في بداية 2017 اعتقل كل من يوسف ونديم من قبل عناصر مسلحة بعد أن أبرحتهما ضربًا، واقتيد الشابان معصوبي العينين ومقيدي اليدين في شاحنة عسكرية إلى مرافق احتجاز غير رسمية، ليجدا نفسيهما داخل غرفة صغيرة بها سبعة رجال آخرين، أحدهم مصاب بطلق ناري في ساقه، وقد بدأت الديدان ترتع في الجرح، فيما آخر أخبرهم بأنه محتجز منذ ثمانية أشهر، ومخبرًا إياهما بأنه لا يسمح لهم هنا بالاستحمام إلا مرة كل أسبوعين، وعندما تنفد مياه الشرب، يضطر المعتقلون إلى شرب بولهم، قبل أن يخبرهما معتقل آخر بحقيقة ما ينتظرهما: "سجن لا عودة منه".
لكن لحسن حظهما لم يمضيا وقتًا طويلًا في "غرفة الموت"، وأُطلق سراحهما بعد توسط أصدقائهما وأفراد أسرتيهما، بينما بقي المعتقلون الآخرون يواجهون مصيرهم المحتوم.
تدير الإمارات شبكة سجون سرية في اليمن عبر مليشيات مسلحة محلية، تمارس تعذيبًا قاسيًا ضد المعتقلين
لم يكن ذلك مشهدًا تمثيليًا من إحدى حلقات "Prison Break" في موسمه الجديد، وإنما شهادة حقيقية ضمّنتها منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية في تقريرها الحديث، الذي يتهم مباشرة دولة الإمارات بـ"إدارة شبكة سجون سرية في اليمن من خلال قوات مسلحة محلية تمارس التعذيب في المعتقلات غير الرسمية"، كما نشرت وكالة أسوشيد بريس تقريرًا أيضًا في نفس الموضوع.
سجون إماراتية سرية في اليمن
وفقًا لتحقيق أجراه باحثو هيومن رايتس ووتش، فإن الإمارات تدعم مليشيا يمنية احتجزت بشكل تعسفي وأخفت قسريًا عشرات الأشخاص. وتُؤكد المنظمة على أنّ الإمارات تدير على الأقل مركزي احتجاز، كما يُشتبه في أنّ مسؤولي الإمارات أمروا باستمرار احتجاز أشخاص رغم صدور أوامر بإطلاق سراحهم، كما أخفوا أشخاصًا آخرين قسرًا، وبعضهم نُقل خارج البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: المعتقلون السياسيون في الإمارات.. زنزانة النسيان
ووثّقت المنظمة الحقوقية الدولية 49 حالة، بينهم أربعة أطفال، تعرضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدن وحضرموت العام الماضي، بالإضافة إلى احتجاز 38 شخص على الأقل من قبل مليشيا مسلحة محلية مدعومة من الإمارات تمويلًا وتدريبًا، مُؤكدة وجود عدد من أماكن الاحتجاز غير الرسمية في عدن وحضرموت، من بينها مرفقان اثنان على الأقل تديرهما الإمارات، بالإضافة إلى سجون سرية أخرى، على الأقل 11 سجنًا، تتكفل بها القوات المحلية المدعومة من الإمارات.
واعتمد محققو هيومن رايتس ووتش في بناء تقريرهم، على مقابلاتهم المباشرة مع أقارب وأصدقاء عدد من المحتجزين، ومعتقلين سابقين، بالإضافة إلى لقاء محامين وناشطين ومسؤولين حكوميين، كما راجعت المنظمة وثائق ومقاطع فيديو وصورًا قدمها محامون وناشطون، إضافة إلى رسائل وجهها محامون وأقارب إلى مختلف سلطات اليمن والتحالف مرتبطة باحتجاز ذويهم.
وأخبر محتجزون سابقون وأقارب لهم، أن بعض المعتقلين تعرضوا للانتهاكات والتعذيب داخل تلك السجون السرية، بالضرب المبرح بواسطة قبضات اليد أو بأعقاب الأسلحة أو بأشياء معدنية، وذكر آخرون أيضًا أن قوات الأمن تستخدم الصعق بالكهرباء والتجريد من الملابس وتنهال بالضرب على أخمص القدمين (الفلقة)، كما تهدد المحتجزين باستهداف أقاربهم.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش إنه "لا يمكن محاربة جماعات متطرفة مثل القاعدة وداعش بنجاح عبر إخفاء عشرات الشبان والاستمرار في زيادة عدد الأسر التي تفقد أقارب لها في اليمن"، مخاطبة الإمارات وشركائها بأن عليها التركيز على حماية حقوق المحتجزين في حملاتها الأمنية إن كان يهمها استقرار اليمن على المدى الطويل.
عجرفة إماراتية وتنصل من المسؤولية
راسلت هيومن رايتس ووتش مسؤولي الإمارات بخصوص تورطها في انتھاكات قوانین الحرب في الیمن، ولا سیّما فیما یتعلق بالاعتقالات التعسفیة، إلا أن أبوظبي ردت على الاتهامات، من خلال بيان خارجيتها، بمزيد من المزايدة على الحقائق الموثقة واتهام التقارير الدولية بأنها مسيسة.
تدخل الولايات المتحدة على خط القضية باتهامات موجهة ضد قوات أمريكية بضلوعها في انتهاكات وعمليات تعذيب باليمن
وبلغ الأمر إلى دخول مجلس الشيوخ الأمريكي على خط القضية، حيث تقدمت لجنة الخدمات المسلحة التابعة للبنتاغون في المجلس بطلب لوزير الدفاع، جيم ماتيس، بالتحقيق في اتهامات بشأن تورط قوات أمريكية في عمليات التعذيب باليمن.
اقرأ/ي أيضًا: كيف سقط اليمن من أجندة التعاطف العالمي؟
وكانت وكالة أسوشيتد برس قد نشرت تقريرًا، جاء فيه أن "نحو ألفي رجل اختفوا في شبكة سجون سرية في اليمن، تديرها الإمارات العربية المتحدة أو قوات يمنية دربتها الدولة الخليجية وأنهم تعرضوا لانتهاكات وتعذيب"، مشيرًا إلى احتمال مشاركة قوات أمريكية في استجواب المعتقلين، أو على الأقل أن القادة كانوا على علم بمزاعم السجون السرية.
من جهتها أعلنت الحكومة اليمنية قبل نحو يومين، تشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في اتهامات انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق اليمنية الجنوبية بتوجيهات من الرئيس عبدربه منصور هادي، حيث سترفع اللجنة التقرير إلى رئيس الوزراء خلال 15 يومًا، تُورد فيه نتائجها في التحقق الاتهامات المذكورة، وتقترح الردود الممكنة على تلك الاتهامات، مع وضع آلية لمعالجة وحل أي إشكالات مستقبلية بهذا الخصوص.
وفي هذا الصدد دعت منظمة العفو الدولية، الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق شامل فيما يخص دور الإمارات وأطراف أُخرى في إنشاء شبكة سجون سرية تشهد داخلها انتهاكات حقوقية، كما طالبت بالتحقيق في الاتهامات الخاصة بمشاركة قوات أمريكية في استجواب المعتقلين أو حصولها على معلومات باستخدام القوة، مناشدة الولايات المتحدة والدول الأوروبية بوقف نقل السلاح إلى الإمارات في ضوء الاحتمال الكبير في دورها في انتهاكات صارخة للقانون الدولي.
الحزام الأمني والنخبة الحضرمية.. ذراعي الإمارات في اليمن
وفقًا للتحقيقات فإنّ كلًا من مليشيا "الحزام الأمني" و"النخبة الحضرمية"، تمثل ذراعين للإمارات في اليمن، تحقق من خلالهما أجندتها السياسية والعسكرية، وكلا المليشيتين متهمتين باستخدام العنف في الاعتقالات والمداهمات، فضلًا عن تورطهما في الاحتجاز التعسفي لشيوخ وشبّان وحتى أطفال، وكلاهما أيضًا يديران سجونًا سريّة بدعم إماراتي مفتوح ماديًا ولوجيستيًا.
ومليشيا الحزام الأمني هي مجموعة مسلحة تأسست في 2016، يُفترض بها رسميًا تبعيتها لوزارة الداخلية اليمنية، لكنّها مسيرة بشكل كامل من الإمارات، وذلك وفقًا لتحقيقات وتقارير من بينها تقرير لفريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، والذي خلص إلى أنّ هذه المليشيا "تعمل خارج سلطة الحكومة اليمنية بشكل كبير".
لدى الإمارات أجندتها الخاصة في اليمن والتي تتعارض واتجاه سير الحكومة الشرعية بشكل صريح
وكذراع ثان، أنشأت الإمارات مليشيا النخبة الحضرمية تحت زعم محاربة تنظيم القاعدة. ورسميًا يُفترض بهذه المليشيا تبعيتها للجيش اليمني، إلا أنّ التحقيقات تُؤكد على أنّ للإمارات اليد الطولى في التحكم بها، سواءً بصرفها رواتب عناصرها، أو بإمدادها المستمر بالسلاح والتدريب، وأيضًا التوجيه.
اقرأ/ي أيضًا: حرب الإمارات ضد الشرعية اليمنية
بهذا فإنّ أبوظبي تستخدم هاتين القوتين -على الأقل- لتنفيذ أجندة لها أهداف سياسية واقتصادية متفرّدة، بعيدًا عن ساحة الحكومة الشرعية والتحالف العربي الذي بدأ حربه في اليمن منذ آذار/مارس 2015، وقد يتضح ذلك بشكل جلي من تحركاتها الداعمة لانفصال الجنوب، بل إنّ تضارب الأجندة الإماراتية مع اتجاه سير الحكومة الشرعية وصل إلى حد أنّه في شباط/فبراير الماضي مُنع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من الهبوط في مطار عدن من قبل قوات حماية المطار الموالية للإمارات، الأمر الذي تطور إلى اشتباكات بين ألوية الحماية الرئاسية وقوات الحزام الأمني للسيطرة على المطار، وساندت المروحيات الإماراتية حلفاءها في الحزام الأمني بقصف مواقع للحماية الرئاسية.
اقرأ/ي أيضًا:
#أخرجوا_الإمارات_من_اليمن.. كفى تعذيبًا لشباب "اليمن الحزين"
أبوظبي والرياض في اليمن.. تغطية الفشل والصراع الخفي عبر اتهام الدوحة