سطع نجم العلماء المسلمين في العصر الذهبي الإسلامي وذلك في الفترة الممتدة ما بين القرن الثامن وحتى الثالث عشر للميلاد، وأستُخدمت علومهم ومؤلفاتهم كحجر الأساس للعديد من النظريات والحقبات القادمة، ومن أهم العلماء ابن البيطار، فمن هو ابن البيطار؟ وفي أي مجال نبغ؟ اعرف ذلك وأكثر في هذا المقال.
من هو العالم ابن البيطار؟
اسمه ضياء الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد المالقي والملقب بابن البيطار، كان عالم نبات وصيدليًا وطبيبًا أندلسيًا عربيًا عاش خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، واشتهر بمساهماته في مجالات علم النبات والصيدلة والطب، وفيما يلي نتتبع أبرز المحطات من حياته:
- ولد ابن البيطار في مدينة مالقة في إسبانيا حوالي عام 1197، في عهد السلالة الموحدية.
- سافر على نطاق واسع في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك شمال أفريقيا ومصر وسوريا والأناضول، لجمع العينات النباتية ودراسة النباتات الطبية.
- زودته أسفاره بثروة من المعرفة عن نباتات هذه المناطق، والتي وثقها في كتابه المبدع "الجامع لمفردات العدوية والأغدية" (الكتاب الشامل في أسماء الأدوية والمواد الغذائية)، وقد وصفه ابن بيطار بالقول: "سميته الجامع لكونه بين الدواء والغذاء، واحتوى على الغرض المقصود مع الإيجاز والاستقصاء".
- كان لابن البيطار أساتذة عظام في مجال علم النباتات وأبرزهم أبو العباس ابن الرومية، وعبدالله بن صالح الكتامي، وابن الحجاج الإشبيلي ومعظمهم من الأندلس، كما كان له تلامذة كثر أبرزهم: إبراهيم الدمشقي وأحمد بن القاسم بن أبي أصيبعة.
- تأثر ابن البيطار بالكثير من شروحات العلماء اليونانيين والعرب ومنهم أبقراط وجالينوس وأبي حنيفة الدينوري وابن سينا.
- قدم ابن البيطار أيضًا مساهمات ملحوظة في الطب، إذ كتب العديد من الرسائل الطبية، منها "كتاب المغني في الطب" الذي تناول موضوعات طبية مختلفة مثل علم التشريح وعلم الأمراض والعلاجات.
- حظيت أعمال ابن البيطار بتقدير كبير ودُرست على نطاق واسع خلال فترة العصور الوسطى وما بعدها، سواء في العالم الإسلامي أو في أوروبا، وبخاصة المعجم الطبي الذي وضعه للاستدلال على أسماء ومنابت النباتات والأعشاب.
- توفي ابن البيطار في دمشق عام 646 هـ -1248م، وهو في الحادية والخمسين من عمره، وذلك نتيجة تسرب السم إلى جسمه أثناء اختباره لنبتة حاول صنع دواء منها.
إن ملاحظات العالم ابن البيطار الدقيقة ومنهجه المنهجي وتوثيقه الشامل للنباتات وخصائصها الطبية جعلته أحد أبرز المراجع في مجالات علم النبات والصيدلة والطب في العالم الإسلامي في العصور الوسطى.
صنف ابن البيطار في كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" أكثر من 1400 نبات طبي مع أوصافها وخصائصها الطبية واستخداماتها.
أي مجال نبغ ابن البيطار؟
نبغ ابن البيطار في علم الأدوية والصيدلة، إذ كان عالمًا بأسماء النباتات والأعشاب الطبية، كما عُرف عنه امتلاكه لذاكرة عجيبة ساعدته في سرعة حفظ النباتات التي يقرأ عنها، وتصنيفها فيما بعد بحسب خصائصها ومكوناتها، وقد شهد له بذلك العلماء من العرب والغرب بما فيهم ماكس مايرهوف الطبيب والمستشرق الألماني المعروف الذي وصفه بالقول "إنه أعظم كاتب عربي ظهر في علم النبات". وقد كان لابن البيطار إسهاماتٌ عديدة في علم النبات والأدوية، نتناولها فيما يلي:
- حرص ابن البيطار في رحلاته على دراسة مختلف أنواع النباتات، فكان يركز على منبت كل صنف، ولا يكتفي بذلك بل يدرس التربة التي نما فيها والحجر التي تفرع منها وطبيعة الأرض ولون التراب، ومختلف العوامل المؤثرة من الحرارة والرطوبة وغيرها.
- حرص ابن البيطار على اصطحاب رسام ماهر مهمته رسم النبتة التي يراها بدقة، كي يتمكن لاحقًا من إضافة المعلومات الأخرى عليها من الخصائص والتراكيب.
- سافر ابن البيطار إلى العديد من المناطق في العالم بما فيها بلاد اليونان والروم، وبلاد فارس والعراق، والمغرب الأقصى بما فيه الجزائر وتونس، وآسيا الصغرى، وبلاد الشام ومصر، وكان يدون ملاحظاته عن جميع النباتات فيها ويجمعها حتى أصبح علامة زمانه دون منازع.
- استقر ابن البيطار فترة في مصر وحظى بمكانة رفيعة عند السلطان الأيوبي الملك الكامل، إذ جعله كبير العشابين والمسؤول عنهم، وعندما توفي السلطان وخلفه ابنه حافظ على ما قدمه الملك لابن بيطار ومنحه الكثير من الميزات والحظوات.
- صنف ابن البيطار في كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" أكثر من 1400 نبات طبي مع أوصافها وخصائصها الطبية واستخداماتها.
- مثل عمل ابن البيطار تقدمًا كبيرًا في دراسة علم النبات والصيدلة، وكان بمثابة مرجع شامل لعدة قرون، مما أثر على العلماء والصيادلة اللاحقين في جميع أنحاء العالم الإسلامي وخارجه.
- تمكن ابن البيطار من تحضر الكثير من الوصفات والأدوية الطبية من خلال استخلاص المادة الفعالة من النباتات والعقاقير.
يُعتبر ابن البيطار من أوائل العلماء الذي أسسوا لأسلوب التصنيف والتجريب عند إجراء الاختبارات الطبية
إسهامات ابن البيطار العلمية
بعد أن تعرفت على المجال الذي نبغ به العالم ابن البيطار، ففيما يلي سنتناول أبرز النتائج والإسهامات العلمية لابن البيطار، والتي ما زالت حاضرةً حتى يومنا هذا:
-
علاج مرض البهاق
استخدم ابن البيطار بذور نبات الخلة في علاج مرض البهاق، وذلك عبر خلط بذور الخلة مع عسل النحل ومنحها للمريض، ومن ثم نصحه بالتعرض للشمس حتى يتصبب عرقًا، وقد لاحظ ابن البيطار أن جلد الإنسان يتأثر بذلك الدواء إذ تظهر فقاعات على البشرة التي تحمل علامات البقع وتبدأ باكتساب اللون الطبيعي بالتدريج.
-
علم التصنيف والتجريب
يُعتبر ابن البيطار من أوائل العلماء الذي أسسوا لأسلوب التصنيف والتجريب عند إجراء الاختبارات الطبية، إذ كان يعتمد على الملاحظة ثم وضع تجربة لاختبار مجموعة من النتائج المطروحة، والتحقق منها بتغيير العوامل والظروف المحيطة بالتجربة، مما مكنه من النجاح في تحضير العديد من الأدوية والعقاقير الطبية المستخلصة من النباتات.
-
الطب العشبي
يُعتبر الطب بالأعشاب بديلًا شائعًا للعلاجات الطبية حتى اليوم، وقد كان ابن البيطار من أوائل المؤسسين لهذا العلم، إذ كان يُقدم حلًا لكافة الأمراض التي تصيب المرضى باستخدام الأعشاب العطرية والنباتات، ومنها الزعتر وإكليل الجبل والبابونج والنعناع والسماق والريحان وغيرها.
-
المستحضرات الحيوانية
لم يقتصر عمل ابن البيطار بالاعتماد على العقاقير المحضرة من النباتات، بل واستعان ببعض المستحضرات ذات الأصل الحيواني مثل الأرانب البرية، وابن عرس، وبعض الأنواع من الطيور.
-
المستحضرات المعدنية
تمكن ابن البيطار من تحضير بعض العقاقير المستخلصة من المعادن والصخور والأحجار الكريمة، إذ اكتشف أن لبعضها أثرًا علاجيًا جيدًا على صحة الإنسان، ومنها الحديد، كما أضاف ابن البيطار عشرات الأصناف من الأدوية التي لم تكن معروفة من قبل.
-
تنقيح الترجمات الخاطئة
بالإضافة إلى المؤلفات الهامة التي أخرجها وكتبها ابن البيطار، فقد كان قارئًا نهمًا ودارسًا نجيبًا لمؤلفات العلماء الآخرين، حتى أنه تمكن من تصحيح الكثير من الأخطاء الواردة في كتب أهم علماء النباتات والعقاقير، معتمدًا على الأسلوب المنهجي البحثي الدقيق في إثبات آرائه، ومن الكتب التي صححها مؤلفات الرازي وابن سينا والإدريسي، مما يبين مقدرته على التفرقة بين دقائق الأمور وتفصيلاتها في أصناف الأدوية.
يُعتبر ابن البيطار رائدًا في مجال ما يسمى بالطب البديل في يومنا هذا، إذ تمكن من وصف المئات من الأدوية والعقاقير المحضرة من الأعشاب والنباتات، مما ساعد في علاج الكثير من المرضى والمصابين، وتحضير الأدوية الكيميائية والطبية التي تُستخدم في الإجراءات الوقائية الكيماوية والكهرومغناطيسية.