ألتراصوت- فريق الترجمة
ربما يسأل كثير من الأمهات والآباء في هذا العصر الرقمي عن تأثير الصور والتقاطها على الأطفال وصحتهم النفسية ونظرتهم لذاتهم ووعيهم بها.
فالآباء والأمهات اليوم يشتركون عبر العالم بأسره بمهارة أساسية واحدة ربما، وهي التقاط الصور للأطفال بين لحظة وأخرى، ونشر هذه الصور في كثير من الأحيان (الجيدة منها) على وسائل التواصل الاجتماعي. فالكاميرا متاحة دومًا، عبر الهاتف المحمول، ولا بأس بتوثيق كل لحظة، وجمع آلاف الصور عن الطفل في كافة مراحله طفولته.
هل سيجعل هذا السلوك التصويري المزمن من أطفالنا أشخاصًا شديدي الوعي والتكلّف؟
إلا أن هذا السلوك لا يخلو من لحظة وعي قلقة، يتحدث بها الآباء والأمهات ربما فيما بينهم، أو على الأقل في سرّهم، حول أثر كل هذا التصوير المستمر على الطفل، وما إذا كان من الجيد الاستمرار في التقاط كل هذه الصور للأطفال وإقحام سلوك التصوير في كل لفتة وكلمة وإنجاز ولو كان صغيرًا. هل سيجعل هذا السلوك التصويري المزمن من أطفالنا أشخاصًا شديدي الوعي والتكلّف؟ أو هل سيجعلهم ذلك أكثر تركيزًا على الصور ولو على حساب التجربة وعيش اللحظة؟
اقرأ/ي أيضًا: لم يجب عليك التوقّف عن الصراخ في وجه أطفالك.. الآن!
الجواب من علماء النفس التطوري وغيرهم من الخبراء، بحسب مقال على نيويورك تايمز، يقول إن التقاط آلاف الصور ومقاطع الفيديو للأطفال ليس شيئًا مثيرًا للقلق في ذاته. المهم هو كيفية تصرف الوالدين مع الموضوع، وطريقة التقاط تلك الصور لأطفالهم، وسياق تلك الصور وطريقة مشاركتها.
وسنستعرض في هذا المقال بعض النصائح السريعة عن توثيق حياة الطفل بالطريقة السليمة:
1) تجنّبي الهوس
من الطبيعي أن يرغب الأطفال في رؤية صورهم، وهذا ما يؤكده فيليب روتشات، أستاذ علم النفس في جامعة إيموري الأمريكية. فنحن جميعًا نلتقط الكثير من الصور، وأطفالنا أيضًا يفعلون ذلك، وهذا سلوك لن يختفي قريبًا. وينصح الدكتور روتشات أولياء الأمور بأن يتعاملوا بشكل طبيعي مع الأمر، مع التنبه قبل دخول مرحلة يتحوّل فيها الأمر إلى هوس قهريّ. فمن الضروري امتلاك الوعي بشأن الوقت والكيفية المناسبة لالتقاط الصور، وتوعية الأبناء بذلك أيضًا.
فبدلًا من منع الأبناء من التقاط صور السيلفي، يمكن للآباء التقاط هذه الصور معهم، وقد تكون تلك لحظة سانحة للبدء في حوار مع الطفل حول نوعية الصور التي يلتقطها له ولغيره، وكيف يمكن لهذه الصور أن تؤثر عليه وعلى الآخرين.
أما حين يكون الأب أو الأم وراء الكاميرا، فإن عليهم أيضًا التفكير بما يمكن نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، وأثر ذلك عليهم على الآخرين.
فالتوثيق المستمر يمكن أن يفسّر على أنّه "تمركز حول الذات"، وقد لا يدلّ بالضرورة على أنّه تمركز حول الطفل. وبحسب الدكتور روتشات، فإن على الآباء والأمهات أن يكونوا على وعي بهذه الناحية، وأن يعرفوا الحد الفاصل بين الاحتفاء بالأطفال والسعادة بهم، وبين الترويج للذات باستخدام صور أطفالهم.
2) عززي الصورة الإيجابية عن الذات لدى الطفل
وفق دراسة تعود للعام 2018، نشرت في مجلة علم نفس النمو، فإن الأطفال يبدأون بالاهتمام بآراء الآخرين في سنّ مبكرة جدًا، قبل إتمام السنتين تقريبًا. هذا السلوك ينتقل إلى الأطفال من الآباء والأمهات، حيث يبدأ الطفل سريعًا بإدراك ما هو محبوب وقيّم ومثير للإعجاب ومستحق للإطراء، وأطفالنا يستخدمون هذه القيم لتوجيه سلوكهم، وذلك وفق ما أوضحت سارة بوتو، إحدى المشاركات في الدراسة، وذلك في حديث لها في منصة تيدإكس، في آذار/مارس الماضي.
عند سؤال بوتو عمّا إذا كانت هنالك علاقة بين تصوير الأطفال باستمرار وبين زيادة إدراكهم للذات ووعيهم بها، وكان الجواب غير حاسم، كما هي العادة في مثل هذه الموضوعات. فالتقاط الصور الكثيرة لتوثيق لحظة أو ذكرى ليس أمرًا سيئًا في ذاته، ولكن حين يبدأ الوالدان بالاعتماد على هذه الصور من أجل الحديث عن ملابس الأطفال أو ألعابهم أو الحكم على مظهرهم أو مظهر أطفال آخرين من حولهم، فإن ذلك ينقل رسالة للطفل ويدله على ما هو ذو قيمة وأهمية في تلك الصور. لذلك فإنه من الأهمية بمكان التنبه إلى تلك الرسائل التي تنتقل إلى الأطفال وكيفية تفسير الأطفال لها.
تقول بوتو، وهي كذلك باحثة دكتوراه في جامعة إيموري، إن الأطفال شديدو الحساسية للمؤشرات الاجتماعية، وتقدير ما هو مهمّ في نظر الآخرين وما هو أقل أهمّية، وهذا أمر يحدّده بالأساس ذوو الطفل في البيت.
أما بالنسبة لمشاركة الصور ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن ذلك قد يفسّر من قبل الطفل، على أن التفاعل مع الصورة ونشرها أهم من الصورة وصاحبها والتجربة التي التقطت فيها، وهذا أمر خطير في حال تسرّب إلى الطفل.
3) احترمي خصوصية الطفل
لا تسهمي في تقويض أهمية الخصوصية لدى طفلك، ومن حاجته للخصوصية على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الحياة الحقيقية.
بحسب تونيا روني، وهي باحثة في كلية التربية في الجامعة الأسترالية الكاثوليكية، والتي تدرس أثر التوثيق الرقمي على الأطفال، فإن الأطفال، وبخلاف النظرة السائدة بين كثيرين، شديدو الوعي بالحاجة إلى المساحة الخاصة. فعلى سبيل المثال، قد يشعر الطفل بالامتعاض في حال تطفّل أي شخص بالكاميرا على مساحة اللعب الخاصة به، وهذا أمر طبيعي ومن حق الطفل، ولا بدّ من احترام هذا الشعور وعدم اختراقه لدى الطفل.
قد يتحمس الطفل في البداية عند رؤية صورة له على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن ذلك قد يتغير مع تزايد عمر الطفل ووعيه، والتعقيد المتعلق بالتعامل مع تاريخ الصور الموجودة لهم على الإنترنت على حسابات ذويهم، إذ إن تلك الصور تعني أنّه لا سيطرة لهم على الطريقة التي يراهم بها الآخرون في العالم.
في لحظة ما من عمره، قد تعني تلك الصور على حسابات الوالدين والأهل أنّه لا سيطرة للطفل على الطريقة التي يراها بها الآخرون في العالم
لو تذكرنا ذلك، وتوقفنا عن النظر إلى الأطفال على أنهم كائنات مسلوبة الفاعلية وبلا شعور بالذات أو بالخصوصية، فإن هذا الوعي بالذات سيساعدنا على اتخاذ القرار الأسلم عند توثيق ذكرياتنا مع الأطفال ومراحل حياتهم المختلفة والطريقة الأفضل نحو تحقيق ذلك، دون التأثير سلبًا عليهم الآن أو في المستقبل.
اقرأ/ي أيضًا:
لم يجب عليك التوقّف عن الصراخ في وجه أطفالك.. الآن!
كيف يجب الحديث مع الأبناء عن فيروس كورونا؟
دراسة بريطانية تكشف العلاقة بين نشأة الأطفال في دور الأيتام وحجم أدمغتهم