في اليمن الذي يشتهر بالأزمات المتواصلة في المياه، المشتقات النفطية، الغذاء والأدوية، أزمة إضافية. في البلد الأكثر فقرًا في الشرق الأوسط أزمة مقابر، وخاصة في العاصمة صنعاء. 338 هو العدد الإجمالي لمقابر الأمانة منها 190 أغلقت بعد أن انتهكت حرمتها من نبش للقبور أو بسط على بعض أجزائها. وتبقى هذه الإحصائية غير دقيقة بسبب استحداث مقابر جديدة أوقفت من قبل مواطنين ولم يتم إشعار مكتب الأوقاف بذلك. لكن ما هي إلا أعوام وتغلق بقية المقابر المفتوحة، حينها ستحل الكارثة، والتي يتجاهلها الأحياء من الجهات المعنية متمثلة بأمانة العاصمة والهيئة العامة للأراضي من جهة ومكتب الأوقاف بالأمانة من جهة أخرى.
جميع هذه الجهات اجتمعت في وقت سابق بخصوص هذه المشكلة، وأقرت في اجتماعها أن تقوم هيئة الأراضي بتوفير مقابر جديدة عند نزول كل مخطط، وتقوم أمانة العاصمة بالتسوير وبعد ذلك يتولى مكتب الأوقاف بالإشراف على هذه المقابر . لكن هذا القرار أهمل ولم يتم تطبيقه إلى حد الآن مع مطالبة مكتب الأوقاف هيئة الأراضي بسرعة التنفيذ مع قرب انتهاء العمر الافتراضي للمقابر.
معاناة السكان المحليين بالأمانة تعالت في الكثير من الأحياء وخاصة التي أغلقت فيها المقابر بحيث لا توجد قبور شاغرة؛ليضطر أغلب المواطنين لدفن موتاهم في أماكن بعيدة، وقد يضطر البعض إلى حجز قبره إلى أن يأتي أجله.
مكتب الأوقاف والإرشاد تحدث عن مشكلة أخرى تضاف إلى معاناتهم، وهي تعرض بعض المقابر للنهب والبسط من قبل " نافذين". بعضهم قد يقطن بجوار المقابر حيث يقومون بالزحف نحو المقابر وخاصة غير المسورة. وهذا النهب يكون من أطراف المقابر، وقد تم رصد العديد من المقابر التي تعرضت للبسط. لكن الجهات المعنية عاجزةً تمامًا أمام هذا العبث بكرامة الموتى.
اقرأ/ي أيضًا: اليمن.. امتحانات الحرب
يقول أحد الحراس إن المقبرة التي يحرسها قد امتلأت وأغلقت، لكن "الناس يصرون على دخولها لمحاولة إيجاد قبور شاغرة وذلك بنبش بعضها وخاصة القديمة لذلك نطالب من الجهات المختصة بإيجاد الحلول أو بتوسعة بعضها وإيجاد مقابر جديدة". بدوره، يقول أحد سكان سواد حنش إنهم في إحدى المرات أرادوا أن يدفنوا سيدة توفيت، وعندما ذهبوا للمقبرة المجاورة لهم لم يسمح لهم حارس المقبرة بدفنها بحجة أن المقبرة ممتلئة. لكن أهل المتوفاة قاموا بإبلاغ وجهاء الحارة لإقناع الحارس بدفنها، لأنه كانت تبقت مساحة بسيطة لبعض القبور، لكن حارس المقبرة يستغل هذه الثغرة لرفع قيمة القبور المتبقية: من يدفع أكثر سوف يدفن.
في غضون ذالك يقول عاقل حارة سواد حنش إن :"الحارة مساحتها كبيرة جدًا وعدد سكانها مهول جدًا مع ذلك لا توجد سوى مقبرة واحدة، والتي امتلأت أخيرًا وخاصة أيام الأزمة حيث دفن في المقبرة المئات من الناس والذين لا ينتمون للحي". ومازاد المشكلة تعقيدًا قيام رئيس وزراء حكومة الوفاق محمد سالم باسندوة بإنشاء مشروع النصب التذكاري لشهداء أزمة التغيير حيث أن هذا النصب أخذ مساحة كبيرة من مساحة المقبرة، وأيضًا يقال إن "تكلفة المشروع كانت كبيرة حيث كان بالإمكان توسعة المقبرة بهذا المبلغ لوجود مساحة كبيرة موجودة بجوارها".
في صنعاء 338 هو العدد الإجمالي لمقابر الأمانة منها 190 أغلقت بعد أن انتهكت حرمتها
إلى ذلك، ثبت أنه وفي بعض المقابر قام حراس بنبش بعض القبور القديمة والتي بدأت تختفي ملامحها، وإعادة حفرها على أنها قبور جديدة، مع قيام المكتب بإغلاق هذه المقابر عدة مرات بالسلاسل. وفي حادثة أخرى ضبط حارس لا يغلق قبور الأطفال، فدخلت الكلاب واشتمت الرائحة ونبشت قبر أحد الأطفال واستخرجت الجثة. أحيل الحارس إلى النيابة، لكن النيابة العامة باشرت بإطلاق راتب الحارس وأعادته إلى عمله.
وعن الأزمة يقول عبد العزيز عبدالله زياد مدير إدارة المساجد والمقابر بمكتب الأوقاف بصنعاء إن :"المشكلة الأكبر والأهم هي قيام بعض الأشخاص بالنهب والبسط والبناء في بعض المقابر، على أنها ملك خاص لهم ناسين حرمة المقابر وتداس كرامة الميت أمام الجميع". ومن أهم الأسباب التي تساعد هؤلاء في الاستيلاء على المقابر هي أن بعض المقابر ليست مسورة وتلك مسؤولية المجالس المحلية، لتصبح المقابر مفتوحة أمام أطماع الكثيرين. وأضاف زياد أنه فور تلقي البلاغات عن وجود أي مخالفات في أي مقبرة يقوم مكتب الأوقاف بالنزول الميداني ورفع التقارير، وبعد ذلك تتخذ الإجراءات إما عن طريق المكتب أو الجهات المعنية بذلك... "ودائمًا ما يكون التقاعس من هذه الجهات التي نخاطبها ولكنها لا تحرك ساكنًا".
ومن المخالفات، أيضًا، حسب زياد، هو "قيام أحد أفراد الجيش بالبناء والبيع في أجزاء من مقبرة ماجل الدمة حيث قمنا بالإبلاغ عنه في مقر عمله والمجلس المحلي في المنطقة لكن لم تتخذ ضده أي إجراءات". ويختتم زياد حديثه أن انتهاك المقابر يزداد يومًا بعد يوم بتحول أغلب النافذين لنهب أراضي الأوقاف ومن بينها المقابر. على الأقل، حماية الموتى في موتهم، بعدما لم يحصلوا على أي حماية في حيواتهم.
اقرأ/ي أيضًا: