أثارت إعلانات غامضة انتشرت في شوارع القاهرة تحمل اسم بنك مصر، وقيمة فائدة 26%، حالة من السعادة والتحمس بين بعض المواطنين، الذين يستعدون لتخصيص ودائع أو شراء شهادات، بينما كان للاقتصاديين رأيٌ آخر في الأمر.
يرى اقتصاديون أن رفع سعر الفائدة في البنوك المصرية كارثي على المدى البعيد إذ يؤدي إلى تراجع الاستثمارات وسحب السيولة من الأسواق
كانت أسعار الفائدة على الشهادات في البنوك القوميّة، الأهلي والقاهرة ومصر، قد بلغت 20 في المئة، بعدما زحفت من 10 في المئة ومرَّت بعدة مراحل حتى استقرَّت أمس، عند شهادة قيمتها 26% من المتوقع الإعلان عنها رسميًا وطرحها قريبًا.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا تهمل مصر الاستثمار المحلي؟
طرد المستثمرين
يرى اقتصاديون أن رفع الفائدة على الشهادات له ميزة حاليًا، لكنه على المدى البعيد، كارثي، فيقول الخبير الاقتصادي محمد رضا إنّه "يؤدي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية والمحلية لارتفاع تكلفة الاستثمار، وسحب السيولة من الأسواق والبورصة المصرية والاستثمارات الأخرى وتجميعها وركودها في القطاع المصرفي دون استثمارها".
وعن تأثير رفع فوائد الشهادات على البورصة، يؤكد رضا: "يقود إلى إحجام البنوك عن تمويل المشروعات الاستثمارية وتوجهها لإقراض الحكومة في أدوات الدين ذات الفائدة المرتفعة لتتفاقم معدلات الدين المحلي وتكلفة الدين لمستويات كارثية وغير مسبوقة، مما يؤدي إلى تراجع معدلات النمو وزيادة معدلات البطالة ليصبح الاتجاه نحو سياسة انكماشية واضحة في ظل اقتصاد يعاني من ركود وتضخم".
سيدمّر ارتفاع الفوائد على الشهادات، أيضًا، المشروعات الصغيرة، إذ أنه بدلًا من أن يقيم أحد الشباب مشروعًا صغيرًا برأسمال محدود، أو يُقدم مستثمر صغير على مشروع كبير بالمجازفة، يتَّجه إلى إيداع أمواله في البنك، لأنها ستعود عليه بأرباح أكبر.
26%.. مشاكل الفوائد الكبرى
إذا كانت البنوك ستمنح المودعين 26% أو 20% عائدًا على ودائعهم، فستكون مجبرة على إقراض المستثمرين، من طلَّاب القروض، في أي أنشطة استثمار مباشر، بفائدة لا تقل عن 30% حتى تحافظ على نسبة ربحيتها (4% تقريبًا)، وهو ما سيؤدي إلى حالة شلل تصيب أغلب المستثمرين والمشروعات، خاصة في ظلّ حالة الجمود والتشقف بالقاهرة، التي تؤدي، في أغلب الأحوال، إلى أقل من الثلاثين في المئة "صافي ربح" بعد الضرائب.
اقرأ/ي أيضًا: مصر وتونس.. الجنسية مقابل الاستثمار؟
توابع الاقتصاد "المدين"
وصل إجمالي الدين المحلي في مصر إلى 2.6 تريليون جنيه بنهاية حزيران/ يونيو 2016، حسب تقرير البنك المركزي الأخير
في النهاية، تقود حالة الاقتصاد "المدين" للجمهور بفوائد ضخمة إلى تجميد المشروعات، وخلق حالة فراغ، فلا اقتصاد فيما بعد إلا اقتصاد الدولة، ولا عدالة في السوق، وهو ما يدفع إلى اقتراض الدولة للإنفاق على مشروعاتها، التي تكون في الغالب "مدعَّمة " وهو ما أوصل إجمالي الدين المحلي في مصر إلى 2.6 تريليون جنيه بنهاية حزيران/ يونيو 2016، حسب تقرير البنك المركزي الأخير.
كما يؤدي رفع الفائدة إلى انخفاض حصيلة الدولة من الضرائب وتراخيص المشروعات ورسوم النقل والشحن والتصدير، بسبب زوال الاستثمارات وانخفاض معدلات الأجور. ويعود الأمر إلى دائرة البنوك، يضعها في دوَّامة، يتراجع هامش الأرباح، خاصة أن البنوك تفشل في سداد الفوائد، ويخسر مستثمرون ويتجهون إلى الاقتراض من بنوك دولية وخاصة أخرى، تستطيع أن تتنازل عن بعض أرباحها لسدّ الأزمة الحكومية.
كيف تسدد البنوك فوائد الشهادات؟
هنا، يطلّ سؤال يتعلق بكيفية تسديد البنوك فوائد الشهادات؟
غالبًا تعجز البنوك عن ذلك، وفق رأي الخبير المصري هاني توفيق، الذي يقول إن البنوك عندما تمنح المودعين 20% أو أكثر عائدًا على ودائعهم، تصبح تكلفة التمويل على البنك 22%، وبالتالي يهرب المستثمرون، فيتعاملون مع بنوك أخرى للحفاظ على أرباحهم، ما يؤدي إلى بوار سوق البنك، خاصة إنه لا يوجد مشروع في مصر الآن، خالٍ من المخاطر، يحقق أكثر من 25% صافي أرباح بعد الضرائب.
أربكت الشهادات عالية الفائدة الاقتصاد المصري، وهو ما ستبدو آثاره الضارة على المدى البعيد حين يأتي وقت السداد، وتكتشف البنوك إنها لا تقف على أرضية صلبة من الاحتياطي النقدي. وقتها، وفق عدّة توقعات، ستطلق هذه البنوك شهادات جديدة بفوائد أكبر، تغطي على فشلها بفشل آخر "مؤجَّل".
اقرأ/ي أيضًا: