اعترفت جماهير كرة القدم الألمانيّة كافّة بسيادة بايرن ميونيخ على اللعبة، فهو الفريق الذي أحرز لقب الدوري المحلّي 28 مرّة، وهو ما يعادل أكثر من 3 أضعاف الذي حقّقه فريق نورنبيرغ صاحب المركز الثاني بعدد مرّات حمل اللقب. ولكن هنالك ناد واحد استطاع أن يتفرّد بإنجاز تاريخي تفوّق به على العملاق البافاري، وهو نادي هامبورغ، حيث تفاخرت جماهيره كون فريقها الوحيد في البوندسليغا الذي لم يهبط إلى دوري الدرجة الثانية، فوضع على ملعبه ساعة ضخمة توضح المدّة التي يلعب بها النادي في البوندسليغا، قبل أن يهبط الفريق إلى دوري الدرجة الثانية للمرّة الأولى في تاريخه منذ بدء البوندسليغا، وتتوقف ساعته الشهيرة بحصيلة 54 عاماً، و261 يوماً، و 36 دقيقة، و5 ثوان.
يضمّ البوندسليغا 18 فريقاً يهبط منهم صاحبا المركزين 17-18 إلى دوري الدرجة الثانية، فيما يلعب صاحب المركز السادس عشر مباراتين فاصلتين مع صاحب المركز الثالث من دوري الدرجة الثانية، فيما يسمّى بمرحلة تفادي الهبوط، ومع تأكّد هبوط نادي كولن إلى الدرجة الثانية كان التنافس شديداً بين فولفسبورغ وهامبورغ من أجل الظفر بالمركز السادس عشر، كونه السبيل الوحيد المُنجي ولو مؤقّتاً من مستنقع الدرجة الثانية.
رئيس الاتحاد الألماني السابق لكرة القدم: لم تكن كرة القدم في ألمانيا موجودة لولا وجود هامبورغ.
دخل لاعبو هامبورغ مباراتهم الأخيرة في الدوري الألماني على ملعبهم كأنّهم يُساقون إلى المقصلة، إذ احتشد أكثر من 55 ألف متفرّج ينتظرون فوز فريقهم على مونشنغلادباخ، مقابل خسارة المنافس فولفسبورغ أمام كولن ورغم فوز أصحاب الأرض الصعب2-1، إلا أنّ الخيبة أبت أن تزيح ظلالها عن هذه الجماهير الغاضبة، فكولن لم يقوَ على الصمود أمام طوفان فولفسبورغ الذي انتصر 4-1، وهنا تأكّد الهبوط التاريخي لهامبورغ، فانهمرت دموع أغلب المشجّعين على المدرّجات، وأفرغ بعضهم شحناته وغضبه على أرضيّة الملعب التي رموها بالمفرقعات النّارية قبل نهاية المباراة بلحظات، عندها تدخّل رجال الأمن في محاولة لاحتواء الحرائق التي أشعلت أرض الملعب.
اقرأ/ي أيضًا: المغرب في كأس العالم 1986.. إبهار نادر بإنجاز لم يتكرّر بعد
يعتبر هامبورغ أحد أقدم الأندية في تاريخ ألمانيا، إذ تأسّس عام 1887، ويعود له الفضل الكبير على ألمانيا، حيث قدّم للمانشافت أبرز اللاعبين في عصره الذهبي، مثل أوفه زيلر وفرانز بيكنباور وأولي شتاين وفيليكس ماغاث، وفاز بالدوري الألماني 6 مرّات، ناهيك عن ظفره بلقب دوري أبطال أوروبا في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كسر سيطرة إنجلترا على كأس البطولة التي استمرّت 6 سنوات على التوالي، إضافة إلى رفعه كأس الاتحاد الأوروبي 1977، يقول رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم السابق فولفجانج نيرسباخ " لم تكن كرة القدم في ألمانيا موجودة دون وجود هامبورغ".
كان هبوط هامبورغ إلى الدرجة الثانية حتميّاً، ونجا الفريق من ذلك بأعجوبة أكثر من مرّة
لم يشكّل هبوط هامبورغ إلى الدرجة الثانية أي مفاجأة بالنسبة للكثيرين، فالنزول إلى الدرجة الثانية هو نتيجة طبيعيّة لمقاومة استمرّت 5 سنوات، وفي كلّ مرّة منها كانت الأقدار تتدخل في الوقت المناسب، أو يصحو الفريق في المراحل الأخيرة من البوندسليغا، ولكن هذه المرّة "لم تسلم الجرّة".
ففي الموسم السابق 2016-2017 نجا هامبورغ من دوّامة اللعب في دوري تفادي الهبوط بفارق نقطة واحدة فقط عن ماينز وفولفسبورغ، وفي الموسم الذي قبله 2015-2016 أنقذ الفريق صحوته المتأخّرة فنجا من الهبوط بفارق 5 نقاط فقط عن آينتراخت فرانكفورت. وتدخّلت الأقدار بقوّة في موسم 2014-2015، حيث خاض هامبورغ دوري تفادي الهبوط أمام كارلسروه وتعادل في ميدانه 1-1، وفي لقاء الإياب تقدّم كارلسروه في النتيجة قبل أن يعدّل هامبورغ الكفّة في الوقت بدل الضائع، ويخوض وقتين إضافيين استطاع بهما أن يسجّل هدفاً في الدقيقة 115، وفي الدقيقة 120 سنحت لكارلسروه فرصة التعديل عبر ركلة جزاء، لكنّها ضاعت وأبقت هامبورغ في البوندسليغا. كذلك في الموسم الذي قبله 2013-2014 خاض هامبورغ دوري تفادي الهبوط أمام فيورث، فتعادل في ميدانه 0-0، وتعادل في أرض فيورث 1-1، وبقي بذلك في دوري الدرجة الأولى مستفيداً من أفضلية التسجيل في أرض الخصم، وبذلك نجا هامبورغ بأعجوبة من الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية في المواسم الأربعة الماضية.
اقرأ/ي أيضًا: مايكل بالاك ولعنة الرقم 13
إذن سيُعاد ضبط الساعة المعلّقة على ملعب هامبورغ، وسيكافح هذا النادي العريق في دوري الدرجة الثانية بالموسم القادم من أجل الصعود إلى البوندسليغا في الموسم الذي يليه، وسيكتب لاعبوه تاريخاً جديداً، وستعيد الساعة عملها من جديد، ولكن هذه المرّة من الرقم "صفر"، حيث صرّح الرئيس التنفيذي للنادي فرانك فيتشتين أنه سيعمل من الآن للتحضير للموسم القادم، بُغية التأهّل لدوري الدرجة الأولى في أسرع وقت ممكن. وهذه العقليّة ليست بغريبة عن الألمان الذين ظفروا بكأس العالم عام 1954 فيما يسمّى بمعجزة بيرن، رغم مرور 7 سنوات فقط على نهاية الحرب العالمية الثانية التي دمّرت بلادهم وقضت على الملايين من رجالهم، كذلك تمرّس الألمان في التعلّم من أخطائهم بعد ذلك، إذ عَمد الاتحاد الألماني لكرة القدم على تأسيس دوري البوندسليغا إثر خروج فريقهم من دور الثمانية أمام يوغوسلافيا في كأس العالم 1962، وذلك من أجل تكوين بطولة محلّية قويّة تنتج فريقاً وطنيّاً ينافس على أقوى البطولات في العالم، وهو ما تحقق بالفعل، فمنذ تأسيس البوندسليغا عام 1962 فازت ألمانيا بكأس العالم 3 مرّات، وبكأس أمم أوروبا 3 مرّات.
اقرأ/ي أيضًا: