ألترا صوت - فريق التحرير
الصراع مع السلطتين الدينية والسياسية، والانشغال بإشكاليات حقوق الإنسان وتغييب الحريات ومصادرة حق الفرد في التعبير عن رأيه، بموازاة الانشغال بقضايا المرأة العربية والدفاع عن حقوقها الإنسانية والسياسية، والجدل الذي تثيره الكتابة في هذه المسائل عادةً، وما يرافقها من سجالاتٍ مختلفة، هي العناوين العريضة لحياة الكاتبة المصرية نوال السعداوي (1931 – 2021)، التي توفيت يوم أمس الأحد 21 آذار/ مارس الجاري.
الاشتباك الفعلي لنوال السعداوي مع المجتمع والسلطات الدينية والسياسية حدث بعد نشرها أواخر ستينيات القرن الفائت لكتابها الإشكالي "المرأة والجنس"
الكاتبة والناشطة النسوية المولودة في 27 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1931 في قرية كفر طلحة بمحافظة القليوبية شمال مصر، أضحت ليلة أمس حديث الناس في مواقع التواصل الاجتماعي، و"تريند" على تويتر في عددٍ من الدول العربية أيضًا، دون أن يخلو الأمر من سجالاتٍ هي امتداد لحالة انقسام المجتمع العربي، بمختلف فئاته، بين مؤيدٍ لها وناقمٍ عليها.
اقرأ/ي أيضًا: رحيل شاكر عبد الحميد.. مقتفي آثار الفن منذ أولى الكهوف إلى الشاشات
السبب هو إعادة نبأ وفاتها الجدل والسجالات حول شخصها وفكرها ومواقفها إلى بداياته، بين مؤيدين لها رأوا فيها مفكرة ساهمت في تحرير الفكر في المجتمع العربي، وناشطة أفنت حياتها في الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها، إلى جانب الانشغال بمسائل أخرى مثل غياب المساواة والحياة السياسية في العالم العربي، ومعارضين يعتبرونها صاحبة أفكارٍ وآراء لا تتوافق مع المنطق، ولا تملك الحجة والدليل أيضًا، بل إن البعض ذهب باتجاه وصفها بالمرتدة التي لكرست حياتها لمحاربة الإسلام وتعاليمه.
وعلى وقع هذا الجدل الذي لا يزال قائمًا ومستعرًا، طُويت صفحة نوال السعداوي التي بدأت رحلتها مع الكتابة في السابعة والعشرين من عمرها، حيث نشرت عام 1958 مجموعتها القصصية الأولى "تعلمت الحب"، التي بلورت فيها مواقفها تجاه المجتمع، وعبّرت من خلالها عن التزامها المبكر بقضايا وواقع المرأة العربية عمومًا، والمصرية خصوصًا، إذ أضاءت في قصصها على صراعاتها ومعاناتها لنيل حقوقها الإنسانية والسياسية.
ولكن هذه المواقف الإشكالية لن تتضح بشكلٍ جلي إلا بعد نشر السعداوي عام 1958 لكتابها "مذكرات طبيبة"، الذي جمعت فيه بين السيرة الذاتية والسرد الأدبي، ووسّعت عبره دائرة انتقادها للمجتمع والسلطتين الدينية والسياسية وطريقة تعاطيها مع المرأة، بالإضافة إلى تناولها مواضيع تُعتبر، وبحسب تعبيرها، مُحرّمة وإشكالية، مثل العذرية وختان الإناث والطلاق الشفوي.
وعلى الرغم من الجدل الكبير والواسع الذي أثاره الكتاب، والذي وصل إلى حد اتهام مؤلفته بالكفر والانحراف، إلا أن الاشتباك الفعلي والمباشر لنوال السعداوي مع المجتمع وسلطاته، حدث بعد نشرها عام 1968 لكتابها "المرأة والجنس" الذي مُنع في مصر لنحو عقدين من الزمن، وتسبب بطردها أيضًا من عملها في وزارة الصحة، ووضعها على لوائح الاغتيال بحسب تعبيرها، والسبب تناولها لجسد المرأة من زاوية الطب الذي واجهت عبره الأعراف والتقاليد السائدة حول المرأة وجسدها، لا سيما مسألتي غشاء البكارة والختان.
أعاد نبأ وفاة نوال السعداوي الجدل والسجالات حول شخصها وفكرها ومواقفها إلى بداياته، لتصير حديث الناس في مواقع التواصل الاجتماعي
الجدل الذي أثاره كتاب "المرأة والجنس"، لم يمنع الكاتبة الراحلة من مواصلة ما بدأته، إذ توالت بعده إصداراتها التي توزعت على الفكر والأدب والسيرة الذاتية، والتي دارت حول الموضوع نفسه تقريبًا، الدفاع عن المرأة وقضاياها وحقوقها الإنسانية والسياسية، دون أن يخلو أي عملٍ من أعمالها من مواقف وأفكار مثيرة للجدل، وسجالاتٍ مختلفة تجاوز صداها حدود العالم العربي، لا سيما بعد ترجمة روايتها المعنونة بـ "امرأة عند نقطة الصفر" الصادرة عام 1975، إلى أكثر من 40 لغةٍ حول العالم.
اقرأ/ي أيضًا: رحيل المغنية ميادة بسيليس.. صوت ينطفئ
وإلى جانب هذه الأعمال، قدَّمت نوال السعداوي في مسيرتها مؤلفاتٍ أخرى، منها: "الوجه العاري للمرأة العربية" (1977)، و"مذكراتي في سجن النساء" (1982)، وهو الكتاب الذي وثّقت فيه تجربة سجنها في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، و"سقوط الإمام" (1987)، و"الخيط وعين الحياة" (1988)، و"أوراق حياتي" (2000)، و"زينة" (2009)، و"المناطق المحرمة بالخوف والإثم" (2018).
ولا بد من الإشارة إلى التناقض الذي وصلت إليه الراحلة بين ما عبّرت عنه عبر مراحل مسيرتها الطويلة من جهة، وموقفها السياسي من النظام الحاكم في مصر من جهة أخرى.
اقرأ/ي أيضًا: