ينتقد البعض طريقة جلوس متابعي كرة القدم و تسمّرهم امام الشاشة، وذاك التركيز الكبير وتفاعلهم مع المباراة، فهؤلاء يعتقدون أن كرة القدم لعبة سهلة و بسيطة، فهي عبارة عن عدد من اللاعبين يسعون لتسجيل هدف، لكنهم بالتأكيد لا يدركون ما تعنيه خطة اللعب، ولماذا يقوم فريق بتوزيع لاعبيه بشكل مغاير عن فريق اخر، فكرة القدم كما يراها عشاقها، علم قائم بذاته، وعلى كل مدرب استغلال إمكانيات لاعبيه بالشكل الأمثل، وعليه أيضًا تحليل طريقة لعب الخصم وإمكانياته، لوضع استراتيجية صحيحة تهدف لتنفيذ أفكاره من قبل لاعبيه على ارض الملعب.
ارتبطت خطّة 4-3-3 بالمتعة في كرة القدم، تمثّل ذلك في كرويف والكرة الشاملة وغوارديولا مع البارسا المرعب وأخيرًا يورغن كلوب مع الريدز
تحدّثنا فيما سبق عن نشأة التكتيك في كرة القدم، وكيف تحوّلت اللعبة من العشوائيّة إلى التنظيم، وبدأنا في شرح خطّة 4-4-2، عبر قسمَين، الأوّل تناولنا فيه ولادة هذه الخطّة، وتوظيفها من قبل الإنجليز والسوفييت، وفي القسم الثاني تحدّثنا عن تطوّر هذه الخطة، وكيف أصبحت ملاذًا للفرق الضعيفة، أو تلك التي تميل للدفاع أكثر من الهجوم، والآن نصل برحلتنا في عالم خطط كرة القدم إلى أكثرها استخدامًا.
ولادة خطّة 4-3-3:
تعتبر خطة الـ4-3-3، من أكثر الخطط استخدامًا، خصوصًا من الفرق التي تلعب بطريقة هجومية، وتتألف هذه الخطة من أربعة مدافعين، اثنين في قلب الدفاع وظهيرين ، وميزة هذا التشكيل وقوته في خط وسطه، والذي يتألف من ثلاثة لاعبين، لاعب ارتكاز دفاعي واثنان في مركز المحور، يتقدّمهم ثلاثة مهاجمين يلعبون بشكل جناحان و رأس حربة.
القوة الهجومية لهذه الخطة تأتي من مفاتيح كثيرة، أولها وجود لاعبَي محور (box to box )، ومن تسميتهم تتضح مساحة لعبهم الممتدة من منطقة جزاء فريقهم الى منطقة جزاء الخصم، أي أن هذين اللاعبين يجب أن يتمتعا بقوة بدنية ولياقة عالية، لتنفيذ مهامهم الدفاعية والهجومية، وبالطبع هنا تبرز قيمة المدرب في طريقة استخدام لاعبيه، وأغلبهم يعتمدون في الحالة الهجومية على تقدم واحد من لاعبي المحور، إضافة الى الظهيرين بينما يعود الاخر للمساندة الدفاعية، ومن أبرز لاعبي المحور في العالم (تشافي، بيرلو، كروس، مودريتش، سكولز، لامبارد)، فأغلب تحركاته تكون بشكل عرضي، ومهمته الرئيسية هي الضغط على لاعبي وسط الخصم لافتكاك الكرة، أو إجبارهم على ارتكاب الأخطاء، وهو صلة الوصل بين خط الدفاع و الوسط، كما يمكن للاعب الارتكاز المشاركة في الادوار الهجومية للفريق، ومن أبرز لاعبي الارتكاز في العالم ( دونجا، ماكليلي ، كاسيميرو، جاتوزو، كانتي، بوسكيتس).
اقرأ/ي أيضًا: من العشوائيّة إلى التنظيم.. نشأة التكتيك في كرة القدم
أما تاريخ استخدام هذه الخطة فيعود الى عام 1962، والذي لعبت خلاله البرازيل كأس العالم بشكلها الكلاسيكي، وحققت البطولة بعد اداء ثابت و ممتع ، لكن المدرب الهولندي الشهير رينوس ميتشلز قدم هذه الخطة للعالم سنة 1970 بنكهة خاصة، تحت عنوان الكرة الشاملة، وتحديدًا مع نادي أياكس أمستردام، والذي حقق معه بطولة أبطال أوروبا عام1971 ، ومفهوم الكرة الشاملة بمعناه العام هو أن كل لاعب يستطيع اللعب في جميع المراكز، وتطبيقيًّا يعني أن يحل أقرب لاعب مكان اللاعب الذي غير مركزه، ويحدث تبديل الأماكن بسرعة و حذر شديدَين، لعدم ترك الثغرات أمام الخصم، أي يجب أن يكون اللاعب ذكيًا و سريعًا، ويملك سرعة بديهة في اتخاذ القرارات
.اعتمد ميتشلز على خطة 4-3-3، كقالب لتنفيذ أسلوب لعبه، خصوصًا عندما درب برشلونة، وكان كرويف عندها يلعب بمركز رأس الحربة، يصول ويجول بين الوسط و الهجوم، فلُقّب بالفتى الطائر، ليستمر بعدها الهولندي الممتع مع منتخب هولندا في كاس العالم 1974 ، بنفس الخطة والأسلوب، فأمتع المنتخب الهولندي الجميع، لكنه خسر النهائي أمام المستضيف منتخب ألمانيا الغربية، والذي كان يلعب بنفس التشكيل 433 .
مورينيو والدفاع:
لطالما رأى معظم المدرّبين خطّة 4-3-3 على أنها الطريق المفضل نحو الاستحواذ والهجوم، جاء مورينهو (السبيشل ون) ليقدم للعالم الخطّة نفسها، ولكن بطريقة دفاعية بحتة، فعندما انتقل الى تدريب تشيلسي عام 2004 ، اعتمد جوزيه على خطة433 ، وبطريقة أربعة مدافعين في المنطقة، ومن أمامهم ثلاثة لاعبي خط وسط ، يعتمد بينهم على لاعب ارتكاز له مهام دفاعية فقط، ولاعبَي محور أحدهما يلعب (box to box )، وهو النجم فرانك لامبارد، والآخر يساند لاعب الارتكاز في مهمته بتكوين جدار دفاعي أول، أمام لاعبي وسط الخصم المتقدمين أو الجناحان، ورغم أن أسلوب مورينهو لم يكن ممتعًا للكثيرين، إلا أنّه حقق نتائج ممتازة مع البلوز، فأحرز المدرّب البرتغالي في موسمه الأول لقب الدوري وكأس رابطة الأندية الإنجليزية، وفي الموسم التالي 2005/06، حافظ على لقب الدوري، إضافة لفوزه بالدرع الخيرية، وفي موسم 2006/07، حقق كأس الرابطة وكأس الاتحاد الإنجليزي، لكنه غادر البلوز بسبب فشله في نيل بطولة أبطال اوروبا.
المتعة مع غوارديولا:
اجتاح برشلونة القارة الاوروبية مع بيب غوارديولا، والذي قدّم للعالم أمتع أسلوب لتنفيذ تشكيل 4-3-3، وسيطر البارسا على جميع البطولات الممكنة، فكان يجهز على خصمه أداءً ونتيجة،أسلوب بيب هو مرحلة متقدمة من طريقة لعب كرويف، بل حول تشكيلة الـ433 من كونها مجرد لوحة يتم تقديمها على الشاشة قبل المباراة، فينقلب عناصر الفريق فجأة داخل الملعب إلى شياطين، تارة تشاهد لاعب الارتكاز يصبح قلب دفاع ، وطورًا يصبح الظهير جناح، ثم ينتقل الجناح ليصبح قلب هجوم ، وتشاهد المهاجم يصير صانع ألعاب، ولاعب الوسط مهاجمًا بالطبع، الجميع يسجل في برشلونة، والدفاع عند بيب كان يبدأ من ملعب الخصم، في الارتكاز بوسكيتس ولاعبَي المحور إنييستا وتشافي، وهما من أعظم نجوم خط الوسط عبر التاريخ، أمامهما المرعب ميسي، فبإمكانك أن تضع أي مهاجم مع هؤلاء، ليكتمل المشهد الأخير من فيلم الرعب على أرض الملعب،14 لقبًا من جميع الألقاب الممكنة، وأرقام حُطّمت و دقائق استحواذ قياسية، هذا باختصار برشلونة بيب غواريدولا.
اقرأ/ي أيضًا: خطة 4-4-2.. مُنقذة الإنجليز ومُلهمة السوفييت
وكما أسلفنا سابقًا، فإن خطة اللعب ليست كافية لتحقيق النصر أو المتعة، , بل أسلوب تطبيق تلك الخطة هو الذي يمنحها القوة، فعندما ردد الكثيرون أن زيدان مدرب محظوظ مع ريال مدريد، إثر سيطرته على أوروبا لثلاث سنوات متتالية، تجاهلوا أن أسلوب لعبه بخطة433 كان خاصًا و هجوميًا بحتًا، فكان الريال يسجل الأهداف عندما يريد أيا كان المنافس، بايرن أو يوفي، أتلتيكو أو السيتي.
إذن خطة الـ4-3-3 تناسب الفرق الهجومية أكثر من الدفاعية، يشترط فيها لاعب ارتكاز مميز، ولاعب محور يملك لياقة بدنية عالية، وفي حال ملكت هؤلاء الى جانب جناحين سريعين، فإنك تتحدث عن ليفربول كلوب .
اقرأ/ي أيضًا:
من أسلوب للمتعة الكرويّة إلى ورقة رابحة للفرق الضعيفة.. تطوّرات خطّة 4-4-2