وصلت حملة الصين العالمية لتحسين صورتها ومواقعها السياسية وتأثيرها الناعم درجة مكنتها من تحقيق تقدم مهم ولافت على منصات الإنترنت ومحركات البحث، مستحوذةً على مراتب متقدمة في نتائج البحث الأولى في غوغل ومحركات البحث والمنصات الأخرى.
احتل المحتوى الذي يقدّم رؤية ورواية الصين حول قضيتين أساسيتين، هما سجلها الخاص بحقوق الإنسان، ومنشأ جائحة كوفيد 19، نتائج البحث الأولى
فقد احتل المحتوى الذي يقدّم رؤية ورواية الصين حول قضيتين أساسيتين، هما سجلها الخاص بحقوق الإنسان، ومنشأ جائحة كوفيد 19، نتائج البحث الأولى في منصات غوغل وبينغ ويوتيوب، وذلك وفق تقرير نشره مركز بروكينغز ومركز بحثي أمريكي آخر يسمى الاتحاد لأجل تأمين الديمقراطية، الذي يدرس تأثير الأنظمة السلطوية على الإتترنت.
وقد جد الباحثون من المنظمتين أن المصادر والحسابات الصينية قد حققت مراكز متقدمة حتى باستخدام كلمات بحث محايدة، مثل أسماء أماكن مثل شينغيانغ.
ومن المعروف أن يوتيوب وجوجل، وهما أشهر محركات للبحث عن المعلومات في العالم، محظوران في الصين. أما محرك بحث بينغ (Bing) والذي يتمتع بقاعدة مستخدمين أقل بكثير عالميًا مقارنة بجوجل، فهو متاح في الصين وقد سمح في بعض المناسبات للرقابة على بعض المواضيع الحساسة المفروضة على المستخدمين الصينيين بالتأثير على مستخدميه خارج الصين.
تستخدم كل واحدة من هذه المنصات خوارزميات تحدد وزناً نسبياً لعوامل مختلفة في المصدر، مثل مصداقية المصدر ومدى جدّته وحجم المعلومات التي يوفرها وفرادتها، وبعض العناصر والمحددات التقنية الأخرى المعروفة للمختصّين، والتي تساعد في تحسين وضع المحتوى والموقع على محرّك البحث.
وعلى سبيل المثال، سيطرت مواقع تابعة لوسائل إعلام صينية رسمية على نصف قائمة أول عشرة نتائج عند البحث عن عبارة "فورت ديتريك" (Fort Detrick)، باللغة الإنجليزية، وفورت ديتريك هي منشأة أبحاث بيولوجية تابعة للجيش الأمريكي كانت الصين قد ألمحت سابقًا إلى أنها قد تكون مكان إنتاج فيروس كورونا المستجد.
أما البحث عن شينجيانغ، وهي المنطقة التي تتركز فيها أقلية الإيغور المسلمة وتتهم الصين بإنشاء معسكرات "إعادة تثقيف" ضخمة لهم واحتجازهم بها، فقد أظهر محتوى لوسائل الإعلام الصينية في رأس قائمة النتائج يومياً طوال مدة الدراسة، التي دامت 120 يوماً من تشرين الثاني/نوفمبر حتى شباط/فبراير. وظهرت كذلك هذه المصادر في 90% من محاولات البحث على منصات الأخبار في جوجل وبينغ.
وقد قدمت هذه المصادر الصينية الرسمية رواية متماسكة تفنّد تقارير الإعلام والباحثين والنشطاء عن انتهاكات حقوق الإنسان في الإقليم ووصفتها بأنها جزء من محاولات الحكومات الغربية تشويه سمعة الصين والنيل منها.
قالت جيسيكا براندت، إحدى مؤلفي التقرير "لقد فاجأني الأمر. إن قام أحد لا يعرف شيئاً عن شينجيانغ بالبحث على جوجل، فسيصادف على الأرجح محتوى صينياً يبيض سجل الصين في ملف حقوق الإنسان".
من ناحيتها قالت جوجل عبر متحدثها الرسمي إن الشركة تعمل على الدوام على مكافحة التأثير والنفوذ المنظم وعمليات الحظر بينما تعمل في نفس الوقت على حماية حرية التعبير والقدرة على الوصول إلى المعلومات. كما قال متحدث باسم شركة مايكروسوفت التي تمتلك محرك بينغ إن الشركة تسعى للتحسين باستمرار وتعمل على مراجعة النتائج التي توصل إليها التقرير.
أمّا الحكومة الصينية فرفضت طلبًا من صحيفة وول ستريت جورنال للتعليق على المسألة.
الصين تتقن لعبة محرّكات البحث
تنبع قدرة الصين على التأثير على نتائج البحث خارج حدودها من استثمار بكين الكبير في بناء شبكة من المواقع والوكالات الإخبارية وقنوات البث للترويج لرؤيتها ومواقفها عالمياً. وقد تحولت هذه المنصات التي عرفت بأسلوبها الناعم في الترويج لصورة الصين باعتبارها قوة عالمية مسؤولة، إلى تبني نهج أكثر جرأة ومبادرة، يهدف للرد على الانتقادات وتفنيدها، وتقديم روايات وسرديّات مضادّة حول انتهاكات الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.
في الوقت ذاته، عملت الصين على زيادة نفوذها في منصة تويتر المحظورة داخل الصين، عبر توظيف مؤثرين وتنسيق حملات إعلامية وإطلاق مئات من حسابات تويتر المرتبطة بالدولة لنشر رؤيتها والترويج لها.
مقالات قد تهمّك:
كيف أصبحت الشركة المالكة لـ "تيك توك" الشركة الناشئة الأعلى قيمة في العالم؟
"اجتياح متكتًك".. كيف نقلت "تيك توك" الحرب الروسية على أوكرانيا؟
مترجَم: كيف يسهّل "تيك توك" وصول الأطفال إلى عالم الجنس والمخدّرات؟
ورغم أن هذه الاستراتيجيات لم تؤث ثمارًا إيجابية دائماً، بل وأدت إلى نتائج عكسية ضد الصين في بعض الأحيان، فإن التقرير الجديد يشير إلى النفوذ الإعلامي المتوسع للصين، والذي مكنها من احتلال مراكز متقدمة في أكبر المنصات التي يعتمد عليها المستخدمون في الغرب والعالم أجمع لتبادل المعلومات والحصول عليها.
يرى جوتا حيدر أستاذ دراسات المعلومات بجامعة بوراس في السويد أن "البحث على جوجل يعدّ دائماً في نظر المستخدم وسيلة محايدة لتحصيل المعلومات، إذ يعتقد المرء أنه حين يقوم بالبحث يكون هو صاحب السلطة على ما يبحث عنه، وأن بحثه سيقوده بالضرورة إلى الحقيقة". إلا أن الواقع مختلف عن ذلك تمامًا في محرّكات البحث، حيث الحقيقة، النسبية أصلًا، هي الضحية في كثير من الأحيان.
وقد تجلّى بوضوح نفوذ الصين على منصات البحث عقب قيام الباحث الأنثروبولوجي الألماني أدريان زينز، الذي يبحث في قضية القمع الصيني للمسلمين، بنشر ما يسمى ملفات شرطة شينجيانغ، وهي عبارة عن قاعدة بيانات صينية مسرّبة تكشف مصير آلاف المعتقلين من أقلية الإيغور، سربت من قاعدة بيانات الشرطة الصينية وتحتوي صوراً لأكثر من 2800 محتجز وتفصيلاً لعمليات الشرطة في شبكة سجون ومعسكرات الاحتجاز في الإقليم. وقد نشرت هذه الملفات أثناء زيارة المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليت زيارة إلى الصين استغرقت ستة أيام وشملت رحلة إلى إقليم شينجيانغ.
وبعد نشر الملفات بفترة قصيرة، بدأ البحث عن اسم أدريان زينز (Adrian Zenz) على منصتي جوجل ويوتيوب قائمة نتائج كان في مقدمتها وسائل إعلام تابعة للحكومة الصينية تهاجم مصداقية الباحث وتتهمه بالكذب والتلفيق، وهو الحاصل عند البحث عن الاسم باللغة العربية أيضًا.
هل تصبح الصين ملكة المحتوى على الشبكة؟
الوتيرة المرتفعة التي تنتج بها وسائل الإعلام الصينية المحتوى تمنحها أفضلية على منصة يوتيوب التي تحدث نتائج بحثها لتمنح أهمية أكبر للمحتوى الجديد وفقاً للباحثين. فوسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الغربية لا تنشر محتوى متعلقاً بشينجيانغ بنفس الوتيرة التي تتسنّى للصين، وبمختلف اللغات حسبما يؤكّد التقرير.
فبالنسبة للبحث عن منشأة "فورت ديريك" باللغة الإنجليزية، فقد ظهر على رأس قائمة النتائج فيديو بعنوان "التاريخ المرعب لمعمل فورت ديريك الأمريكي" (How terrifying is the history of U.S. Fort Detrick lab)، وهو تقرير يسلط الضوء على قيام المعمل بدراسة فيروسات خطيرة من بينها فيروسات من سلالة فيروس كورونا. لم يدعم نظرية نشأة فيروس كورونا في الولايات المتحدة أحد من خارج الصين سوى قلة من الباحثين، وقد رفض الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية مطالبات الصين المستمرة بفتح تحقيق في الأمر.
بحسب شركة جوجل تمثل بعض كلمات البحث الواردة في التقارير مناطق تسمى ب"الفراغات البيانية"، (data voids) أي مواضيع لا يوجد عنها محتوى كثير على الإنترنت مما يسهل على الصين الهيمنة عليها بالمحتوى الذي تنتجه، وهو تحد تحاول الشركة التغلب عليه. كما تقدم منصات جوجل ويوتيوب حاليًا في خانات المعلومات عن نتائج البحث معلومات عن مصدر المحتوى وإن كان مرتبطاً بوسيلة إعلامية رسمية تابعة لإحدى الدول.
مصدر المحتوى الداعم للروايات الرسمية الصينية لم يقتصر على المنصات الإعلامية المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالحكومة الصيني
لكن الباحثين يقولون إن المحتوى الداعم لوجهات نظر الصين لم يقتصر على المنصات الإعلامية المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالحكومة الصيني، فقد وجدوا أثناء الدراسة 19 منصة غير مرتبطة بالحكومة الصينية لكنها تعيد على الدوام نشر المحتوى الذي تنتجه وسائل الإعلام الصينية، وهو ما يزيد بحسب تقديرات الباحثين من هيمنة الصين على المراكز الأولى في قوائم البحث بنسبة 10% على الأقل.
التقرير أعلاه مترجم بتصرّف عن تقرير وول ستريت جورنال
