لعلك شاهدت في حياتك مرة أو مرتين فيلم اسماعيل ياسين في مستشفى المجانين وضحكت من قلبك وأنت ترى الرجل الذي يرتدي ملابس امرأة ويغني باللغة الهندية، والآخر الذي يصوره معتقدًا أنه المخرج، أو رأيت تجسيدًا أكثر قربًا وجدية وواقعية في فيلم A Beautiful Mind المأخوذ عن القصة الحقيقية لجون ناش، عالم الرياضيات الأمريكي الشهير، الذي كان مصابًا بالفصام، والذي حصل في أحد مراحل حياته على جائزة نوبل. ولعلنا جميعًا رأينا سعاد حسني في فيلم بئر الحرمان وهي تجسد قصة حياة فتاة مقسومة بين شخصيتين، وعلى أي حال فإن هذه القصص جميعها تدور في فلك مرض هو الفصام.
حسب منظمة الصحة العالمية فإن 21 مليون شخص حول العالم يعانون من مرض الفصام والعامل الوراثي مؤثر بشكل كبير
بعيدًا عن التصوير الرومانسي أو الكوميدي للمرض فإن الفصام مرض مؤلم لمن يعاني منه ومن حولهم، فمرض الفصام أو Schizophrenia هو مرض أجمع العلماء على أنه يصيب الدماغ لاعتلال في النظام البيولوجي فيه، بمعنى أنه يكون بسبب خلل حدث في الدماغ في السنوات الأولى، ويتضح الاستعداد للإصابة بالمرض من اضطرابات قد تكون قد صاحبت الولادة، ثم جاءت الضغوط النفسية لتزيد من شرارة اشتعال المرض.
اقرأ/ي أيضًا: ما هو الاضطراب الوجداني ثنائي القطب؟
مرضى الفصام في مصر.. اهتمام شبه منعدم
حسب منظمة الصحة العالمية فإن 21 مليون شخص حول العالم يعانون من مرض الفصام، أما في مصر فإن التقارير تشير إلى وجود 900 ألف شخص مصاب بمرض الفصام.
أما عن أسباب الإصابة بالمرض فإن العامل الوراثي له تأثير كبير، خاصة إذا كان أحد المصابين بمرض الفصام من أقرباء الدرجة الأولى، ويشير العلماء إلى أن أهم أسباب هذا المرض هو اختلال توازن بعض النواقل العصبية ومنها "الدوبامين" الأمر الذي يؤدي إلى شعور المريض بضلالات كثيرة، منها مثلًا أن أحدًا يتتبعه أو أنه شخص آخر أو أنه يسمع أصواتاً غريبة.
وتقول الدكتورة ريهام زاهر، الطبيبة النفسية، لـ"الترا صوت": إن "حالات مرضى الفصام التي قابلتها كثيرون ادعوا فيها أنهم أشخاص آخرون، أحدهم ادعى أنه رئيس سابق والآخر صرخ أنه المهدي المنتظر، وغيره ادعى أن أحدهم اختطفه وزرع في دماغه جهاز تنصت ليتجسس على أفعاله".
وحين سألنا الدكتورة ريهام عن جودة الرعاية الصحية التي يتلقاها مرضى الفصام في مصر أجابت: "في مصر وفي كثير من مناطق العالم العناية بالصحة النفسية دائمًا في مرتبة أقل من المفروض، إضافة إلى قلة الوعي بالمرض وهي تجعل كثيرًا من المحيطين بالمصاب يعتقدون في خرافات مثل أن المريض به مس من الجن أو أن شيطانًا يتلاعب به".
أما عن أصعب الحالات التي واجهتها، في سياق تجربتها في علاج الفصام، فتقول: "الحالات التي لا تستجيب للعلاج إطلاقًا". وعن نسبة الشفاء من المرض في مصر، تذكر محدثتنا: "الفصام يتم تشخيصه خلال ستة أشهر، والعلاج يستغرق وقتًا أطول بكثير، الدراسات تؤكد أن ثلث الحالات تتراجع لديها الأعراض، لكنني لم أتعامل بعد مع حالة تماثلت للشفاء التام، وعلى أي حال، تختفي الأعراض كثيرًا في الحالات التي لا تكون في مراحل متأخرة".
يؤكد الأطباء أن هناك قلة وعي بمرض الفصام في مصر وهي تجعل المحيطين بالمصاب يعتقدون في خرافات مثل أن المريض به مس من الجن
الفصام في عالم مضطرب
نشرت وكالة رويترز تقريرًا عن علاقة الحروب بمستقبل الصحة العقلية للإنسان، حيث ورد في التقرير أن الأم الحامل التي تتعرض لحرب أثناء حملها يمكن أن تلد طفلاً يصاب بالفصام في المستقبل، وهو ما أكده باحثون أمريكيون، من أن الاضطرابات النفسية للوالدين، تؤثر بشكل كبير على مستقبل الصحة النفسية للطفل. الدكتورة دولوريس مالاسبينا التي قادت الدراسة تؤكد أن الاضطرابات النفسية والضغوط العصبية غير العادية تؤثر على مستقبل الصحة النفسية للجنين، ليس فقط في الحروب ولكن أيضًا في البلدان التي تتعرض للكوارث الطبيعية والزلازل والبراكين والهجمات الإرهابية ".
اقرأ/ي أيضًا: الأمراض العقلية في الجزائر... إهمال يضاعف المأساة
هل يمكن الوقاية من مرض الفصام؟
بناء على ما سبق ووفقًا لما تراه الدراسات الطبية والعلماء فإن الوقاية تبدأ من الأم الحامل، التي يجب أن تنتبه إلى تجنب تعرضها لسوء التغذية أو الإصابة بالفيروسات مثل الأنفلونزا والالتهابات الأخرى، حدوث ارتفاع الضغط المصاحب للحمل المسمى pre-eclampsia، أما الأخطر على الإطلاق فهو تناول المواد المخدرة، والعيش في الأجواء السلبية المساعدة على ظهور المرض. كذلك فإن العيش في أجواء من الحب والدعم والتضامن تقلل كثيرًا من احتمالات الإصابة بمرض الفصام، وبل وتساعد المرضى على الشفاء منه إلى جانب العلاج.
في النهاية، لا يمكن بعد ما سبق معرفته الجزم أن مرض الفصام هو مرض الأذكياء أو العباقرة، كما يُروج البعض، بل هو مرض نفسي وعضوي لابد من الاعتراف به لعلاجه، ويمكن الشفاء منه بالعلاج، ويمكن الإصابة به بطرق عديدة أيضًا كما يمكن توفير عوامل مناسبة لتجنبه قدر المستطاع.
اقرأ/ي أيضًا: