تعود هولندا للمشاركة في نهائيات كأس العالم بعد غيابها عن النسخة الأخيرة التي أقيمت في روسيا عام 2018، في خيبة سيُحاول منتخب "الطواحين" تعويضها بحضور مميز في مونديال قطر 2022.
تمتلك هولندا تاريخًا كبيرًا في كأس العالم، وتعتبر أفضل منتخب غير متوج باللقب، حيث بلغت النهائي في ثلاث نسخ سابقة (1974، 1978، 2010)، وخرجت في مونديالي 1998 و2014 من الدور نصف نهائي. المنتخب الهولندي سيكون حاضرا في قطر لتسجيل المشاركة الـ 11 له في كأس العالم بتشكيلة من اللاعبين القادرين على إحداث الفارق في المواعيد الكبرى، تحت قيادة مدرب خبير هو لويس فان خال.
صدارة في مجموعة صعبة
خاضت هولندا تصفيات أوروبا المؤهلة إلى كأس العالم في المجموعة السابعة، وتنافست مع خصوم أقوياء كـ تركيا التي يضم منتخبها لاعبين بارزين في أندية أوروبية كبرى، والنرويج بقيادة الهداف إيرلينغ هالاند ومارتين أوديجارد، إلى جانب منتخبات مونتينيغرو ولاتفيا وجبل طارق.
بدأ منتخب "الطواحين" التصفيات بخسارة قاسية تلقها أمام نظيره التركي على ملعب "أتاتورك الأولمبي" في إسطنبول بأربعة أهداف لاثنين، هزيمة أدخلت الشك لدى جماهير "الكرة الشاملة" في قدرة هولندا على الوصول إلى قطر شتاء 2022.
تلك المخاوف سرعان ما تبددت بانتصاريين مُتتاليين حققهما المنتخب الهولندي على لاتفيا (2-0) في العاصمة أمستردام، وعلى مضيفه منتخب جبل طارق بنتيجة عريضة (7-0)، قبل أن يعود بنقطة ثمينة من أرض أحد أبرز المنافسين على بطاقة التأهل للمونديال عندما خرج متعادلا بهدفٍ لمثله مع نظيره النرويجي في الجولة الرابعة.
بعد ذلك زادت الطواحين الهولندية سرعتها وفازت في أربع جولات مُتتالية، بدأتها برباعية نظيفة على مونتينيغرو، ثم ردت دينها أمام تركيا وغلبتها بستة أهداف لواحد، وجددت تفوقها على لاتفيا بهدفٍ دون رد، وأيضا على منتخب جبل طارق بستة أهداف مقابل لا شيء.
سلسلة الانتصارات المتتابعة جعلت هولندا تبتعد بصدارة الترتيب بفارق 4 نقاط عن تركيا، أقرب الملاحقين، والفوز في الجولة التاسعة ما قبل الأخيرة كان يعني حينها بلوغ كتيبة لويس فان خال المونديال القطري بشكل رسمي دون انتظار نتيجة المنافس المباشر، غير أن الأمور لم تسر على ما يُرام أمام مونتينيغرو التي فرضت التعادل بهدفين لمثلهما في ستاد "سيتي" وأبقت بطاقة التأهل معلقة إلى الجولة الختامية.
وصلت هولندا إلى الجولة العاشرة والأخيرة بالمركز الأول بـ 20 نقطة، وخلفها تركيا والنرويج بـ 18 نقطة لكل منهما، وأي نتيجة غير الانتصار أمام زملاء هالاند في فينورد قد تعني الفشل في بلوغ النهائيات العالمية للمرة الثانية على التوالي، خاصة وأن النرويج لديها أمل في خطف الصدارة وتركيا تواجهه خصم بالمتناول هو مونتينيغرو.
هولندا دخلت اللقاء المصيري أمام النرويج بكل قوة واستطاعت الفوز بصعوبة بهدفين نظيفين حملا توقيع، ستيفن بيرغوين في الدقيقة 84، وممفيس ديباي في الدقيقة 90+1، وحسمت التأهل إلى مونديال 2022 بعدما أكدت صدارتها للمجموعة برصيد 23 نقطة، واحتلت تركيا المركز الثاني بـ 21 نقطة وذهبت للملحق بعد تغلبها على مونتينيغرو، أما النرويج فتجمد رصيدها عند 18 نقطة وبقيت بالمركز الثالثة.
الكرة الشاملة "سيئة الحظ"
لم تنصف الكرة منتخب هولندا طوال المشاركات التي خاضها في كأس العالم، فبعد حضور أول وثاني فاشلين في مونديالي إيطاليا 1934 وفرنسا 1938، نجحت "الطواحين" في بلوغ النهائيات في ثمان نسخ قدمت في جميعها أداءً جميلًا، وعرّفت عشاق المستديرة على أسلوب "الكرة الشاملة" الذي سيطر سحره على أوروبا والعالم في سبعينيات القرن الماضي، لكن دون تحقيق إنجاز ملموس يتوج هذا الإبداع الكروي المُبتكر زمن الأسطورة يوهان كرويف.
بعد غياب 36 عامًا عادت هولندا لتتواجد في مونديال 1974، بجيل ذهبي ينشط أغلبه في الدوري الهولندي والبلجيكي، باستثناء كرويف الذي كان لاعبا في برشلونة الإسباني. المنتخب الهولندي حينها لم يُخيب الظنون به ووصل إلى المباراة النهائية بعد أن حقق 5 انتصارات مبهرة على كل من، بلغاريا، الأوروغواي، الأرجنتين، ألمانيا الشرقية، والبرازيل، وتعادل وحيد جاء في دور المجموعات الأول أمام السويد بدون أهداف.
في يوم 7 تموز/يوليو كانت هولندا تترقب تحقيق حلمها بالتتويج بالكأس الذهبية، دقيقتان فقط بعد بداية المباراة أمام المستضيفة ألمانيا الغربية في ميونخ، سجل يوهان نيسكينز هدف "الطواحين" الأول، وبدا أن المباراة ستنتهي لصالح الفريق صاحب الترشيحات الأقوى في ذاك الزمن.
كل شيء كان يسير كما هو مطلوب للهولنديين وعشاق كرتهم حتى الدقيقة 23، بول برايتنر يُدرك التعادل ويمنح الألمان الثقة لقلب التوقعات وهو ما حصل بالفعل عند الدقيقة 43، غيرد مولر هداف البطولة يُسجل الثاني لأصحاب الأرض ويُنهي حلم كرويف ورفاقه في نيل اللقب العالمي.
عقب 4 سنوات أخرى عادت هولندا لتجدد حلمها في مونديال الأرجنتين، لكن دون النجم يوهان كرويف الذي اعتذر عن المشاركة بعد تلقيه تهديدات بالخطف، في حال حط الرحال في الأرجنتين منظمة البطولة في ذاك الوقت.
غياب كرويف لم يؤثر كثيرا على أداء المنتخب الهولندي الذي تأهل إلى المباراة النهائية للمرة الثانية تواليا، وهذه المرة كانت المواجهة أمام منتخب الدولة المستضيفة أيضا، تقدمت الأرجنتين أولا في الدقيقة 38 عبر ماريو كيمبس، وفي الدقيقة 71، عادلت هولندا عبر ديك نانينغا ليذهب اللقاء إلى الأشواط الإضافية، والتي شهدت تسجيل "التانغو" هدفين حسم بهما البطولة لصالحه، وحرم جيلا كان يُنظر إليه أنه الأحق برفع الكأس التي نحتها الإيطالي سيلفيو غازانيغا.
في 1982 و1986، أخفقت هولندا في بلوغ نهائيات كأس العالم لتعود في مونديال إيطاليا 1990، ووصلت إلى دور الـ 16 الذي اصطدمت فيه بألمانية الغربية التي كرست عقدتها للمنتخب البرتقالي وأخرجته من البطولة.
وقدمت هولندا في مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية أداء جميلًا بتشكيلة رائعة يتقدمها رونالد كومان ودينيس بيركامب وريكارد وفرانك ديبور ورونالد ديبور، تحت قيادة المدرب ديك أدفوكات، لكن ومن سوء حظها واجهت البرازيل المتوجة باللقب حينها، وانهزمت منها بهدفين لثلاثة في مباراة مثيرة.
وفي فرنسا 1998 خرجت هولندا من الدور النصف النهائي على يد البرازيل أيضا بركلات الترجيح، وفي 2006 ودعت أمام البرتغال من دور الـ 16.
وكانت هولندا على موعد آخر لتحقيق الذهب بجيل مميز صنعه المدرب بيرت فان مارفيك مع لاعبين أمثال ويسلي شنايدر وآرين روبين وفان بوميل والقناص فان بيرسي، لكنّ الحظ العاثر وقف مرة أخرى في وجه الحلم الهولندي في مونديال 2010 بجنوب إفريقيا، الخصم في النهائي هو منتخب إسبانيا بأفضل فتراته على الإطلاق، تشكيلة مرعبة تضم نجوم حُفرت أسمائهم بماء الذهب على معظم الألقاب الأوروبية والعالمية على مستوى الأندية و"لاروخا" بين 2008 و2012.
قوة إسبانيا لم تمنع هولندا من تقديم نهائي كبير استغرق 116 دقيقة قبل أن يحسمه أندرياس أنيستا بهدف قاتل، منح بلاده اللقب المونديالي الأول، وكبد "الطواحين" هزيمة ثالثة في ثالث نهائي لهم في كأس العالم.
المشاركة الأخيرة لهولندا في كأس العالم كانت في مونديال البرازيل 2014، وحينها وصل لويس فان خال بالمنتخب إلى الدور نصف نهائي وخرج من البطولة بعد أن خسر بركلات الترجيح أمام الأرجنتين بقيادة ليونيل ميسي، قبل أن يظفر البرتقالي بالمركز الثالث بفوزه على المستضيف بثلاثة أهداف دون رد.
بعيدة عن الترشيحات
تدخل هولندا مونديال قطر 2022 بعيدة عن ترشيحات المتابعين والنقاد من مدربين ولاعبين ومحللين، لنيل كأس العالم والتتويج بها للمرة الأولى في تاريخها، ويرى الكثيرون أن هولندا تملك منتخبًا بأسماء كبيرة لكن ليس في جميع المراكز، وهذا ما يجعل منتخبات عدة تتفوق عليها في مسألة الفوز بالبطولة، مثل فرنسا حاملة اللقب، والبرازيل، والأرجنتين، وإسبانيا وألمانيا والبرتغال أيضا.
هولندا لديها لاعبين موهوبين مثل فرينكي دي يونغ في الوسط، وماتياس دي ليخت وفيرجيل فان دايك ودينزل دومفريس في الدفاع، وبعض اللاعبين الشباب الواعدين مثل المهاجم دونيل مالين، أسماء أثبتت جودتها العالية مع أنديتها وتشكل العمود الأساس للمنتخب، لكن ماذا عن باقي المراكز وما هي الحلول الإضافية التي قد توفرها الأسماء الاحتياطية.
مؤخرا بات المنتخب الهولندي يفتقد لعناصر مميزة في مراكز مهمة، كانت في السابق نقطة قوة بالنسبة للبرتقالي، بداية من حراسة المرمى إلى لاعبين الوسط الخلاقين والأجنحة ورأس الحربة القناص، أسماء مثل العملاق فان دير سار بين الخشبات، وصانع ألعاب مبدع مثل شنايدر ومهاري رفيع المستوى مثل روبين وهداف مثل فان بيرسي لم تعد متوفرة للمدير الفني فان خال في المونديال القادم.
بالمقابل أظهرت منتخبات أخرى تطورا كبيرا و وفرة في اللاعبين المميزين في جميع المراكز، وهذا ما يتطلبه الفوز بكأس العالم، في ظل المستويات الفنية الكبيرة التي أصبحت تقدمها فرق ومنتخبات الصفوة في العالم.
بكل تأكيد هولندا مرشحة فوق العادة لتجاوز دور المجموعات، وربما الذهاب بعيدا بالبطولة، لكن بخصوص التتويج فهناك منتخبات مفضلة بشكل أكبر لتحقيق ذلك، وهو ما أشار إليه فرانك ديبور اللاعب والمدرب السابق للمنتخب الهولندي عندما قال "المنتخب الفرنسي هو الأقرب للتويج باللقب، حيث إن لديه فريق رائع ولاعبين مميزين مثل كيليان مبابي وكريم بنزيما، ويمكن تشكيل 3 فرق قوية من لاعبي الديوك".
تبدأ هولندا نهائيات كأس العالم في المجموعة الأولى إلى جانب قطر المستضيفة، والسنغال بطلة إفريقيا، والإكوادور رابعة قارة أمريكا الجنوبية. في 21 تشرين الثاني/نوفمبر تواجه هولندا السنغال، ثم تلعب ضد الإكوادور في الـ 25 من نفس الشهر قبل أن تختتم الدور الأول بلقاء قطر بعد 4 أيام.