هناك ساعات معيّنة في الأسواق المختلفة، يمكنك أن تتجنّب فيها زحمة الناس، إلا "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، فإنك ستجد نفسك تبحث عن موطئ قدم في الساعات كلّها، ذلك أن عشرات الآلاف يغزون جنباته منذ مطلع الشمس إلى غروبها، كبارًا وصغارًا ورجالًا ونساءً، عاصميين وقادمين من المحافظات القريبة والبعيدة. لكن هل يمكننا أن نطلق عليهم صفة القرّاء؟
حضور الكتّاب الجزائريين في "فيسبوك" أكثر حرارة من حضورهم داخل أجنحة المعرض
سمعت أحدَهم يقول لأحدهم: إنهم يأتون لصيد الأجساد لا لصيد الكتب، فقال الآخر: أثمّن أن يكون معرض الكتاب مجالًا للمغازلة، ثمّ لماذا لا يحدث هذا في معرض السيارات مثلًا، إنه الأولى باستقطاب الناس، من زاوية كونه معرضًا استهلاكيًا ومنسجمًا مع الولع العام؟ لماذا نجعل من كثافة الجمهور عيبًا، عوض أن ننبّه إلى غياب الاستثمار فيها؟
اقرأ/ي أيضًا: مصادرة كتب عزمي بشارة في معرض الشارقة
غياب هذا الاستثمار في هذا الجمهور، جعل القاعتين المخصصتين للنشاطات الثقافية تظلان خاويتين في كثير من الأحيان، رغم وجود أسماء وازنة ومثيرة للاهتمام في منصات عربية أخرى، إذ ما معنى أن تضجّ القاعة التي تستضيف حائزًا على "بوكر العربية" مثل ربعي المدهون في معرض آخر، وتبقى شبه فارغة في معرض الجزائر؟ علمًا أن هذا لا ينطبق على نظيره القادم من المشهد الفرنسي.
يقول القائمون على البرنامج الأدبي المرافق للمعرض إنهم حرصوا على أن يكون برنامجًا متوازنًا، أجيالًا ولغاتٍ وحساسياتٍ جمالية، "غير أن الكتّاب لا يحتفون ببعضهم البعض، ويجعلون من "فيسبوك" منصّة لإطلاق الصواريخ على بعضهم". يقول أحدهم لـ"الترا صوت" التي نقلت لبعضهم هذا الهاجس، فلم تحصل إلا على إجابات عائمة.
لاحظنا أن حضور الكتّاب الجزائريين في "فيسبوك" أكثر حرارة من حضورهم داخل أجنحة المعرض، حتى أن كثيرين منهم وقعوا ضحية للابتذال في الترويج لكتبهم الجديدة، والتقاط الصور النمطية مع المعروف والمجهول، في مسعى إثبات الذات، وظهر أكثرُ من وجه لمنطق الشللية الذي بات يحكم المشهد. هنا، تجدر الإشارة إلى أن هذه الدورة من "معرض الجزائر الدولي للكتاب" شهدت ظهور أكبر عدد من الأسماء الجديدة شعرًا وقصّة ورواية، عن طريق ناشرين محلّيين وعرب، بعضهم سارعوا إلى نشر شهادات قالتها أحلام مستغانمي في حقهم.
صاحبة "ذاكرة الجسد" حوّلت الأنظار إليها دفعة واحدة، في اليوم الذي نزلت فيه إلى المعرض، وخلقت حالة من الزحام شبيهة بتلك التي خلقها رئيس الجمهورية حين نزل لتفقد مشروع المسجد الأعظم، غير بعيد عن موقع معرض الكتاب، وقد كانت فرصة لإحياء النقاش بخصوص حضورها وتجربتها، في أوساط الكتاب الجزائريين، بين محتفٍ ومتحفظ ومتشنج.
شهد معرض الجزائر إطلاق جمعية "نوافذ ثقافية" جائزة الطاهر وطار للرواية
اقرأ/ي أيضًا: معرض الخرطوم لـ(حظر) الكتاب
طواف بسيط بين أجنحة المعرض، بأقسامه الثلاثة، أحدها مخصص لكتاب الطفل، في بادرة استحسنها الكثير، يجعلك تنتبه إلى الفوارق بين دور النشر الجزائرية والدور العربية المشاركة، من حيث جماليات التصميم والانفتاح على الجديد واستقطاب الأسماء المالكة لمشاريع إبداعية حقيقية، إلا في حالات قليلة، مما يؤشر على أن سياسة الدعم الحكومي للنشر، باحتكامها إلى منطق الولاء لا العطاء، لم تثمر إلا مشهدًا كسيحًا.
نخبة من الإعلاميين والكتاب الجزائريين أشارت إلى فقر المشاركة المصرية، باعتبار مصر ضيفة شرف الدورة، وعبّروا عن اندهاشهم من كون الوفد لم يضمّ إلا أسماء قليلة جديرة بالانتباه، في مقابل أسماء ونشاطات عادية لم تترك أثرًا يُذكر.
وجه آخر خفي من المنافسة، يتعلّق بدور النشر الفرنسية والأمريكية، والتي باتت تحجز مساحاتٍ كبيرة في الجناح الرئيسي، وتراهن على التخفيض في الأسعار وأناقة الأجنحة المحجوزة، لاستقطاب أكبر عدد من القرّاء، غير أن إقبال الجيل الجديد على الأجنحة التي تعرض منتوجًا باللغة الإنجليزية، بات أكبرَ من الإقبال على الأجنحة الفرنسية، وهو معطى يشير إلى انقلاب لغوي غير مرصود في المشهد الجزائري.
خارج البرنامج الرسمي للمعرض، شهدت الدورة الجديدة جملة من المبادرات الجديرة بالتثمين، منها إطلاق جمعية "نوافذ ثقافية" جائزة الطاهر وطار للرواية، وإطلاق موقع "بودكاست أرابيا" الذي يشرف عليه الكاتب يوسف بعلوج مسابقة "قصيدة كلبيب" بالتعاون مع "وكالة الإشعاع الثقافي".
اقرأ/ي أيضًا: