الترا صوت - فريق الترجمة
الأنانية خصلة سيئة، وليس هناك من يشكّك بصحة ذلك.وقد لا يستغرق الأمر طويلًا قبل أن تؤدّي الأنانية بصاحبها إلى عزلةٍ موحشةٍ، وهو يلاحظ كيف يحاول الجميع تحاشي صداقته، هذا إن لم يكونوا أصلًا يحاولون تجنب التعامل معه قدر الإمكان.
وجدت تجربة بحثية أنه على عكس المتوقع، قد تكون الأنانية في بعض السياقات والمواقف، سلوكًا مفيدًا، بل ضروريًا
لكن مع ذلك، ثمة استثناء للضرورة، يتجاوز سلبيات الأنانية، ويجعلها سلوكًا مفيدًا في بعض الأحيان. هذا ما كشفته دراسة تتناول نتائجها السطور التالية، المترجمة بتصرف عن موقع "Psychology Today".
اقرأ/ي أيضًا: ما السر الحقيقي للتخلص من عادة سيئة؟
فلنقل أنك التقيت بصديقك الذي لم تره منذ فترةٍ طويلة وقرّرتما تناول الغداء معًا، أو ربما قرّرتِ قضاء أمسيةٍ هادئةٍ مع زوجك وأردتما مشاهدة فيلمٍ معًا. سيكون عليك أولًا اتخاذ قرارٍ داخلي: هل تصرّ على ما تفضّله أنت، أم تدع ما تريد وتقدّم رغبة الشخص الآخر على رغبتك، إرضاءً له؟ هل ستستمتع أكثر إن حصلت على ما تريده أنت، أم أن الأفضل أن تتحلّى بالإيثار؟
عندما يجتمع شخصان أنانيان أو شخصان مؤاثران على اختيار أمرٍ ما، فإن القرار النهائي لا يتماشى في الغالب مع رغبة أيٍّ منهما، مقارنةً بقرارٍ يتخذه شخصٌ أناني مع آخر يفضّل تقديم الآخرين على نفسه. كانت هذه النتيجة التي استعرضتها ورقةٌ بحثية نُشِرَت في مجلة "Journal of Consumer Psychology".
ضرورة الأنانية
هذا البحث هو خلاصة تجربةً قام بها عددٌ من الباحثين، حيث طلبوا من المشاركين مشاهدة سلسلةٍ من مقاطع الفيديو، ومن ثمّ تقييم مدى استمتاعهم بكل مقطع.
ثم طلب الباحثون من المشاركين الإجابة على استبيان يقيس ميولهم الأنانية وتقبلهم لفكرة الإيثار. وبعد أسبوعين طُلِبَ من المشاركين العودة إلى المختبر، وتم تقسيمهم إلى أزواج، وعلى كل زوجٍ اختيار فيديو لمشاهدته معًا.
الأزواج التي تألّفت من شخصٍ مؤاثر وآخر أناني، بناءً على استبيان الأنانية التي أجاب عليه المشاركون سابقًا؛ اختارت فيديوهاتٍ كانت أقرب إلى ما يرغبون فعليًا في مشاهدته، مقارنةً بالأزواج المتألّفة من شخصين أنانيين نسبيًا، أو شخصين مؤاثرين نسبيًا.
أعطت هذه التجربة نتائج مشابهةٍ لتجربةٍ أخرى طُلِبَ فيها من المشاركين التصرف بدافع الأنانية أو الإيثار عند قراءتهم لتقريرٍ إخباريٍّ غير حقيقي.
ويؤكّد مايكل لوي، أستاذ التسويق بجامعة جورج تيك، ورئيس فريق مؤلّفي الورقة البحثية، على نتائجها، قائلًا: "عندما جمعنا بين أشخاصٍ أنانيين معًا أو بين أشخاصٍ يفضّلون الإيثار على أنفسهم، كانت النتائج كارثية؛ فقد اختارت هذه الأزواج فيديوهاتٍ لا يرغب أيٌّ منهما في مشاهدتها".
لكن لماذا حصل ذلك؟ يُجيب لوي بأن الناس الذين تتشابه طباعهم يلجؤون إلى التفاوض، فعندما اجتمع شخصان أنانيان، عبّر كلٌّ منهما عن ما يريده، ورفض كلاهما التنازل الكامل للآخر. وفي النهاية اختار هذا الزوج خيارًا ليس الأفضل بالنسبة لكل واحد فيهما، لكن بإمكانهما تقبله.
في المقابل، اقترح الشخصان المؤاثران عند جمعهما، خياراتٍ اعتقد كل واحد فيهما، مخطئًا، أنها تناسب الشخص الآخر. المشكلة الكامنة في إستراتيجيةٍ كهذه، كما يبيّن لوي، أن الناس يميلون إلى تهويل الاختلافات بين ميولهم وميول الآخرين، ولهذا جانبت الاقتراحات التي يقدّمها الأزواج من هذا النوع النتائج المرجوة.
التناوب على الأنانية
ويخمّن أستاذ التسويق بجامعة جورج تيك، أن الأزواج (الأزواج في الواقع وليس في تلك التجربة) قد يُسرّون بما يلقونه من نتائج إيجابية إذا رضوا بالتناوب في الجلوس على مقعد "الأناني" وقت اتخاذ القرارات؛ فبذلك سيشعر كلاهما بالراحة سواءً وقت أخذهما لزمام الأمور أو تنازلهما عن السلطة للشخص الآخر لأنهما يعرفان أن دورهما سيحين المرة القادمة.
لوي نفسه جرّب هذه الإستراتيجية في علاقته الشخصية، ووجد أنها تؤتي ثمارًا حسنة، كما يقول، إذ كان هو زوجته يستصعبان قرار العشاء، وكلاهما يفضّل النزول عند رأي الشخص الآخر.
"أدركنا في النهاية أن كلانا يريد فعليًا الذهاب إلى نفس المطعم، ولكننا كنا نحاول التظاهر باللطف." ويردف لوي: "أما الآن فقد اتفقنا على أن نقول ما نريد بصراحة. فأقول لها: ’فليكن لك الاختيار هذه الليلة. ماذا تريدينا أن نفعل؟‘ الأمور تسير على خير ما يرام"، يقول لوي.
اختيار المطعم الذي تريد فيه تناول العشاء، بكل تأكيد، ليست قضيةً مصيرية، فـ"البحث ركّز على مواقف بسيطة"، كما تلفت كيلي هوس، أستاذ التسويق في جامعة فانديربليت.
ماذا عن القرارات الأكثر أهمية؟
تنبّه هوس، التي تعاونت في السابق مع لوي ولكن لم يكن لها أي مساهمات في هذه البحث المذكور، أن هذه المعادلة قد لا تنطبق على القرارات الأكثر أهمية، مثل شراء منزل أو حتى تسمية طفل، إذ يكرّس الناس وقتًا وجهدًا أكبر لتأمين النتائج التي يريدونها وقت اتخاذ قرارٍ من هذا النوع.
ولكن ما دمنا نتحدّث عن القرارات اليومية البسيطة، "فاحذر من تبسيط الأمور والاكتفاء بالنزول عند رأي شريكك"، فكما تحذّر هوس: "ستتفاجأ بما يحصل مع الناس الذي يحاول كلٌّ منهم التعامل بلطفٍ مع الآخر، فهذا يُؤتي نتائج عكسية في الواقع".
ربما لا تكون الأنانية هي الخيار المفضّل للبعض، كما يُشير لوي، ولكن يستحق الأمر محاولة تجاوز الشعور بعدم الراحة خصوصًا في سياق العلاقات التي يواجه فيها الناس قراراتٍ بصورةٍ مستمرة، أو عندما تكون مع مجموعةٍ كبيرة وقعت في حيرةٍ من أمرها.
الأنانية ليست خيار مفضلًا، لكن قد يستحق الأمر محاولة تجاوز الشعور بعدم الراحة خاصة في العلاقات التي يواجه فيها الناس قرارات مستمرة
ويؤكّد لوي على ذلك: "تحتاج المجموعات أحيانًا إلى من يتصدّر الموقف ويعبّر عما يريده. أنا طبعًا لا أقول أن عليك فعل ذلك، ولكن إذا شعرت أن التردد يمنع شخصًا ما من اتخاذ قرار، فتقدّم واطرح رأيك بوضوح، فالناس في الغالب تقدر من يأخذ بزمام المبادرة".
اقرأ/ي أيضًا:
ماذا تقول الأحلام "المثيرة" عن واقع حياتنا؟
6 علامات على أن الوقت قد حان لتقديم استقالتك
أحبّوا أنفسكم أولًا.. 4 طرق للاستمتاع بالحياة بعيدًا عن جلد الذات