نحيا اليوم في عالم مترابط بين الثقافات والبلدان المختلفة، فلا ريب إذن أنّ التواصل مع الآخرين وتجاوز الحواجز اللغوية من المهارات الضرورية التي ينبغي للأفراد إتقانها، فالعولمة هي السمة الأبرز لعالمنا، لذلك كلما ازدادت معرفة الطالب بلغات جديدة ومتعددة، كلما تيسّرت السبلُ أمامه للحصول على فرص جديدة على المستويات الشخصية والعلمية والمهنية.
ومن نافل القول إن اختيار اللغات الواجب تعلمها أمرٌ نسبيٌ يختلف حسب الاهتمامات والغايات لدى كلّ طالب، غير أنّه توجد خمس لغات يوصى بتعلّمها غالبًا بسبب أهميتها وفائدتها العالمية.
1- اللغة الإنجليزية: لغة العالم
توصف اللغة الإنجليزية عادةً بأنّها "لغة التواصل العالمية"، فلا غرو أنّها اللغة الأكثر انتشارًا في العالم بين اللغات المختلفة، وهي إلى ذلك اللغة الأساسية للأعمال التجارية الدولية والعلوم والتكنولوجيا وغيرها من المجالات.
ومن هذا المنطلق، يتيح تعلّم هذه اللغة للطلاب موارد هائلة من المعارف والمعلومات، لا سيّما أن الجزء الأكبر من المحتوى في شبكة الإنترنت موجود باللغة الإنكليزية.
ولا شكّ أنّ إتقان الإنجليزية من المهارات الجوهرية المطلوبة في سوق العمل محليًا وعالميًا، فمعظم الشركات متعددة الجنسيات تُنجز أعمالها بهذه اللغة، لذلك ربما تتعزز فرص الطالب بالحصول على وظيفة إنْ أتقنها وبرع فيها. ولا يجب أن نغفل دور الإنجليزية في مجال التعليم، إذ إنها شرط لا غنى عنه للدراسة في الجامعات العالمية المرموقة.
2- اللغة الإسبانية: آفاق من الفرص
تُعرف اللغة الإسبانية بأنها اللغة الأم لأكثر من 460 مليون شخص حول العالم، فهي ثاني أكثر اللغات انتشارًا بعد الإنجليزية، وهي إلى ذلك اللغة الرسمية لـ21 دولة يقع معظمها في أمريكا اللاتينية. ولهذه الأمور كلّها يغدو تعلم الإسبانية سبيلًا مُيسرًا للتعرف على نسيج ثقافي غني، وبلوغ آفاق واسعة من الفرص.
ومن البديهي القول إنّ تعلّم الإسبانية مفيد للسياح والمسافرين، ممن يرغبون باستكشاف الحضارات الغنية في بلدان أمريكا الجنوبية وإسبانيا، دون إهمال أهميتها على الصعيد المهني؛ فكلّما أتقن الطالب لغات أكثر أثناء دراسته، حظي بفرص أفضل للنجاح مستقبلًا في وظيفته ومهنته في المجالات الاقتصادية والصناعية في البلدان الناطقة بالإسبانية.
وكذلك إذا كان الطالب من قاطني الولايات المتحدة الأمريكية، فمن الضروري أن يتعلّم الإسبانية حتى يحقق نجاحًا أكبر في حياته ومسيرته المهنية، لا سيّما إذا كانت وظيفته تتطلب منه التواصل مع أفراد من مشارب وثقافات مختلفة، فالتواصل معهم بلغتهم الأمّ يعزز فرصه في تحقيق أهدافه ضمن العمل.
3- لغة المندرين الصينية: بوابة إلى الصين
تتميز لغة المندرين الصينية بأنّها اللغة الأم لأكثر عددٍ من الأشخاص حول العالم؛ إذ يتحدث بها ما يربو عن مليار شخص. ولا ريب أنّ مكانتها تعززت بين قائمة اللغات العالمية جرّاء النمو الاقتصادي للصين في الأعوام الأخيرة، وتَوسُّع نفوذها في مختلف المجالات التكنولوجية والتجارية والصناعية. ولمّا كانت شركات عالمية كثيرة تحظى بحضور كبير في السوق الصيني، أضحت معرفة لغة المندرين سبيلًا لتسهيل التواصل مع العملاء وتعزيز آفاق العمل.
وصحيح أنّ لهذه اللغة أهمية على المستوى المهني، لكن أهميتها الثقافية ليست بأقلّ منها، فتعلم لغة المندرين يشكل نافذة على ثقافة عريقة لحضارة متجذرة في التاريخ، ويتيح للطلاب فرصة الدراسة في الجامعات الصينية المتقدمة.
4- اللغة الفرنسية: لغة الدبلوماسية الثقافة
لا شك أنّ اللغة الفرنسية تبوأت مكانة مرموقة في السابق، خاصةً في ظل توسع نفوذ الإمبراطورية الفرنسية، وهي الآن ما تزال مستخدمة في بلدان كثيرة في أوروبا وأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي. ومن المعلوم أنّ الفرنسية من اللغات الرسمية المعتمدة لدى الأمم المتحدة ومنظمات دولية كثيرة، فإتقانها يوفر فرصًا حقيقية للحصول على وظائف مهمة في المجال الدبلوماسي والعمل الإنساني.
ولا سبيل طبعًا لإنكار مساهمات فرنسا في المجالات الفنية والأدبية والفلسفية، وبروز أعلام فرنسيين ممن أبدعوا ملاحم أدبية وفنية لا تذهب الأيام بمكانتها مهما تبدلّت الأحوال، فإتقان الفرنسية نافذة مهمة للطلاب حتى يعيدوا استكشاف الروائع الثقافية لمؤلفين مشهورين، مثل ألبير كامو وفيكتور هوجو، بلغتها الأصلية، ويحظوا بفهم أعمق للثقافة الفرنسية.
كما تعد الفرنسية، من جهة ثانية، اللغة الرسمية لكثيرٍ من البلدان الأفريقية، ما يعني أن تعلّمها ضروري للراغبين في زيارة هذه القارة الجميلة، والانغماس في ثقافتها، والتواصل مع سكانها واكتساب معارف وخبرات جديدة.
اللغة العربية: نافذة على العالم العربي
تتحدث أكثر من 20 دولة اللغة العربية، فهي من اللغات المهمة ثقافيًا واقتصاديًا ودينيًا، لا سيما أنها لغة القرآن الكريم. كما أن تعلّم اللغة العربية لازمٌ لتعلّم الدين الإسلامي، وفهم بلدان الشرق الأوسط وتاريخها العريق، وهو أمر تزايدت أهميته في الأعوام الأخيرة بسبب تحول هذه المنطقة إلى محور هام في السياسة والاقتصاد. ولا شكّ أن إتقان العربية يشكل للطلاب الأعاجم فرصًا كبيرًا لنيل الوظائف في الصحافة والدبلوماسية والتجارة.
ويتيح تعلم اللغة العربية كذلك سبيلًا للتعرف على الحضارة العربية الثرية بالعادات والتقاليد الأصيلة، فضلًا عن زيارة أماكن ومواقع سياحية وأثرية لطالما أسرت مخيلة مواطني البلدان الأخرى واستلبت عقولهم.
في الختام، لا بدّ للطلاب في عالمنا المترابط منْ تنمية مهاراتهم، وتوسيع آفاقهم، وتعزيز قدراتهم على التواصل مع أناس من حضارات مختلفة وفهم تلك الثقافات والحضارات؛ فإتقان لغات أخرى مهارة لازمة لمنافسة الآخرين في مجالات الفرص العالمية، لا سيّما إذا كانت من اللغات المذكورة أعلاه، بيد أنّ اختيار اللغة الواجب تعلمها يظل أمرًا نسبيًا مرهونًا باهتمام الطالب وأهدافه الشخصية والمهنية.