بحرقة شديدة، تتحدث والدة الطفلة "نهال" للصحافيين، تتجرع دموعها: "أرجعوا لي ابنتي، أرجوكم"، في الأثناء، صمت مهيب يلف بيت عائلة "سي محند" بقرية آيت علي" ببلدية "آيت تودرت" دائرة "واسيف" بمحافظة تيزي وزو، 110 كيلومترًا شرقي العاصمة الجزائرية، أحد عشر يومًا بعد اختفاء أو اختطاف الصغيرة ذات الأربع سنوات من أمام البيت العائلي، الأيام تمر وكأنها سنوات طويلة في انتظار عودة البنت أو تبين أي جديد.
عرفت حالات اختطاف الأطفال ارتفاعًا في الجزائر حيث تم تسجيل أزيد من 200 حالة اختطاف وقتل طالت الأطفال الصغار خلال سنتي 2014 و2015
"ابنتي اختطفت"، يؤكد والد نهال، وهو الذي عاد في عطلة الصيف إلى مسقط رأسه بمنطقة القبائل الكبرى قادمًا من مدينة وهران، غربي العاصمة الجزائرية، أين يقيم. جاء رفقة أسرته الصغيرة إلى البيت الكبير لحضور حفل زفاف أحد الأقارب، لم يكن ينتظر أن يفقد ابنته الكبرى نهال فجأة ودون سابق إنذار. تنتظر الأسرة بحرقة شديدة من يدلها على الصغيرة نهال، فـ"فلذة الكبد" غابت عن الأنظار في عز النهار، وكل الفرضيات لا تزال مطروحة لكن الوالد يصر على أنه لا يملك أي عداوة مع أي شخص، كما أن كل ما قامت به الجهات الأمنية لم يجد نفعًا.
اقرأ/ي أيضًا: الأسرة الجزائرية في دوامة اختطاف البراءة
كابوس في النهار
اختفاء نهال يعيد إلى الأذهان حالات اختطاف الأطفال العديدة في الجزائر، حالات خلقت الرعب في نفوس الأسر الجزائرية وأدخلتهم في دوامة خوفًا على صغارهم، فالحالات عرفت ارتفاعًا خلال السنوات الأخيرة، فيما تعالت أصوات كثيرة تنادي بضرورة إيجاد حلول لإيقاف الظاهرة وردعها بشتى الوسائل. ذكر الإعلامي حسان زيزي لـ"ألترا صوت" أن "رجال الدرك الجزائري عثرت على رأس طفل صغير بمنطقة "آيت موهوب" بمحافظة تيزي وزو، وهو ما يرجح فكرة قتل نهال لكن التثبت يكون بعد التحاليل التي سيكشف نتيجتها المخبر الجنائي لمستشفى تيزي وزو"، مضيفًا أن "كل الفرضيات مطروحة إلى حد الآن، لكن هذه العملية أدخلت أسر المنطقة في حالة هيستيريا وخوف غير مسبوقة".
المتابع للشأن الاجتماعي والإعلامي عبد الحفيظ سجال يقول لـ"ألترا صوت" إن "تفاقم حالات الاختطاف واختفاء الأطفال في الجزائر، هو دليل على وصول المجتمع الجزائري إلى حالة خطرة تتطلب التدخل العاجل لتفعيل تشريعات وقوانين من شأنها الحد من هذه الظاهرة". ويضيف سجال أن "ورود أخبار الاختطاف في كل مرة، دليل على فشل السلطات في إيجاد حلول لهذه الظاهرة رغم صياغة قانون حول حماية الطفولة إلا أن هذا القانون تعرض لانتقادات عديدة". ويقترح المتحدث، "قرارًا سياسيًا من أجل تفعيل عقوبة الإعدام في مثل هذه الجرائم، لأنها العقوبة الرادعة لمن تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة"، حسب رأيه. ويختم سجال: "الاعتماد على الجانب الأمني فقط لا يحل الأزمة، لذلك أقترح تحسيس الأسرة والمجتمع وتفعيل دور المجتمع المدني للحد من الظاهرة".
وبخصوص العقوبات، سبق لرئيس اللجنة الجزائرية الاستشارية لحقوق الإنسان وحمايتها المحامي فاروق قسنطيني أن انتقد إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام منذ سنة 1993، داعيًا، في مقترحات سلمها لرئاسة الجمهورية، إلى "ضرورة الإبقاء على عقوبة الإعدام في حالات محددة كجرائم اختطاف وقتل الأطفال"، وهو المقترح الذي دعت إليه العديد من الفعاليات السياسية والاجتماعية والقانونية في الجزائر كرد فعل على حالات الاختطاف التي تطال الأطفال وتعنيفهم واغتصابهم.
اقرأ/ي أيضًا: فقدان الأب في الجزائر.. اليتم الأصعب
انحراف.. اغتصاب وقتل
يطالب جزء من الجزائريين بالعودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام في قضايا اختطاف الأطفال وقتلهم
قصص كثيرة أثارتها عمليات الاختطاف، سيناريوهات معقدة ومؤلمة لأيادي أزهقت أرواح البراءة، فبحسب التحقيقات فإن أزيد من 200 حالة اختطاف وقتل طالت الأطفال الصغار خلال سنتي 2014 و2015 في الجزائر. كما أكدت الأجهزة الأمنية الجزائرية أن "المختطفين يقومون بتعنيف الضحية بالضرب والتكبيل والاغتصاب ثم القتل خنقًا أو بالأسلحة البيضاء"، مشيرة إلى أن "الفاعلين يكونون عادة تحت تأثير مهلوسات ومخدرات ومن مجموعات منحرفة".
في هذا السياق، يقول الأخصائي النفسي محمد واعلي لـ"ألترا صوت": "أحذر من وصول الجريمة في الجزائر إلى مستويات عالية"، حيث ربط واعلي الجريمة بالانحراف وتعاطي المخدرات وعدم تفعيل بعض القوانين التي لا تقضي على المرض من جذوره"، على حد تعبيره. واقترح المختص وضع محاكم خاصة للمنحرفين، خاصة وأنه يتم الإفراج عنهم بعد سنتين أو ثلاثة في أغلب الأحيان دون متابعتهم نفسيًا بعد خروجهم من السجون، مشيرًا إلى أن "الدراسات تفيد بعودة 80 في المئة من المسجونين سابقًا المتورطين في تعاطي وترويج المخدرات إلى عالم الانحراف وارتكاب جرائم مرعبة فيما بعد".
اقرأ/ي أيضًا:
في العمارة الجزائرية: حياة مفخخة
الأدب البوليسي.. انتعاش الجريمة وموت المحقق