أصدرت "دار جامعة حمد بن خليفة" في الدوحة، حديثًا، الطبعة العربية من كتاب "منطق العنف في الحروب الأهلية" للباحث والأكاديمي اليوناني، وأستاذ الحوكمة في قسم السياسات والعلاقات الدولية في "جامعة أكسفورد"، ستاثيس كاليفاس، الذي يعيد فيه النظر في المفهوم التقليدي للعنف في الحروب الأهلية.
يجادل كاليفاس في كتابه "منطق العنف في الحروب الأهلية" بأن الحرب الأهلية ليست مجرد تسييس للحياة الخاصة، وإنما خصخصة للعنف السياسي أيضًا
يُعد الكتاب الذي صدر للمرة الأولى عام 2000، ونقله عبيدة عامر إلى اللغة العربية مؤخرًا، أحد أهم الدراسات التي تناولت العنف الذي يُمارس خلال الحروب الأهلية. ويُعتبر أيضًا واحدًا من أبرز المؤلفات الأكاديمية والعلمية، التي انتقدت النظرة التقليدية التي ترى إلى العنف في الحروب الأهلية بوصفه حالة عاطفية شعورية وغير عقلانية.
يجادل الباحث في كتابه الذي جاء في 655 صفحة، وضم 11 فصلًا، بأن العنف في الحروب الأهلية، بخلاف ما هو شائع عنه، ليس عنفًا هائجًا مجنونًا وبلا معنى ولا هو نتاج العاطفة أيضًا، وإنما عملية معقدة لأسباب مختلفة يستعرضها الأكاديمي اليوناني الذي يرى بأن الولاءات في الحروب الأهلية ليست مستقرة وثابتة، وإنما دائمة التبدّل والحركة وفقًا لتغيّر خرائط السيطرة، التي يرى إليها بصفتها المسؤولة عن إنتاج هذه الولاءات وتغيّرها.
تستند أطروحة كاليفاس إلى جهد بحثي وتحليلي معمق طاول مختلف النظريات الشائعة حول الحرب الأهلية، إلى جانب دراسته لعشرات الحروب في أماكن وحقب زمنية مختلفة، إذ تغطي أطروحته مساحة جغرافية شاسعة، وتمتد على ثلاث قارات، فتتوقف عند المدن والدول اليونانية القديمة، ومنها باتجاه الريف الفرنسي، فالمدن الروسية زمن الثورة البلشفية، ثم الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الأهلية، وصولًا إلى غابات أمريكا اللاتينية، وأفريقيا، والقرى الفيتنامية الصغيرة، ثم بيروت بين سبعينيات وتسعينيات القرن الفائت، وبغداد ما بعد 2003.
يُعتبر الكتاب أحد أبرز الدراسات التي انتقدت النظرة التقليدية التي ترى إلى العنف في الحروب الأهلية بوصفه حالة عاطفية شعورية وغير عقلانية
ولم يعتمد الأكاديمي اليوناني في إنجاز أطروحته على تخصص معين، إذ تجتمع في مؤلَفه تخصصات عديدة تشمل العلوم السياسية، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، ودراسات الحرب، والتاريخ، إلى جانب الإحصاء والرياضيات.
وعبر الجمع بين هذه التخصصات في دراسته للحرب الأهلية والعنف الذي يمارس خلالها، يخلص كاليفاس إلى أن عنف الحروب الأهلية إنما هو عملية مشتركة بين الفاعلين السياسيين المسلحين والمدنيين العزل، وأن الحرب الأهلية ليست مجرد تسييس للحياة الخاصة، وإنما خصخصة للعنف السياسي أيضًا، الأمر الذي يجعل منها إحدى أكثر الظواهر تعقيدًا وتأثيرًا منذ ظهور فكرة الدولة وحتى هذه اللحظة.
