التحريض والعنف والكراهية، محتويات أصبحت رؤيتها على مواقع التواصل الاجتماعي أمرًا عاديًا. بعض التحريض يؤدي إلى أشكال من العنف والكراهية لا يقابلها أي محاسبة أو ملاحقة قانونية. ولكن، هل خطاب الكراهية على الإنترنت يمكن ملاحقته والقضاء عليه؟ وهل يمكن "حذف محتوى العنف" من كل الشبكات؟ وهل يؤدي ذلك في النهاية إلى تقويض خطاب الكراهية ومحاصرته؟
وجه الاتحاد الأوروبي رسالة تحذيرية لمنصات فيسبوك وتويتر مطالبًا بحذف خطاب الكراهية ومهددًا بفرض عقوبات إذا لم تأخذ التحذيرات بجدية
تعريف خطاب الكراهية: جدل يصعب حسمه
تعترف منظمة اليونسكو أن تعريف خطاب الكراهية واسع ومثير للجدل، كما تذكر أن الوصول إلى تعريف كوني واحد تتفق عليه وسائط الانترنت المتنوعة كفيسبوك وتويتر وجوجل وحتى المنظمات التي تعمل على مراقبته، أمر بعيد وصعب. وعلى أي حال، تعرف منظمة اليونسكو خطاب الكراهية بـ"الخطاب الذي قد يتضمن عبارات تحض على الكراهية (خاصة التمييز أو العدوانية أو العنف) حسب الوسط الذي يتم استهدافه والمجموعة الديمغرافية أو الاجتماعية، كما يشمل على سبيل المثال لا الحصر، الخطاب الذي يؤيد الأعمال العنيفة أو يهدد بارتكابها أو يشجعها، ولكن من الإشكاليات أن البعض يرى أن العبارات التي تمهد لجو عام من عدم التسامح هي أيضًا تندرج ضمن "خطاب الكراهية".
اقرأ/ي أيضًا: 675 ألف منشور عنصري ضد العرب إسرائيليًا.. في 2016
من الإشكاليات الكبيرة حول خطاب الكراهية أيضًا أنه يمكن أن يطال شخصيات بارزة، أو يؤثر على الرأي العام، لذا فالمفهوم نفسه يمكن أن يكون محل تلاعب، وهو ما تفعله بعض الدول التي تستخدم "خطاب الكراهية" ضد المعارضين السياسيين.
وعلى المستوى الدولي، تشير منظمة اليونسكو إلى الاختلافات الكبيرة التي تخلق تباينًا في تعريف خطاب الكراهية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مثلاً، حيث ركز النموذج الأمريكي على الخطاب الواضح المُعلن الذي يشكل خطرًا محدقًا بينما ذهب النموذج الأوروبي في بعض الأحيان إلى تجريم المحتوى التحريضي، ولو بطريقة غير مباشرة، الذي قد يقود إلى العنف.
المشكلة الأخرى هي أن بعض مواقع التواصل الاجتماعي تركز دون غيرها على موضوعات بعينها وتجعل النقاش حولها دائرًا طوال الوقت مثل فيسبوك، بينما يقوم تويتر بتحديث موضوعاته أولاً بأول مما يجعل الموضوع الآني المطروح مرهونًا بالهاشتاج. هذا بالإضافة إلى الحسابات المجهولة للأشخاص، التي تجعل من الحصر والملاحقة أمرًا مستحيلاً، بل إن الدول التي شددت على التسجيل بالأسماء الأصلية، اعتُبرت ممارساتها تدخلًا عميقًا في الحريات الشخصية.
خطاب الكراهية على المستوى الدولي
وجه الاتحاد الأوروبي منذ عدة أيام رسالة تحذيرية لمنصات فيسبوك وتويتر مطالبًا بحذف خطاب الكراهية على هذه المنصات ومحذرًا من أن هذه المنصات لا تأخذ الخطوات الكافية لمنعه، ومهددًا بفرض عقوبات على هذه المنصات في حالة عدم أخذها التحذيرات بجدية.
إحدى الدول التي اتخذت خطوات واسعة في هذا الشأن كانت ألمانيا، التي قامت مستشارتها أنجيلا ميركل بالاجتماع مع الرئيس التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربرغ لتؤكد ضرورة إزالة المحتوى العنيف والعنصري من صفحات فيسبوك، "وكانت شركة فيسبوك قد تعاقدت مع وحدة تابعة لشركة بيرتلسمان للخدمات التجارية من أجل مراقبة وحذف التعليقات العنصرية في ألمانيا"، كما ورد عن الدوتش فيله. يذكر أن ألمانيا عانت، خاصة في الفترة الأخيرة من انتشار محتوى عدائي تجاه اللاجئين الذين استقبلتهم مؤخرًا.
اقرأ/ي أيضًا: بعد التشكيك به... "فيسبوك" يرفض اتهامه بدعم ترامب
قوانين وعقوبات مالية صارمة
فرضت ألمانيا على مواقع التواصل الاجتماعي أن توظف مديرًا للمحتوى يتم محاسبته بشكل شخصي ومباشر عن أي تجاوزات في خطاب عنيف أو تحريضي
في نيسان/ أبريل الماضي، اتجهت ألمانيا إلى مناقشة سن قوانين خاصة تعاقب على خطاب الكراهية، هذه القوانين قد تجبر مواقع التواصل الاجتماعي على دفع 50 مليون يورو كإجراء عقابي على عدم العناية بإزالة محتوى الكراهية من منصاتها. ألمانيا اتخذت بالفعل إجراءات على أرض الواقع، منها ما فرضته على مواقع التواصل الاجتماعي بأن توظف مديرًا للمحتوى يتم محاسبته بشكل شخصي ومباشر عن أي تجاوزات في خطاب عنيف أو تحريضي. من ناحيتها، قامت منصات فيسبوك وتويتر وجوجل بتأسيس قاعدة بيانات مشتركة تتعرف تلقائياً على المحتوى العنيف.
وفي النهاية، يبدو أن الخطوات الحازمة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي والعقوبات والقوانين العقابية التي لوح بها ستتوج كثيرًا من جهود ملاحقة خطاب الكراهية، لكن هل ستكون هذه الإجراءات مفيدة في المستقبل من حيث منع جرائم العنف، الأمر يحتاج إلى نظرة أبعد.
اقرأ/ي أيضًا: