لا تشغل القضية الفلسطينية اهتمام المواطن العربيّ وحسب، بل لطالما كانت القضية الرئيسية عند الشعوب العربية، وذلك على الرغم من الخطاب التطبيعي الذي تنتهجه عدد من الدول العربية، وهذا ما أكّده أيضًا "المؤشّر العربيّ 2017/2018" الصادر مؤخرًا عن "المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات".
فلسطين أسّ الصراعات في العالم العربي، وربما في المشرق، ولا يمكننا اليوم فهم ما يحدث من حولنا دون العودة إلى قراءة معمّقة في تراث وأدبيات وأحداث القضية الفلسطينية.
هنا إطلالة على 5 من الكتب الأساسية التي تناولت القضية ومأساتها، تجدر الإشارة أنّ أربعةً من هذه الكتب صدرت عن منشورات "مؤسسة الدارسات الفلسطينية" المؤسسة العلمية الوطنية التي تمثّل إنجازًا كبيرًا في مجال أبحاث القضية الفلسطينية، وتثبيت أركان الرواية الوطنية الجامعة، كما أنها تكمل مسيرة التجارب الفلسطينية المضيئة.
1 – النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود
ألّف المؤرّخ عارف العارف كتابه "النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود" في الفترة الممتدّة بين عامي 1947 و1952، أي منذ صدور قرار الجمعية العامّة للأمم المتّحدة بتقسيم فلسطين، وحتّى ما بعد النكبة. الكتاب الذي تكوّن من ستّة أجزاء، صدرت طبعته الأولى بين عامي 1951 و1961 عن (المطبعة العصرية) في صيدا. وأعادت مؤسّسة الدراسات الفلسطينية إصداره في طبعة ثالثة تكوّنت من ثلاثة مجلّدات في عام 2013.
تجيء أهمّية كتاب عارف العارف في كونه وثّق المرحلة التي سبقت وتلت النكبة، مستندًا في ذلك إلى معايشته الشخصية لأحداثها وتحوّلاتها. إذ دوّن بشكلٍ يوميّ ما كانت تراه عيناه من وقائع وحوادث، مُشيرًا في الوقت نفسه إلى الأسباب التي كانت تقف خلف وقوعها، بالإضافة إلى استعانته بآخرين في توثيق ما يجري في القرى والمدن البعيدة. وعلى هذا النحو، نجد في هذا الكتاب المرجعي سردًا مفصلًا للمعارك التي كانت تجري بين القوات الصهيونية وجيوش الإنقاذ العربية، التي أكّد العارف أنّ فشلها جاء نتيجة سوء التقديرات السياسيّة للحكومات العربية آنذاك، وعدم مدّها بما كانت تحتاجه عسكريًا. ناهيك عن العمليات الفردية التي شنّها الفلسطينيون ضدّ الصهاينة والبريطانيين معًا وحصار عصابات الهاغانا للمدن والقرى الفلسطينية قبل اجتياحها وذبحها وتهجيرها لسكّانها. كما قدّم عارف العارف نبذة عن قادة المعارك آنذاك، وفرد مساحاتٍ واسعة لتدوين أسماء الشهداء الفلسطينيين والعرب.
يُحسب للعارف أيضًا تدعيمه لكتابه هذا بالأماكن والسماء والأرقام والإحصائيات، وتوثيقه أيضًا لأسماء بعض المتطوعين العرب في جيوش الإنقاذ، وإحصائه لكميّات السلاح الذي كان في حوزتهم آنذاك.
في تقديمه للكتاب، قال العارف إنّه "من واجبنا أن ندوّن الحوادث التي حدثت كما حدثت. وأن نذكرها كما هي قبل أن ينسج الدهر عليها خيوط النسيان".
2- الموسوعة الفلسطينية
جاءت "الموسوعة الفلسطينية" (أصدرتها "هيئة الموسوعة الفلسطينية" سنة 1984) في أحد عشر مجلّدًا، ضمّت دراسات وبحوثًا لما يزيد عن أكثر من مئتي باحث عربيّ.
الموسوعة التي ظهرت بدايةً كفكرة في سنة 1973، وجاءت نتيجة تعاون مشترك بين منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، وبين والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من جهة ثانية؛ تناولت في متنها فلسطين من جوانب وزوايا مختلفة ومتعدّدة، إذ تناولتها بدايةً تاريخيًا، مُفصِّلةً دورها في مسيرة الحضارة البشرية التي قدّمت لها الكثير. فتعود في بعض دراساتها وبحوثها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وطبيعة الحياة في فلسطين آنذاك، مرورًا بالغزوات المختلفة وآثارها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية على الشعب الفلسطينيّ، يتلوها الفتوحات الإسلامية التي طوت مرحلة تاريخية ومهّدت لأخرى، عدا عن أنّها أيضًا أدخلت البلاد في أنماط حياة جديدة ومختلفة عن سابقها. وهكذا وصولًا إلى عهد الانتداب البريطاني الذي تلته النكبة، وما تلاها أيضًا من أحداث وتحوّلات جذرية.
في ظلّ سعي القائمين على هذا المشروع في تكوين صورة عن فلسطين في مخيّلة القارئ، تناولت الدراسات والأبحاث جغرافيا هذا البلد، تضاريسه وموقعه، والأوضاع الديموغرافية لشعبه الذي فرد له الباحثون مساحاتٍ واسعة لتناول تركيبته الاجتماعية. وعلى الجانب الأخر، تناولت هذه الدراسات الحياة الأدبية والثقافية في فلسطين، إذ فرد المساهمون حيزًا للحديث عن الأجناس الأدبية المختلفة في فلسطين، كالشعر والقصّة والمسرح والصحافة. لتتلوها فصول خُصّصت للقضية الفلسطينية وحركاتها النضالية والتحررية بعد النكبة، وأبعاد هذه القضية دوليًا، والكيفية التي تعاملت بها دول العالم معها. وجاءت الموسوعة مدعّمة بأقسام خاصّة بالصور والخرائط والإحصائيات المختلفة.
3- كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمّرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائها
صدر كتاب "كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمّرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائها" للمؤرخ الفلسطينيّ وليد الخالدي سنة 1992 للمرّة الأولى باللغة الإنجليزية، لتنقلها "مؤسّسة الدراسات الفلسطينية" إلى العربية سنة 1997، ويتحوّل هذا الكتاب الذي جاء بعد سنواتٍ طويلة من البحث إلى كتاب مرجعيّ وركيزة أساسيّة في الاطّلاع على الممارسات الصهيونية وعمليات التطهير العرقي الذي قادتها هذه العصابات. وذلك لما قدّمه الخالدي من توصيف دقيق وتفصيليّ لـ 418 قرية فلسطينية دمّرتها العصابات الصهيونية تمهيدًا لتهجير سكّانها.
يرصد الكتاب بدقّة وعمق مصائر تلك القرى وبشرها قبل التدمير وبعده، مُفصِّلًا الظروف التي فرضتها القوّات الصهيونية على هؤلاء البشر إزاء احتلالها لتلك القرى، ومستندًا في ذلك إلى بياناتٍ إحصائية وخرائط وصور وغيرها من الملاحق.
ويشير الكتاب إلى أنّ عدد القرى التي نجت من التدمير أو لحقها أضرار خفيفة لا تتجاوز عشرات القرى، بينما تعرّضت البقية منها إلى تدمير تام ونهائيّ أزال معالمها وما يدلّ على سكّانها الأصليين الذين نزح منهم ما يقارب 390 ألفًا إلى ريفيّ الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة. وبذلك، بلغ عدد اللاجئين بفعل المعارك والتهجير ما يقارب 54% من السكّان العرب الفلسطينيين في عهد الانتداب. بينما بلغت مساحات الأراضي المصادرة والمسروقة 6 ملايين دونم تقريبًا.
وما يميّز كتاب "كي لا ننسى"، إضافةً إلى ما سبق، هو تدوينه لأسماء 950 شهيدًا وجريحًا سقطوا دفاعًا هن هذه القرى.
4- طرد الفلسطينيين: مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين 1882-1948
"طرد الفلسطينيين: مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين 1882-1948" كتاب للباحث الفلسطينيّ نور الدين مصالحة، صدر عن "مؤسّسة الدراسات الفلسطينية" سنة 1999.
ينهض الكتاب على فكرة أنّ الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتهجير السكّان الفلسطينيين الأصليين كان هدفًا للحركة الصهيونية منذ تأسيسها، وكانت فكرةً قائمة في عهد الانتداب البريطانيّ، ذلك أنّ فكرة ترحيل العرب كانت قد استولت على تفكير قادة الحركة الذين شرعوا في التخطيط والبحث عن كيفية تهجير الفلسطينيين.
يشير نور الدين مصالحة في تقديمه لكتابه بأنّ "الكثير من الوثائق الصهيونية الرسمية التي تشير إلى هذا الموضوع لا يزال يصنّف بأنّه سرّي، وخصوصًا الوثائق التي تتعلّق بنزوح الفلسطينيين سنة 1948.
وبناءً على ذلك، جاءت هذه الدراسة، وبحسب مصالحة، مبنية على "محفوظات اسرائيلية حكومية وخاصّة تمّ نزع صفة السرّية عنها، يضاف إليها المحفوظات البريطانية، والمصادر العربية على حد أقل".
هكذا، سوف يبدأ نور الدين مصالحة أوّلًا بالحديث عن الأفكار الأوليّة لترحيل الفلسطينيين، تلك التي اقترحها الآباء المؤسّسون للحركة الصهيونية. ويشير هنا إلى أنّ سنة 1882 مثّلت بدايةً لمشروع الاستيطان اليهودي الذي لم ينفكّ يروّج لفكرة أنّ أرض فلسطين بلا شعب، أي أنّها أرض خالية. وتاليًا، يشير صاحب "أرض أكثر وعرب أقل" إلى أنّ المجازر والمذابح التي ارتكبتها عصابات الهاغانا بحقّ الفلسطينيين كانت جزءًا أساسيًا من مشروع ترحيل الفلسطينيين، ذلك أنّها أسّست لحرب نفسية كان الهدف منها ترويع ما تبقّى من الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة هربًا من تلك المجازر.
5- الكفاح المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية، 1949-1993
يتناول يزيد صايغ في كتابه "الكفاح المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية، 1949-1993" الصادر سنة 2002 عن "مؤسّسة الدراسات الفلسطينية" تاريخ الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة منذ النكبة وقيام دولة الكيان الإسرائيليّ في سنة 1948، وحتّى تاريخ اتفاقية أوسلو في سنة 1993. مستندًا في ذلك إلى أرشيف منظمة التحرير الفلسطينية ووثائقها الداخلية. أضف إلى ذلك إجراءه لما يزيد عن 400 مقابلة مع ضبّاط المنظمّة وفصائلها العسكرية.
يشير يزيد صايغ في كتابه هذا إلى أنّ الكفاح المسلح الذي اتّخذته الفصائل الفلسطينيّة سبيلًا إلى التحرير والعودة، يعدّ جزءًا أساسيًا في مشروع الدولة والهوية الفلسطينيتين، وممهّدًا لهما أيضًا، ذلك أنّ الكفاح المسلّح، وكما جاء على لسان يزيد صايغ، أوجد الدافع السياسي والدينامية التنظيمية اللازمتين لتطوير الهوية الفلسطينية، ولظهور مؤسّسات مشابهة لمؤسّسات الدولة. وتاليًا، يأتي تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في ضوء هذا كوطنٍ في المنفى، بمؤسّسات عسكرية وثقافية وتعليمية. وبناءً على ذلك، يبحث صاحب "الأردن والفلسطينيون: دراسة في وحدة المصير أو الصراع الحتمي" في مواضيع عدّة بهذا الشأن، منها انبعاث الحركة الوطنية الفلسطينية وكفاحها المسلح وما واجهه من تحدّيات. بالإضافة إلى صناعة النظام السياسي في فلسطين والأزمة اللبنانيّة وصولًا إلى أوسلو.