض الباحثين، خاصة وأن من يستهلك وينشر الأخبار المضللة عادة ما يكونون أعداد صغيرة ولكن نشطة، من الأشخاص المتأثرين بأجندات وأيديولوجيات معينة.
كما تحرص فيسبوك بشكل متزايد على عدم الخضوع إلى ضغط الجهات الرقابية المختلفة التي تحاول الوصول إلى بعض بيانات الشركة التي تصرّ على عدم الإفصاح عنها. ففي الأشهر العديدة الماضية، طالب البيت الأبيض مجددًا بالاطلاع على معلومات داخلية في فيسبوك حول مدى انتشار المعلومات المضللة حول كوفيد-19 على المنصة، إلا أن الشركة اعتذرت عن تقديمها، الأمر الذي أثار موجة جديدة من الاتهامات التي ترى أن فيسبوك تتنصّل من مسؤولياتها المتعلقة بالشفافية والمسؤولية الاجتماعية، وتحول دون توفير ما يلزم من المعلومات لفهم سلوك العامّة على منصات التواصل الاجتماعي.
تجادل فيسبوك بأنه لا يمكن إنهاء الحوارات التي تثيرها بعض التقارير الصحفية المبنية على وقائع، ولا يمكن تصنيفها بشكل حاسم على أنّها مضلّلة أو مفبركة
وفي حين تدعي فيسبوك أنّها تعمل وبشكل فوري على إزالة أي محتوى ينشر معلومات خاطئة حول كوفيد-19 أو لقاحات كورونا، إلا أنّها تجادل بأنه لا يمكن إنهاء الحوارات التي تثيرها بعض التقارير الصحفية المبنية على وقائع، ولا يمكن تصنيفها بشكل حاسم على أنّها مضلّلة أو مفبركة.
اقرأ/ي أيضًا:
مترجَم: تقرير "الشفافية" من فيسبوك يكشف حجم المعلومات المضلّلة على المنصّة
كيف ستتعامل وسائل التواصل الاجتماعي مع الحسابات التابعة لحركة طالبان؟
فايننشال تايمز: هل يصبح فيسبوك "تويتر" ترامب الجديد؟