ألترا صوت – فريق التحرير
غيّب الموت قبل يوم أمس، الاثنين، الأوّل من شهر حزيران/يونيو الجاري، محمود كبيبو (1941 - 2020) إثر أزمة صحية مفاجئة.
المُترجم السوريّ المُقلّ في حضوره والمُنصرف إلى الترجمة انصرافًا كاملًا انطفأ بعد رحلة طويلة قطعها متنقّلًا بين الأطروحات الغربية عن المجتمعات الشرقية، مسيّجًا نفسه بغلالة عازلة وفّرت له ما يحتاجه لإمداد المكتبة العربية بعشرات العناوين اللافتة، وبأقلّ الكلمات المُمكنة.
سيّج المترجم السوري محمود كبيبو نفسه بغلالة عازلة وفّرت له ما يحتاجه لإمداد المكتبة العربية بعشرات العناوين اللافتة، وبأقلّ الكلمات المُمكنة
هكذا، كانت حياة المُترجم الراحل المليئة بالتجنّبات، كما توحي سيرته القليلة وحضوره الأقلّ وندرة حواراته ولقاءاته، إن وجدت، أقرب إلى ورشة متواصلة للترجمة التي دخلها مُترجمًا مُتفرغًا يحمل مشروعه الخاص الذي سيوزّعه على الدراسات الاستشراقية عن المجتمعات العربية والإسلامية، بمختلف مواضيعها واهتماماتها ومواقفها.
اقرأ/ي أيضًا: عن صالح علماني.. المترجم ليس مجرد وسيط لغوي
المترجم المتواري عن المشهد الثقافي بشخصه، والحاضر بما نقلهُ ووضعه بين أيدي القرّاء العرب على امتداد سنوات طويلة، وجد نفسه في العزلة التي تعني ضمن سياقنا هذا حياةً قليلة، فاهتدى إليها ليترجم في كنفها ما يهدف إلى تبيين الثقافة الإسلامية وطبيعتها المُميّزة انطلاقًا من ذاتها دون أن يعني هذا غياب موقف المؤلّف النقدي داخل الكتاب تجاه هذه الثقافات.
ويعود السبب خلف هذا الموقف، وفقًا لاعتراف العالم الألمانيّ يوهان كريستوف بيرغل، إلى موقف انفصامي آخر يشعر به كلّ أوروبيّ مثقّف بسبب ديانته وثقافته المختلطة، وذلك أثناء حديثه عن كتابه الذي نقله محمود كبيبو إلى اللغة العربية وصدر تحت عنوان "القهر والسلطة: القدرة الإلهية والقوة المستمدّة منها" الذي يتمحور موضوعه حول التوتر بين القدرة الإلهية الشاملة، بمن يمثّلونها ويستغلّونها لمصلحة شخصية، وبين القوى الثقافية والاجتماعية.
من بين الكتب الكثيرة اللافتة التي نقلها الراحل إلى لغة الضاد، هناك موسوعة البدو للألمانيّ ماكس فون أوبنهايم (1866 - 1946) التي تُعد بمثابة مدخل مُتكامل لفضاء القبائل العربية، كونه يعتمد في دراسته لهذا الفضاء على تتبع أصول القبائل حاليًا، والعودة إلى أصولها في منهجية علمية يختلف عن السائد لجهة عملية تتبع الأنساب العربية. وضمن هذه المنهجية، حاول فون أوبنهايم الإجابة على سؤال: ما علاقة تلك القبائل بتلك؟
في أحد حواراته النادرة، يصف كبيبو هذه الموسوعة بأنّها بمثابة: "مسح جغرافي ورحلة في التاريخ لاقتفاء تاريخ وأنساب البدو. كما أنها تغطي الجوانب الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية الأنثروبولوجية. ويشمل النطاق الجغرافي للموسوعة القبائل العربية، الرحل ونصف الرحل آنذاك، في آسيا بدءًا من جنوب تركيا شمالًا مرورًا بالعراق وبلاد الشام، بالإضافة لشبه جزيرة سيناء، وكذلك السعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين وعشائر عربستان "خوزستان في إيران"، أي كل القبائل العربية في آسيا ماعدا تلك الموجودة في اليمن وعُمان".
موسوعة البدو لأوبنهايم مسح جغرافي ورحلة في التاريخ، تغطي الجوانب الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية الأنثروبولوجية
ويضيف: "كما تطرقت للقبائل الغير العربية المتواجدة في النطاق الجغرافي لدراسته كالتركمان والقوقازيين والأكراد والإيزيديين، وغيرهم. تقدم بمنتهى التفصيل والدقة معلومات عن كل قبيلة من القبائل في حلها وترحالها وأماكن تحركها، وعاداتها وتقاليدها وأساطيرها وحكايتها، وعن عادات الزواج والغزو والثأر وحق الحماية (الإجارة)، ومعتقداتها الدينية. وتدقق في أنساب كل قبيلة وخاصة نسب شيوخها وعدد خيامها ومحاربيها، وما إلى ذلك".
اقرأ/ي أيضًا: حوار| المترجم عبد الجليل العربي.. في عشق القطط وساراماغو واللغة والبرتغالية
أنتج المُترجم الراحل بخصوبة، رافدًا المكتبة العربية بعشرات العناوين، منها: "الحق الأمومي عند العرب القدامى" لجورج الكسندر فيلكن، و"المنبر في الشعائر الدينية للإسلام الأولى" لكارل هينرش بيكر، و"الدروز"، بالإضافة إلى "بدو وسط الجزيرة: عادات، تقاليد، حكايات وأغان" لجوهن جاكوب هس، و"إمبراطورية المهدي: صعود الفاطميّين" لهاينتس هالم، و"أشراف مكّة" لفرديناند فوستنفلد، وغيرها من الكتب.
اقرأ/ي أيضًا: