تحت عنوان "ملكة النيفا.. آنا أخماتوڤا" صدرت عن دار النهضة العربيّة في بيروت مختارات شعريّة شاملة للشّاعرة الروسيّة من أصل أوكراني آنّا أخماتوڤا. تأتي المختارات في 490 صفحة من القطع الوسط وتسبقُها مقدّمة بتوقيع صاحبة المختارات المترجمة اللبنانيّة أماني غيث.
تستهلّ المترجمة كتابها بسيرة أخماتوڤا الحياتيّة والفنيّة، مع معلومات وحقائق تنسب لنفسها فضيلة كشفها للمرّة الأولى عن حياة هذه الشّاعرة. تليها ترجمة أكثر من أربعمئة قصيدة وبعض الرّسائل، منها واحدة كتبتها لستالين. وتلجأ مترجمة الكتاب إلى رولان بارت لتفسّر فكرتها، فهو يشرح بأنّ تاريخ الأدب هو عبارة عن "تقدّم للرّجال فقط". وذلك ليس بسبب انشغال المرأة في الأمور الحياتيّة والعائليّة كما يشيع البعض، بل بسبب إقصائها المتعمَّد من رواية الوطن، ما يُعرَف بتأثير ماتيلدا عن طريق التّعتيم على إنجازات وإسهامات المرأة في الحركة العلميّة والفكريّة والثّقافيّة.
بالنظر إلى القصائد يجد القارئ أنّها اختيرت القصائد من دواوين أخماتوڤا كافّة، وعلى امتداد كلّ فترات حياتها لتُظهرَ هذا التطوّر الكبير الّذي عرفه شعرها وتجربتها، وأنّها أعادت عملها مرارًا، بالتّوازي مع دراسة سيرتها البالغة الأهميّة في عمليّة فهم شعرها، والتقاط الرّموز والشّخوص الّذين استوحت منهم قصائدها.
من الكتاب
ما زلتُ أحبّك
هكذا وعن غير قصد
قلْتُ لكَ "أنتَ" المألوفة
وإذ بوميض ابتسامة
تضيء وجهكَ من جديد.
أخطاءٌ عفويّةٌ وساذجة كهذه
كفيلة بجعل أكبر النّيران تندلع
نعم أحبّك،
بحنانٍ يفوق عاطفة أربعين أختًا.
وجع القلب
لا، لم تكن أنياب أفعى
بل كانت لدغته،
وجع القلب الّذي أفرغ عروقي بالكامل.
مثل فتاةٍ بريئة، هتفتُ للحبّ،
ومثل عصفور، غنّيتُ في الحقول البيض.
الطّريق مغلقٌ منذ مدّة،
وأميري، في حصنٍ مرتفع،
هل سأخدعه؟ - لستُ أعلم!
حياتي على هذه الأرض ليست سوى كذبة.
لن أنسى كيف جاء يودّعني
وكيف لم أبكِ يومها:
كنتُ أعرفُ أنّه القدر.
ها أنا أُلقي تعاويذ جديدة
لزيارة أحلامه،
لكنّها جميعها تذهب سدىً،
كم أنا خائفة!
أتراهُ ينام بهدوءٍ شديدٍ داخل زنزانته،
كلّ ذلك لأنّني مُنعتُ الوصول إليه
ولأنّني مسجونةٌ في الخارج،
أم أنّ حوريّةً لامعة العينين تغنّي له،
عبر السّحاب؟
يومها كلانا شتمَ الآخر
العشق بياضٌ مشتعل،
لم يفهم كلٌّ منّا
كيف أنّ أرضًا صغيرةً كانت لاثنين معًا،
تلك الذّاكرة تعذِّب بحقدٍ
وتجرح أكثر القلوب قوّة!
وفي اللّيل الّذي لا ينتهي،
يتعلّم القلب أن يسأل:
"أين رحل حبيبي؟"
عندها فقط،
وسط خيطان البخور
سيعلو العزف
فرِحًا وخطرًا،
بينما أحدِّق بقسوةٍ في روحي،
بالعينين نفسهما الواثقتين والصّارمتيْن.
ليلي، أفكّر فيكَ بهوس
نهاري: لا يهمّ،
فلْيكن!
استدرْتُ ثمّ ابتسمْتُ لمصيري
الّذي لم يجلب لي غير البؤس.
دخان الأمسِ مخيف
والنّيران الّتي تحرقني، لن تموت.
يبدو لي أنّ هذه النّار المشتعلة
لن تصبحَ سماءً مشمسة.
هل كان عليّ أن أتحمّل وأتنازل؟
أن أشتمك لأنّكَ لم تأتِ؟
لأنّكَ بعيدٌ للغاية
ولأنّك لن تراني سجينة هذا الشّرك المريع؟