يؤسس معرض باريس الدولي في دورته الحالية، لمفهوم استهلاكي يتواءم مع الشروط البيئية الحديثة. إذ اهتم المنظمون بشكل ملحوظ بالعروض الكهربائية الهجينة، والتي تعتبر "صديقة للبيئة"، وهو شعار أطلق مع بداية الألفية، متقدمًا بذلك على مفهوم الاستهلاك التقليدي الذي يزيد من الأضرار على صحة الإنسان والطبيعة معًا.
يؤسس معرض السيارات في باريس هذا العام لمفهوم استهلاكي يتواءم مع الشروط البيئية الحديثة من خلال عروض كهربائية "صديقة للبيئة"
ومع حضور أكثر من مليون زائر، زينت صالات العرض بسيارات كهربائية صديقة، إلا أن "مونديال السيارات"، شهد تألقًا لعروض عالية الأداء مزودة بمحركات بنزينية تقليدية، ومركبات ترفيهية رياضية متعددة الاستخدام.
اقرأ/ي أيضًا: حكاية الفيراري من ألِفها إلى يائِها
وتعود جذور المعرض إلى عام 1889، حين أطلقه رجل الصناعة إلبرت دي ديون، ويحاول هذا العام الترويج لثقافة تكنولوجية-استهلاكية، يمكن أن تسهم في ترسيخ ثقافة، تخفف من استخدام السيارات التقليدية، في باريس، والتي فرضت حظرًا على السيارات التي يعود إنتاجها إلى ما قبل 1997 في تموز/يوليو الماضي، ومنعت سيرها في أيام العطلات. وبحلول عام 2020، ستمنع هذه السيارات تمامًا من السير في العاصمة الفرنسية، على أن يسمح فقط للسيارات الجديدة وتلك التي يعود إنتاجها إلى عام 2011 وما فوق، رغبة في الحدّ من تلوث الهواء.
وتميز المعرض بمحاولات كل من "رينو" والذراع الأوروبية لـ"جنرال موتورز"، أي شركة "أوبل"، وكذا "دايملر-بنز"، إطلاق عروض كهربائية مميزة، ما يعكس توجّه الصانعين نحو إنتاج السيارات المزوّدة ببطاريات كهربائية في القريب المنظور. ويأتي اهتمام الصانعين بهذا التوجه "الأخضر" خصوصًا، بعد أن تراجع الاهتمام بوقود الديزل، الذي كان حتى وقت قريب مصدر الطاقة الأكثر شعبية للمحرّكات في السيارات الأوروبية، بسبب المخاوف المتعلّقة بغازات أوكسيد النيتروجين، تحديدًا تلك التي أثارتها فضيحة انبعاثات الديزل، التي عصفت بفولكس فاجن في خريف العام الماضي، ولا تزال تداعياتها ماثلة للعيان.
لذا، يتوقع المراقبون والمحللون انحسار الاهتمام أوروبيًا بوقود الديزل في الأعوام القليلة المقبلة، وذلك بعد أن خفف الزبائن والمنظمات الحكومية من أهمية هذه الفئة من الوقود بسبب الدور الذي تلعبه في تلوّث الهواء واتصاله المباشر بأمراض متعلقة بالجهاز التنفسي، بل وارتباطه الوثيق بعدد من الوفيات المبكرة.
اقرأ/ي أيضًا: عربات الجر.. مصدر رزق للسوريين في تركيا
وفي هذا السياق، أزاحت "أوبل" الستار عن النسخة Ampera-e التي تقطع مسافة تصل إلى 322 كلم قبل الحاجة إلى إعادة شحنها مجددًا. أما "فولكس فاجن"، فأطلقت نموذجها التصوري I.D. الكهربائي القادر على قطع مسافة كبيرة تتراوح ما بين 400 و600 كلم. كما تعتزم إطلاق 30 موديلًا كهربائيًا جديدًا بحلول عام 2025. وقدّمت "مرسيدس-بنز" طرازها الاختباري الكهربائي Generation EQ القادر على قطع مسافة تقدّر بـ 500 كلم قبل الحاجة إلى إعادة الشحن مجددًا. وفي الإطار عينه، أطلّت السيارة الاختبارية "رينو تريزور" ذات التصميم المستقبلي الجريء، من خلال نافذة المعرض الباريسي.
فرضت باريس حظرًا على السيارات التي يعود إنتاجها إلى ما قبل 1997 في تموز/يوليو الماضي، ومنعت سيرها في أيام العطلات
وشهد "مونديال السيارات" في دورته الحالية غياب صانعين بارزين، من ضمنهم لامبورغيني وبنتلي، إذ استعانت الأولى باستراتيجية جديدة تتعلّق بالوجود في معارض السيارات في المستقبل، شأنها شأن بنتلي، التي أعلنت أنها ستمنح اهتمامًا أكبر بالفعاليات والأحداث الأصغر حجمًا، والتي تستهدف الزبائن والمشترين بطريقة مباشرة. ولم يغِب عن المعرض لامبورغيني وبنتلي فقط، بل كل من فورد ورولزرويس وفولفو وأستون مارتن، مفضّلين الوصول إلى الزبائن عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والمدوّنات.
ولكن السؤال الأهم: هل سيكون هذا تيارًا سائدًا خلال الفترة المقبلة؟ الإجابة: من الممكن جدًا، فعوضًا عن إنفاق ملايين الدولارات في محاولة لإبهار الزبائن المحتملين في صالات العرض الباهظة الكلفة، سيتم الوصول إلى عدد أكبر من الزبائن بطريقة مباشرة على صفحات الإنستغرام أو المدوّنات أو حتى على شواطئ البحر. ولا يمكن إلقاء اللائمة على الكلفة وحدها، لكن لا بدّ من الإشارة إلى تبدّل سلوك الزبائن الذي يُعد أمرًا آخر يجب أن يدخل في الحسبان.
وعلى الرغم من الغيابات السابق ذكرها ومحاولة صانعين انتهاج سياسات تسويقية مغايرة، فإن معارض السيارات لا تزال الوسيلة الأكثر شعبية ورواجًا لاستمالة زبائن جدد. فأكثر من 815 ألف شخص زاروا معرض ديترويت مطلع العام الحالي، وهي أعلى نسبة زوار منذ عام 2003. ونجح معرض باريس خلال دورته السابقة (2014) في استقطاب 1,25 مليون زائر، ما يجعله الأكبر في صناعة السيارات، مع التذكير بأن إحصاءات هذا العام سجّلت تراجعًا في عدد الزوار مقداره 14%.
اقرأ/ي أيضًا: