المعركة التي يخوضها إيلون ماسك مع الحسابات الزائفة على تويتر هي معركة شخصيّة، جدًا.
ومع ذلك فإن الموضوع القديم الجديد ما يزال محيّرًا في نظر الكثيرين من المتابعين والمعنيين بالمسألة، بعد أن قرر الملياردير الأمريكي والرئيس التنفيذي لشركة تيسلا أن يعلّق الصفقة مع تويتر، حتى تسلّمه تقريرًا واضحًا يكشف بشكل تفصيلي عن حجم مشكلة الحسابات الوهمية والآلية على المنصّة. ولطالما اشتكى إيلون ماسك على مدى السنوات الماضية من هذه الظاهرة المؤرّقة، وتساءل كثيرًا عن مدى قدرة الشركة على قياسها وإدارتها والحدّ من تأثيرها.
لطالما اشتكى إيلون ماسك على مدى السنوات الماضية من مسألة الحسابات الوهمية وتساءل عن مدى قدرة الشركة على قياسها وإدارتها والحدّ من تأثيرها
وبصرف النظر عن أهداف ماسك من إثارة المسألة والتجريس حولها، فإنه من الوضوح أن للرجل تجربة مباشرة مزعجة مع الحسابات الآلية والوهمية، لعلها تجرح كبرياءه، كيف لا وهو صاحب أحد أهم الحسابات في المنصّة، بأكثر من 95 مليون حساب. إلا أن هذا الرقم بذاته، وطبيعة نشاط ماسك على تويتر، هو أساس المشكلة لديه وهو ما يضاعف حجمها وشعوره بها، مقارنة بطبيعة الحال مع الحسابات الأخرى على تويتر، وهو ما يؤكّده العديد من الخبراء والمختصين. بل إن بعض التقديرات ترى بأن نسبة كبيرة من متابعي ماسك على تويتر هي حسابات مزعجة، أو زائفة، أو غير نشطة.
مقالات قد تهمّك في هذا الموضوع:
هل يستطيع إيلون ماسك الانسحاب من الصفقة مع تويتر؟
الغريب يصبح أغرب.. إيلون ماسك ومستقبل الصفقة مع تويتر
ما هو تكتيك حبة السم الذي لجأت إليه تويتر لمنع إيلون ماسك من الاستحواذ عليها؟
إيلون ماسك يستحوذ على تويتر.. هذه أهم 6 تغييرات سيجريها على المنصة
معضلة ماسك مع الحسابات الزائفة على تويتر
درايوس كاظمي، وهو مهندس مختص ببرمجة الحاسوب وله خبرة تمتد على مدى أكثر من عقد كامل في دراسة نشاط الحسابات الآلية والزائفة على الإنترنت، يقول إنّ حالة إيلون ماسك على تويتر متطرّفة للغاية. ويقول كاظمي، الذي يعمل أيضًا في مؤسسة "ميدان"، وهي مؤسسة تقنية غير ربحية تهدف إلى مكافحة المعلومات المضللة، بأن تجربة ماسك مختلفة جدًا بطبيعة الحال عن المستخدم العادي، كما أنّها مختلفة حتّى عن تجربة المشاهير الآخرين على تويتر.
يرى الخبراء بأن شهرة حساب ماسك ونشاطه وتفاعله مع الحسابات الكبيرة الأخرى، من مؤسسات وأفراد مؤثرين، يجعله جاذبًا لنشاط الحسابات الزائفة والآلية التي تسعى إلى نشر السبام والمحتوى المشبوه. فماسك يغرّد يوميًا تقريبًا، منذ أربع سنين على الأقل، ومعظم تغريداته أو ردوده فيها تفاعل مع حسابات رائجة أخرى، وهو ما يشجّع الحسابات الأخرى، الحقيقية أو الآلية، على الدخول على الخطّ والتفاعل والردّ عليه.
ورغم أن حسابات أخرى على تويتر تتمتّع بقاعدة متابعين ضخمة، مثل حسابات الرئيس السابق باراك أوباما، أو المغني الشاب جستين بيبر، أو حساب كريستيانو رونالدو أو غيرهم، إلا أنّها غير نشطة مثل حساب ماسك، فهؤلاء لا يغردون يوميًا، ولا حتى أسبوعيًا، وهو ما يجعل حساباتهم غير جاذبة لهذا النشاط المزعج من الحسابات الوهمية أو الآلية.
تعد الحسابات الزائفة والمزعجة ممّا عمّت به البلوى في عالم المنصّات الرقميّة اليوم، ولها انعكاسات خطيرة على القطاع وعلى الناس، بل وحتى على الدول في بعض الأحيان ومصالح الأعمال والمؤسسات التجارية. وليس من السهل تعقب هذه الحسابات ووضع اليد عليها، إذ كثيرًا ما تكون آلية، أي تديرها برامج حاسوبية قادرة على برمجة الردود والمنشورات آليًا. كما أن نسبة كبيرة من هذه الحسابات قابلة للبرمجة على نحو يقصد منه تحقيق هدف أو أهداف محددة، مثل نشر المعلومات المغلوطة أو استدراج المستخدمين والاحتيال عليهم. وللحسابات الآلية استخدامات حميدة أحيانًا، مثل نشر تحذيرات بشأن الحالة الجوية أو كارثة أو أنباء عاجلة في مكان ما. إلا أنّ هذا نادر، بل نادر جدًا.
يرى البعض أن ما يبديه إيلون ماسك من قلق بشأن قضية الحسابات الزائفة والآلية على تويتر ليست إلا إستراتيجية انتهازية لتعزيز موقفه التفاوضي مع الشركة من أجل التوصل إلى سعر جديد لصفقة الاستحواذ، أو ليترك الباب مواربًا من الناحية القانونية كي يتنصّل من الصفقة بأقل الخسائر والتبعات القانونية. إلا أن الرجل يشتكي من الحسابات الزائفة منذ سنوات على تويتر، قبل فترة طويلة ربما من تفكيره بشكل جدي بالاستحواذ على المنصّة في نيسان/أبريل الماضي، وهي الخطوة التي اتخذها على عجل، وبالتنازل عن بند "العناية الواجبة" في مثل هذه الصفقات الضخمة.
اقرأ هنا: هل يستطيع إيلون ماسك الانسحاب من الصفقة مع تويتر؟
تتباين التقديرات من خارج تويتر بشأن هذه الحسابات، وكلّها يمكن انتقادها من باب أنّها لا تملك القدرة على الوصول إلى البيانات الداخلية للشركة. إلا أنه وبغض النظر عن هذا التباين في النسب والتقديرات، فإن الخبراء يؤكدون على أنها تشكّل نسبة كبيرة من مجموع الحسابات التي تتابع إيلون ماسك تحديدًا، قد تصل إلى حوالي 70 بالمئة (حسابات زائفة وآلية وغير نشطة)، في مقابل 40 بالمئة لحسابات شبيهة يتابعها بين 65 مليون و120 مليون مستخدم، وذلك بحسب تقدير نشرته الشهر الماضي شركة "سبارك تورو" (SparkToro)، وهي شركة مختصة في برمجيات أبحاث الإنترنت.
وكلّ ذلك بسبب النشاط المكثف والفريد لإيلون ماسك على المنصّة، والذي يجذب إليه كل هذا العدد من الحسابات الزائفة أو الآلية، وهو سلوك طبيعي ومتوقّع منها أو ممّن يشغلونها.
تقول شركة تويتر إنها تكافح الحسابات الزائفة والوهمية وتحذف وتعطل ملايين الحسابات أسبوعيًا إلا أن ماسك يصرّ على أن المشكلة أكبر من ذلك بكثير
تقول شركة تويتر إنها تكافح الحسابات الزائفة والوهمية وتحذف وتعطل ملايين الحسابات أسبوعيًا. إلا أنها تصر على أن نسبة هذه الحسابات من مجموع المستخدمين النشطين لا تتجاوز 5 بالمئة، وهو ما تؤكّده الشركة باستمرار لجذب المزيد من الإعلانات وتعزيز أرباحها. لكن ماسك في المقابل متمسّك بالتشكيك بموقف إدارة تويتر، وافتراض أن النسبة أكبر من ذلك بكثير. بل إن الرجل قد وصف تويتر غير مرّة بأنها منصّة جاذبة للحسابات الآلية ومتساهلة معها، كما ألمح في الفترة الماضية إلى أنّ بعض هذه الحسابات تستخدم في نشر المعلومات الزائفة والمفبركة ضدّه شخصيًا، وهو ما يؤكّد على أنّ لدى الرجل مشكلة مع الحسابات الزائفة، على حسابه أولًا، وعلى المنصّة نفسها ثانيًا.