لا أصل للشطرنج، فاللعبة المعقّدة كالحياة، كما وصفها هارون الرشيد، ظهرت في كل من الحضارات الصينية والهندية والفارسية. وفي الوقت الذي تشير القصص التاريخية إلى أن وزير الملك الهندي صه بن داهر هو من قام باختراع اللعبة لتسلية الملك، ظهرت أقرب الأدلة إلى وجود الشطرنج في سنة 600 ميلادية في بلاد الفرس. أما التعديلات الحديثة على اللعبة فكانت في كل من إسبانيا وإيطاليا حيث حصلت بعض قطع على خصائص جديدة كتحرك الجندي خطوتين في أول حركة وتطوير حركات كل من الفيل والوزير. وفي منتصف القرن التاسع عشر تم تحديد قانون يفرض أن اللون الأبيض يبدأ باللعب، فيما أُدخل قانون حماية الملك بالقلعة في نهاية القرن 19 لتظهر الشطرنج في صيغتها الحالية.
لعبة الشطرنج التي لم تدخل إلى الاولمبياد لأنها تعتبر لعبة فكرية بحتة وليس رياضة، اعتمدت على عقل وذكاء الانسان منذ اختراعها، والذكاء الانساني لا يستطيع احتساب مئات الملايين من الاحتمالات التي تستوجبها كل حركة على الرقعة، وبالتالي فإن أي إنسان لن يكون قادرًا مهما بلغ ذكاؤه على تحديد الخطوة الصحيحة المقبلة بدقة. أمام هذا الواقع المحدود لعقل الانسان بدأ آلان توريننغ بمحاولة كتابة أول برنامج للعبة شطرنج كاملة على الورق ونشره سنة 1951، وبعدها بمدة 11 سنة قام "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" بنشر برنامج "كوتوك-مكارثي" وهو أول برنامج شطرنج يلعب بطريقة صحيحة بالكامل، إلا أن هذا البرنامج هُزم في مباراة امتدت لـ 9 أشهر بين العامين 1966 و1967 في أول مباراة شطرنج بين برنامجي كمبيوتر وذلك في مواجهة برنامج معهد موسكو للفيزياء النظرية والتجريبية، وبعدها بعام أعلن لاعب الشطرنج الماستر البريطاني ديفيد ليفي تحديًا لهزيمة أي برنامج شطرنج خلال العشر سنوات الآتية.
اتهم الماستر الروسي الكمبيوتر بأنه يعرف حركاته مسبقًا
مع بداية السبعينيات، شهدت برامج الشطرنج تطورًا ملحوظًا وأقيمت أول بطولة في شمال أمريكا بين برامج الشطرنج، وفي سنة 1977 كان "Chess 4.6" أول برنامج شطرنج يفوز ببضع مباريات في بطولة عالمية. لكن النسخة المطوّرة منه أي "Chess 4.7" فشلت في إسقاط تحدي ليفي الذي نجح بتحقيق الفوز عليه في عام 1978. واستمر تطور برامج الشطرنج من دون أن يستطيع هزيمة الانسان حيث نجح في عام 1989 بطل العالم غاري كاسباروف بالفوز على برنامج "deep tought" لمرتين لتقوم بعدها شركة IBM بشراء البرنامج وتشكيل مجموعة من المبرمجين تقودها المجموعة الأساسية التي قامت ببرمجة "Deep tought". ذلك بهدف الوصول إلى برنامج قادر على هزيمة كاسباروف، فكان برنامج "Deep Blue" حاضرًا لمواجهة جديدة في عام 1997.
خاض كاسباروف ـ المعروف بمعارضته للنظام القائم في روسيا ــ 6 مباريات في مواجهة "Deep blue"، ونجح بالفوز في أول مباراة وذلك بعد 45 خطوة، أما في المباراة الثانية فقد توقف كاسباروف عن اللعب متهمًا الآلة بأنها تعلم مسبقًا حركاته المقبلة، وذلك حين انقلبت المباراة بعد أن كانت تتجه لفوز كاسباروف لتنتهي بفوز "Deep blue". في الوقت الذي كان يمكن للماستر الروسي خطف التعادل بحركة من وزيره. بعدها نجح كاسباروف بالتعادل في المباراة الثالثة ليتعرض بعدها لهزيمتين متتاليتين. أما المباراة السادسة والحاسمة فخسر فيها كاسباروف في 20 خطوة وحسب، ليكون آخر إنسان نجح في هزيمة برنامج شطرنج حيث أعلن في 11 أيار/مايو 1997 أن "الآلة تلعب بعض الخطوات بكثير من العمق، تلعب كأنها الله".
فازم برنامج Deep Fritz على بطل العالم الجديد الروسي فلاديمير كرامينك
وصلت تكنولوجيا شطرنج الكمبيوتر اليوم إلى أعلى قمتها، فتوقع مستقبل أكثر إشراقًا لهذه اللعبة تكنولوجيًا بات ضربًا من الخيال، خاصةً بعد أن فاز برنامج "Deep Fritz" على بطل العالم الذي هزم غاري كاسباروف، وهو الروسي فلاديمير كرامنيك، حيث تم القضاء على إمكانية تفوق الإنسان على الآلة في الشطرنج.