منذ عدّة أيام، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي في دولة الكويت جدلًا حادًّا وواسعًا يخوضه الكويتيين حول القرارات الأخيرة التي صدرت عن وزارة الإعلام، والقاضية بمنع وحظر نشر مجموعة كبيرة من الكتب والإصدارات الجديدة التي كان من المقرّر أن تُشارك في "معرض الكويت الدولي للكتاب" في دورته الـ43 التي ستنطلق في الـ16 وحتّى الـ26 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.
جعلت الرقابة من قرارات المنع طقسًا موسميًا يسبق افتتاح معرض الكتاب في الكويت
رافقت قرارات المنع والمصادرة التي جعلت منها الرقابة في الكويت طقسًا موسميًا يسبق افتتاح معرض الكتاب؛ ضجّة إعلامية كبيرة اعتاد عليها الكويتيون في السنوات الأخيرة، ذلك أنّ حظر الكتب ومنعها بات مشهدًا اعتياديًا في الكويت، وبلغ عدد الكتب الممنوعة هناك في السنوات الخمسة الأخيرة ما يزيد عن 4000 كتاب. ولكن ما أوصل هذه الضجّة والجدل معًا إلى ذروتهما، هو قرار منع وزارة الإعلام لرواية "مئة عام من العزلة" للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز. القرار الذي أثار غضب الأدباء والقرّاء معًا في الكويت، بات، وكما يرى البعض، دليلًا واضحًا على جهل القائمين على هيئة الرقابة، لأنّ الرواية الصادرة قبل 50 عامًا من الآن، وصل عدد طبعاتها في الكويت إلى الطبعة السابعة، وهي الطبعة التي طالها مقصّ الرقيب، مُثيرًا بذلك عددًا هائلًا من الأسئلة، منها: "لماذا الآن تحديدًا، بعد 6 طبعات؟".
اقرأ/ي أيضًا: معرض الكويت للكتاب.. سيف الرقابة ورقبة الإبداع
"مئة عام من العزلة" ليست الوحيدة التي مُنعت في الكويت في الفترة الأخيرة، إذ تبعتها مجموعة أخرى من الكتب المختلفة، ومنها "الحب في زمن الكوليرا" لماركيز نفسه، و"الكوميديا الإلهية" للإيطاليّ دانتي أليغييري، و"نهج البلاغة" للإمام علي بن أبي طالب. هكذا، تكون مسألة المنع والمصادرة قد تجاوزت كونها عملًا رقابيًا، وأصبحت وسيلةً لفرض وصاية فكرية على القارئ الكويتي الذي تتعامل معه الجهة المسؤولة عن قرارات المصادرة هذه، بطريقة مهينة تستنقص من قدراته الفكرية وتُلغي من حقّه وحريته في اختياره لما يقرأ، وتُحاول أن تنوب عنه في هذا الأمر. ببساطة، إنّها تُحاول جرّ الكويت إلى مرحلة جديدة تملك فيها القدرة على تحديد ما على القارئ قراءته، وما على الكاتب كتابه أيضًا.
استدعت أفعال الرقابة هذه التي وصفت بـ "المجازر الفكرية" ردًّا سريعًا من الوجوه الثقافية في دولة الكويت. وتحت وسم "#ممنوع_في_الكويت"، و"#لا_للرقابة" عبّر الكويتيون عن غضبهم من تصرّفات وزارة الإعلام ولجانها المسؤولة عن المنع. مُعتبرين أنّ ما يُعرف بـ "قانون المرئي والمسموع" هو ما يجيز للرقيب التسلّط على الأعمال الأدبية والتلفزيونية، وأنّ ما على الكويتيين فعله اليوم، هو إطلاق حملة شعبية لإلغاء هذا القانون قبل أن تجرّ الرقابة الكويت إلى الوراء أكثر.
الصحفية والناشطة أروى الوقيان اعتبرت في تغريدة لها أنّ منع الكتب العالمية والعربية المهمّة من قبل رقيب لا يفقه شيئًا في الأدب، حقيقة مخجلة لدولة الكويت، التي قيل في تغريدة للمدعو خالد حمد السعيد إنّها وبعد أن كانت منارة الأدب والفنون في الوطن العربي، وملجأ الكاتب الحر من كل البلدان العربية، تحوّلت اليوم إلى مقبرة لأبنائها. وأكد حساب عادل الدوسري أنّه: "لا يمكن أن "يتقدّم" أي مجتمع تمارس "جهاته الرقابية" سلطوية فكرية، ووصاية ثقافية على أبنائه، فحرية القراءة هي أساس التنمية، وتقنين الإبداع يحد من تطور العقول التي تنفر من السياج".
حرية القراءة هي أساس التنمية، وتقنين الإبداع يحد من تطور العقول التي تنفر من السياج
من جهتها، قالت الروائية الكويتية بثينة العيسى التي تملك تجربة سابقة مريرة مع الرقابة؛ قالت في سلسلة تغريدات لها إنّ: "مشكلة الرقابة ليست خاصّة بالكتاب ودور النشر والمكتبات. إنّها مشكلة مجتمع خاضع تحت وصاية فكرية لم يشهد لها العالم مثيلًا إلّا في القرون الوسطى". وأيضًا: "توجّه الرقابة الحالي يعني فعلًا تفريغ الكتب من دورها الاجتماعي بصفتها من عوامل التغيير. كلّ ما يصبّ في الاختلاف والحوار والتجديد الفكري، يتم تحريمه".
اقرأ/ي أيضًا: أمريكا تمنع الكتب أيضًا
وعلّقت على الأمر بقولها ساخرةً: "إذا طبقنا معيار الرقابة فيما يتعلّق بالآداب العامّة، سوف تمنع كنوزًا من كتب التراث العربيّ، وعلى رأسها المعلّقات السبع بسبب وجود كلمة نهد".
اقرأ/ي أيضًا: