كشف تقرير مطوّل في مجلة "فوربس" الأمريكية عن جانب مثير للجدل في تطبيق "تيك توك"، حول استخدام خاصية البث المباشر من قبل فتيات قاصرات لكسب المال السريع عبر الظهور أمام المتابعين بوضعيات جنسية مخلّة ومخالفة لقواعد الاستخدام في المنصّة.
يطلب متابعون عبر البث المباشر من قاصرات أداء بعض الحركات الإيحائية أو خلع المزيد من قطع الثياب أو إظهار أجزاء من الجسد مقابل مكافآت مباشرة
وقد رصد التقرير العديد من مقاطع البث المباشر التي تظهر فيها قاصرات يتبادلن مع المتابعين تعليقات ورسائل، حيث يطلب المتابعون بعض الحركات أو خلع المزيد من قطع الثياب أو إظهار أجزاء من جسد صاحبة الحساب، مقابل إرسال مبالغ من المال عبر تطبيقات خاصة بتحويل الأموال، أو عبر إرسال هدايا يتم شراؤها بعملات تيك توك.
وبحسب التقرير، فإن هذا التفاعل بين المستخدمين لا يحصل على تطبيق للبالغين، بل في تطبيق عام يمكن للجميع الحصول والدخول إليه حتى لو كانوا تحت 13 عامًا، كما أنّ ذلك لا يحدث في نادٍ للتعرّي، بل على بثّ مباشر مفتوح، بين فتاة تحدثت إلى المجلّة وقالت إنها تبلغ 14 عامًا، وأنّها تقوم بهذا النشاط بالتنسيق مع مجموعة من صديقاتها اللواتي يظهرن على البث المباشر بين فترة وأخرى من أجل كسب بعض المال.
وقد راجعت فوربس مئات مقاطع البث المباشر على تيك توك في الآونة الأخيرة، ولاحظت كيف يدخل المعلقون على حسابات الفتيات ولاسيما القاصرات ليطلبن منهنّ أداء بعض الحركات أو خلع بعض قطع الثياب أو إظهار أجزاء من أجسادهنّ، باستخدام كلمات وعبارات وصفتها المجلّة بأنها تكاد تصنّف ضمن "إباحية الأطفال". وكان بعض المستخدمين يعرضون مقابلًا ماديًا لأولئك الفتيات، سواء عبر تيك توك، أو عبر تطبيقات الدفع خارج المنصّة، مثل "PayPal"، أو "كاش آب"، أو "فينمو"، والتي ترتبط بحسابات الفتيات.
مقالات قد تهمّك حول تيك توك:
- الولايات المتحدة تتحرّك أخيرًا.. ضدّ "تيك توك"
- كيف تسببَ "تيك توك" بارتفاع حالات التشنّج اللاإرادي لدى الفتيات؟
- "تيك توك" يسهّل وصول الأطفال إلى عالم الجنس والمخدّرات؟
بحسب مساعد عميد كلية القانون في جامعة هارفارد، ليا بلانكت، فإن ما يجري في مثل هذه الحالات يعدّ "المعادل الرقميّ للذهاب إلى نادٍ للتعري مليء بالقاصرات". وتقول بلانكت: "تخيّل أنك تدخل إلى ناد أو مطعم، وفيه عدد من القاصرات على المنصّة أمام جمهور من البالغين يقومون بإغداق الأموال عليهن لأداء أنشطة أو حركات إغراء جنسية بطلبهم"، وتضيف: "هذا استغلال جنسي، وهذا تحديدًا ما يجري في تلك المقاطع المباشرة على تيك توك".
لكنّ الفرق بحسب ما يوضح تقرير فوربس هو أن مقاطع البث المباشر على تيك توك تحدث في "ميدان رقمي عام ومفتوح للجميع، يمكن للمشاهدين المشاركة به من أي مكان في العالم". بعض المطالب التي يقدمها المتابعون للفتيات القاصرات على المباشر واضحة وفجّة، فالبعض يطلب منهنّ مثلًا أن يقبّلن بعضهن البعض على اللايف، أو أن يفرجن بين أرجلهن، أو يقمن ببعض الحركات الإغرائية الفاحشة. ثمة تعليقات أخرى رصدها التقرير أقل مباشرة وتتسم بالتلميح الحذر، كطلب رؤية الثياب أو رؤية طلاء أظافر القدمين. بعض التعليقات الأخرى التي رصدها التقرير تستخدم عبارات غريبة من الفتيات، يفهم منها أنها طلبات للاستدارة وإظهار جزء من الظهر أو البطن أو الساقين أو غير ذلك بحسب ما أوضحت فوربس، لقاء هدايا افتراضية عبر تيك توك يتم تحويلها إلى نقد، أو عبر تطبيقات تحويل منفصلة.
تابع التقرير هذا النمط من الاستخدام في الولايات المتحدة، حيث يفترض بأن لا يقل عمر المستخدمين عن 18 عامًا من أجل التعامل بالهدايا الرقمية التي تحوّل إلى مكافآت نقدية. أما المستخدمون الذي تقل أعمارهم عن 16 عامًا، فإنهم بحسب قواعد الاستخدام لا يحق لهم تفعيل خاصية البث المباشر على تيك توك. وبحسب متحدث رسمي باسم الشركة، فإن لدى تيك توك "سياسات وإجراءات صارمة للمساعدة في حماية سلامة وخصوصية المستخدمين الأصغر سنًا". ومن بين هذه الإجراءات أن يكون حساب المستخدم غير متاح للجميع بشكل تلقائي إن كان يقل عن 16 عامًا، وهو ما يعني عدم القدرة على استخدام التراسل على الخاص مع بقية المستخدمين. كما تعمل الشركة على حظر أي حساب في حال اكتشاف عدم التزامه بالقواعد وسياسات الاستخدام.
كما أوضحت الشركة في مراسلة خاصة مع فوربس أنها تعمل بشكل متواصل على تنقية المنصّة من أي محتوى جنسي خارج أو محتوى يكون القصد منه الاستغلال. وأكّدت إدارة تيك توك أنها لا تتساهل بأي شكل مع المحتوى الذي قد يتضمّن إساءة للأطفال أو استغلالًا جنسيًا بحقهم. وبحسب فوربس، فإن العديد من الحسابات التي ظهرت عليها مقاطع البث المباشر المخلّة قد حذفت بشكل كامل عن المنصّة بعد عدة أسابيع من التواصل مع الشركة.
يذكر أن الحكومة والمؤسسات التشريعية في الولايات المتحدة تعنى بشكل متزايد في الآونة الأخيرة بالتقارير التي تتناول أثر تطبيقات التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك وإنستغرام، على المستخدمين، ولاسيما الأطفال والمراهقين من كلا الجنسين. ففي أول خطاب له لحالة الاتحاد في آذار\مارس الماضي قال الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن على واشنطن أن تقف في وجه منصات التواصل الاجتماعي ومساءلتها على التجارب التي تقوم بها على الأطفال والقصّر من أجل تعزيز أرباحها.
فخلال الفترة الماضية تعاونت مجموعة من المشرعين الأمريكيين من الجمهوريين والديمقراطيين لإطلاق تحقيق يسعى للتعرف على الآثار السلبية لتطبيق تيك توك على المستخدمين الأصغر سنًا في الولايات المتحدة، كما شرعت وكالة الأمن القومي الأمريكي مؤخرًا في التحقيق في كيفية تعامل إدارة المنصّة مع شبهات الاستغلال الجنسي للأطفال على تيك توك.
وكان الكونغرس الأمريكي في وقت سابق قد بدأ تحقيقات موسّعة للوقوف على أثر تطبيقات شركة "ميتا" (فيسبوك سابقًا) على الأطفال والمراهقين، ولاسيما تطبيق إنستغرام، وذلك بعد تسريبات من داخل الشركة حول تقارير داخلية حول التأثير السلبي لتطبيق إنستغرام على الصحّة النفسية للمراهقين والمراهقات، وهو تقرير تجاهلته إدارة الشركة العليا ولم تتخذ أي خطوات ملموسة من أجل الحدّ من تلك الآثار. وفي سياق تلك التحقيقات، طلب من أحد المدراء التنفيذيين في تيك توك المشاركة في إحدى جلسات الاستماع للحديث حول سياسات شركته فيما يتعلق بحماية المستخدمين دون 18 عامًا.
إلا أن القانون الأمريكي، وعبر الفصل230 من قانون الاتصالات الأمريكي، يحصن شركات الإنترنت من المسؤولية القانونية على المحتوى الذي ينشره المستخدمون على منصاتها، وهذه المادة من القانون هي ما قد يحمي شركات كبرى مثل تيك توك من أي مسؤولية قانونية مباشرة على ما ينشر عليها في مقاطع البث المباشر، على الرغم من المخالفة التي تشكّلها للقانون الأمريكي (ولقواعد الاستخدام في المنصّة)، رغم أنّ قانونيين تحدثوا إلى فوربس قد أوضحوا بأنه في حال اشتملت تلك المقاطع على موادّ تتضمّن اعتداء جنسيًا على الأطفال، أو تجارة بالبشر، فإن القوانين الجنائية الفدرالية تكون سارية عليها، دون الالتفات للمادة 230 من قانون الاتصالات الأمريكي. إلا أنّ معظم الأنشطة الخارجة التي يتم رصدها على تيك توك وغيرها من المنصّات لا يقع ضمن هذه التصنيفات الجنائية. (للمزيد حول الفصل 230 من قانون الاتصالات الأمريكي اقرأ هذه المادة على التراصوت)
كيف يحدث الاستغلال الجنسي على تيك توك؟
تعدّ تيك توك المنصّة المفضّلة للمؤثرين وغيرهم لجني المال عبر الإنترنت حاليًا في أماكن مختلفة حول العالم (يمكن هنا الاطلاع على ما جناه المؤثرون على تيك توك في 2021). وقد أنفق المستخدمون على التطبيق في العام 2021 أكثر من ملياري دولار أمريكي، بزيادة مليار كامل مقارنة بالعام الذي سبقه، وذلك بحسب البيانات التي عرضتها مجلة فوربس في تحقيقها. إذ تتاح للمستخدمين على المنصّة شراء "عملات تيك توك"، لشراء وإرسال الهدايا عبر التطبيق للحسابات التي تفعّل البث المباشر، وهي هدايا يمكن لأولئك المستخدمين تحويلها إلى نقود في حال كانت حساباتهم مرتبطة بحساب بنكي.
وتيك توك ليس التطبيق الوحيد الذي يوفّر مثل هذه الآليات للتفاعل بين المستخدمين، عبر الهدايا الافتراضية ذات القيمة المالية، وليس هو التطبيق الوحيد المستخدم في أنشطة البثّ المباشر الشخصية. إلا أن نطاق حضور وتأثير تطبيق تيك توك يفوق على أي تطبيق آخر، حيث يبلغ عدد المستخدمين النشطين على تيك توك حاليًا أكثر من مليار مستخدم، وهو ما يعني أن التهديد الذي يمثّله التطبيق للمستخدمين الأطفال والمراهقين أشدّ مستوى من أي تطبيق آخر.
تعدّ تيك توك المنصّة المفضّلة للمؤثرين وغيرهم لجني المال عبر الإنترنت حاليًا في أماكن مختلفة حول العالم
ففي الولايات المتحدة فقط، فإن نصف الأمريكيين بين 9 إلى 17 عامًا يستخدمون تيك توك مرّة واحدة على الأقل يوميًا. وفي الربع الأخير من العام 2021، أقدمت تيك توك على حذف أكثر من 15 مليون حساب وجدت الشركة أن أعمار مستخدميها أقل من 13 عامًا.