29-مايو-2024
عابد سلامة وابنه ميلاد

عابد سلامة وابنه ميلاد

أصدرت "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت، حديثًا، كتاب "يوم في حياة عابد سلامة: تحليل فاجعة مقدسية" للكاتب الأميركي المقيم في مدينة القدس المحتلة نيثن ثرال، ترجمة محمد جياد الأزرقي.

يقع الكتاب في خمسة أقسام ضمّت 24 فصلًا ومقدمة وخاتمة، ويكشف جوانب عديدة من معاناة الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية المحتلتين، حيث يتعرضون للظلم والتمييز العنصري والإهانات. ويسلط الضوء على هيمنة الاحتلال على حياتهم اليومية والتحكم بها من خلال قوانين وأنظمة تقيّد حركتهم وتحد منها.

ويتحدث الكتاب عن الأساليب والسياسات التي يتبعها الاحتلال للحد من حرية وحركة الفلسطينيين، من خلال استخدام تكنولوجيات الانضباط والسيطرة، ومصادرة الأراضي ومصادر مياه الشرب والسقي، ووضع حواجز التفتيش، وفرض منع التجول، وبناء جدار الفصل العنصري، والطرق السريعة المخصصة لليهود فقط. فالكتاب يروي مأساة لم تكن لتحصل لولا سياسات الفصل العنصري المتبعة في القدس والضفة الغربية.

تعرّض الكتاب لهجوم حاد من قِبل مؤيدي "إسرائيل" بسبب موقف مؤلفه المتضامن مع فلسطين، ومضمون الكتاب نفسه الذي يفضح "إسرائيل" وسياساتها العنصرية

يحكي الكتاب حكاية الفلسطيني عابد سلامة أثناء بحثه عن ابنه "ميلاد"، البالغ من العمر 5 سنوات، بعد حادث اصطدام حافلة مدرسية بشاحنة بالقرب من القدس. وبهدف الإحاطة بظروف الحادثة وأسبابها المباشرة وغير المباشرة، يعود نيثن ثرال إلى الماضي للإضاءة على حياة عابد وعائلته وشخصيات أخرى على علاقة بالحادث، وتتشارك جميعها معاناة تغلغل الاحتلال في مختلف جوانب حياتها اليومية، وأشدها بساطة.

تملك كل شخصية من شخصيات الكتاب مأساة ما مع الاحتلال تتشكل بفعلها، مجتمعةً، صورة واسعة لمعاناة الفلسطينيين وواقعهم المأساوي في الأراضي المحتلة. فعابد الذي هرع إلى مكان الحادثة فور علمه بوقوعها، ولم يجد عند وصوله إلا حافلة متفحمة، كان عليه أن يواجه في رحلته الطويلة والملحمية للبحث عن ابنه ميلاد نقاط التفتيش الإسرائيلية، والمتاهات البيروقراطية، وعدم مبالاة مؤسسات الاحتلال بحياة الفلسطينيين، وعداء اليهود المستتر تجاههم.

وتتحوّل بطاقة هوية عابد الفلسطينية الخضراء إلى عائق في بحثه عن ابنه، إذ تمنعه من دخول أماكن عديدة في الأراضي المحتلة. وفي ضوء الشائعات الكثيرة والمتضاربة حول حياة الأطفال وأماكن وجودهم، يخوض عابد رحلة يائسة من مكان إلى آخر للوصول إلى الحقيقة ومعرفة مصير ابنه.  

وجمع ثرال في هذه الحكاية، غير المتخيّلة، بين مشاهد متعلقة بالحادثة المأساوية نفسها وأخرى مرتبطة بسياقات تاريخية. وأوضح، عبرهما، كيف تقيّد الحدود المادية والقانونية حياة الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة.

نُشر الكتاب باللغة الإنجليزية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2023، وكان ضمن قوائم كبرى والصحف والمجلات لأفضل الأعمال غير الخيالية الصادرة في عام 2023، بما في ذلك مجلتي "تايم" و"ذا نيويوركر".

يوم في حياة عابد سلامة

وتعرّض الكتاب لهجوم حاد من قِبل مؤيدي "إسرائيل" بسبب موقف مؤلفه المتضامن مع فلسطين والفلسطينيين من جهة، ومضمون الكتاب نفسه الذي يفضح "إسرائيل" وسياساتها العنصرية من جهة أخرى. كما ألغت عدة وسائل إعلام أميركية وأوروبية بينها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" والإذاعة الوطنية الأميركية "إن بي آر"، فعاليات مخصصة للترويج للكتاب بسبب تضامن مؤلفه مع قطاع غزة وتنديده بالعدوان المستمر عليه منذ 236 يومًا.

وقال ثرال إن هذه الخطوة تعبّر عن تحيز واضح لدولة الاحتلال، مؤكدًا أن ذلك لم يكن ليحدث لو أن كتابه يدعم "إسرائيل"، وأن هناك: "مناخ غير متسامح على الإطلاق مع أي تعبير عن التعاطف مع الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال".

وتعليقًا على هذه الخطوة، قالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، إن الدور الذي تلعبه بعض وسائل الإعلام والمؤسسات في هذه الأوقات العصيبة أمر مقلق، لافتةً إلى أن التحيز والتعصب الذي يسيطر على الأجواء العامة يذكّران بصورة مأساوية بما أعقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 في أميركا.