توقع غريغوري ستانتون، مؤسس ومدير منظمة مراقبة الإبادة الجماعية ومحاضر في جامعة ميسون في ولاية فيرجينيا الأمريكية، بأنه كانت هناك "علامات وعمليات" مبكرة للإبادة الجماعية في ولاية آسام الهندية وكشمير الهندية. وكان الخبير قد توقع في السابق بحدوث المذبحة في رواندا في العام 1994، مشيرًا إلى أن إبادة جماعية للمسلمين على وشك الحدوث، ووصفها بكونها "نهجًا مستمرًا ومتواصلًا وليست حدثًا يحصل لمرة واحدة". وقد بدأت هذه المنظمة عملها عام 2002 حين رصدت العنف المحلي في ولاية غوجارات الهندية والذي استمر لمدة ثلاثة أيام وذهب ضحيته ألف هندي مسلم بحسب عدة تقارير.
تحذيرات من إبادة جماعية
في عام 1989، قال ستانتون بأنه حذر الرئيس الرواندي آنذاك، جوفينال هابياريمانا، من أنه في حال عدم فعل شيء لمنع الإبادة الجماعية في رواندا، فستحصل الكارثة في غضون خمس سنوات". وأعقبت علامات الإنذار المبكر والإرهاصات التي حذر منها كثيرون مذبحة دموية فظيعة راح ضحيتها 800 ألف على الأقل من شعب التوتسي وغيرهم من الروانديين في عام 1994.
وعرض ستانتون دلائل للمقارنة بين سياقات متعددة للمذابح الجماعية، وأشار إلى أن السياسات التي اتبعها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لا تختلف كثيرًا عن السياسات التمييزية التي تتبعها مثلًا حكومة ميانمار في تطهير الروهينغا منذ عام 2017. ومن بين السياسات التي استشهد بها إلغاء الوضع المستقل الخاص لإقليم كشمير الخاضع للإدارة الهندية في عام 2019، والذي جرد الكشميريين من الحكم الذاتي الخاص بهم والذي تمتعوا به على مدى سبعة عقود، وكذلك تعديل قانون المواطنة في العام نفسه، والذي منح الجنسية للأقليات الدينية الآتية من بنغلاديش وأفغانستان وباكستان، ولكن مع استبعاد المسلمين القادمين من هذه الدول من هذا القانون.
اقرأ: نسخة "قوانين نورمبرغ" في الهند.. مودي يتجه لتشكيل دولة للهندوس فقط
وأشار ستانتون بالقول بأن "عقيدة هندوتفا" تتعارض مع تاريخ الهند وتنتهك قيم الدستور الهندي، بل ورأى بأن الرئيس مودي متطرف استولى على الحكومة في بلاده، مع التأكيد على ضرورة عدم السماح بحدوث المزيد من الانتهاكات في الهند، وهي تحذيرات تكررها باستمرار منظمة مراقبة الإبادة الجماعية.
يبلغ عدد سكان الهند اليوم قرابة مليار و406 مليون نسمة. يشكل الهندوس ما نسبته 80% من إجمالي السكان، فيما تتراوح نسبة المسلمين بين 14% إلى 15%، لتكون الهند بذلك ثالث أكبر دولة في عدد المسلمين في العالم بعد أندونيسيا وباكستان.
غاندي يقتل في الهند كلّ يوم ألف مرّة
في لقاء بين الرئيسين الهندي والأمريكي في البيت الأبيض بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر من العام 2021، قال الرئيس جو بايدن إن "وصايا مهاتما غاندي حول اللاعنف والاحترام والتسامح مهمة اليوم ربما أكثر من أي وقت مضى". في المقابل، وبدوره، أشار الرئيس الهندي ناريندرا مودي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الفترة ذاتها بأن"العالم يواجه خطر التفكير الرجعي والتطرف" ، مشددًا على مؤهلات بلاده الديمقراطية. ولتعزيز وجهة نظره، صاغ لقبًا جديدًا للهند، قائلًا "الهند أمّ جميع الديمقراطيات".
لكن هل فعلًا تتناسب هذه الصفات الإنسانية التي بشّر بها غاندي مع ما يحدث من جرائم بحق المسلمين في الهند؟ وهل فعلًا تعتبر الهند بلدًا من البلدان الديمقراطية في ظل ما تشهده من إقصاء اجتماعي لحوالي 200 مليون مسلم! ففي ذات الوقت الذي كان يلقي فيه مودي خطابه ومواعظه، قتلت الشرطة الهندية بدم بارد الطفل "الشيخ فريد" ويبلغ من العمر 12 عامًا مدعية بأنّه قد قتل بواسطة رصاصة طائشة.
والدة الصبي وتدعى حسينة بانو، لم تكفّ عن البكاء والأسى منذ قتل ابنها، وقد زارها الصحفيون لمعرفة تفاصيل الحادثة في إحدى القرى النائية على ضفاف نهر براهمابوترا. وكانت الشرطة قد أطلقت النار على مواطنين قرويين مسلمين كانوا يحتجون على إجبارهم على الإخلاء القسري من أراضيهم، حيث تنوي الحكومة منحها للهندوس، الذين تسميهم "السكان الأصليين"، بحسب ما أوردت صحيفة التايم البريطانية.
صرح الرئيس مودي في أحد التجمعات الانتخابية عام 2019 بالقول "يمكن التعرف على الأشخاص الذين يثيرون العنف من خلال ملابسهم". وفي بعض الأحيان، يكون الاستفزاز العنفي ببساطة من خلال المظهر الذي يشير إلى الأفراد كمسلمين (المحجبات على سبيل المثال لا الحصر)، ومع تزايد الصور النمطية التي تلصق بالمسلمين كالقول أنهم ينجبون كثيرًا بهدف التكاثر وتخطي أعدادهم عدد الهندوس في البلاد، بحسب ما أورد تقرير للصحفية الهندية عارفة جوهاري.
في ألمانيا النازية كان يطلق على اليهود صفة "الجرذان"، وشعب التوتسي في رواندا أطلق عليهم في التسعينات من القرن الماضي لقب "الصراصير"، واليوم يشير المتعصبون الهندوس في حزب بهاراتيا إلى أن المسلمين هم بمثابة "نمل أبيض" يأكلون موارد الهند الطبيعية ويحرمون الهندوس من الوظائف ومن حقهم في أرضهم، بحسب ما نقل موقع ذا برينت.
خطاب الكراهية
وأما الكاتب والناشط الحقوقي والرئيس السابق لمنظمة العفو الدولية في الهند، أعكار باتيل، فقد صرح غير مرّة بأنّه ينبغي التعامل مع التقارير الصادرة من الهند بجدية بالغة. وقال في حديث مع الجزيرة الإنجليزية: "أعتقد أن التاريخ المسجل للعنف الأهلي في الهند يظهر أمرين: إما أن الدولة تذكي وتحرض على العنف ضد المسلمين، وإما أنّها لا تفعل ما يكفي لإيقافه". وعبر باتيل عن انزعاج عالمي لدى سماع الأخبار والقصص المتكررة لوقائع العنف ضد الهنود المسلمين، دون تحريك الحكومة الهندية ساكنًا لفعل أي شيء. من أمثلة ذلك ما حصل حين إبان انتشار دعوات علنية للإبادة الجماعية ضد المسلمين أثناء أحد المهرجانات الهندوسية المتطرفة في البلاد، وهو ما أظهر بأن الهند الرسمية لا تتعامل مع تهديد إبادة طائفة من سكانها بشكل جدّي، هذا إن لم تكن تتواطأ معه بالفعل وتحرّض عليه.
هذا وتشهد العلاقات الإسلامية الهندية توترات كبيرة على خلفية إساءات بحق النبي محمد أدلى بها مسؤولون في الحكومة الهندية. فقد قدمت خمس دول عربية على الأقل، من بينها قطر والكويت، احتجاجات رسمية ضد الهند، كما ردت باكستان وأفغانستان بلهجة شديدة على التصريحات التي وصفت بالاستفزازية وغير اللائقة. وقد اكتفت الحكومة الهندية بتعليق عمل أحد الأعضاء في الحزب الحاكم على خلفية تصريحاته، وهو هارشيت سريفاستافا، الزعيم الشاب من حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي.