عندما يخطو الطفل خطواته الأولى، في عالمنا العربي، على الأقل في كثير من الدول، يستخدم والداه وأهله عمومًا مصطلحًا محددًا للمديح. يقولون له إنه "بطل". سيهز الطفل برأسه، ويفترضون، بهذا المعنى، أن الأمر يروقه، وأنه سيتابع الجهد لكي يبقى بطلًا. ربما تكون هناك صفات أخرى. لكن هذه الكلمة التي ترفع منسوب الأدرينالين في الدم، تبقى غالبًا أكثر تحببًا إلى الوالدين. ومع أن الطفل، بكل تأكيد، لا يفهم معنى البطولة في تلك المرحلة من حياته، إلا أن الذين يرددون المصطلح أمامه يعتبرون أنه يتقبل هذا المديح كما لو أنه يفهمه. يجب أن نتفق هنا أن الطفل بريئ من هذا الهراء، وأنه لا يكترث، وكل ما يهمّه بشكلٍ عام هو أن يلعب، وألا يقع ويكسر أنفه.
عندما يصير المرء بطلًا، لا يمكن التعامل معه مثل الآخرين. فهو أكثر من شخص. إنه أكثر من فكرة، بل مجموعة أفكار
البطولة للكبار فقط، لعدة أسباب، من بينها هو أنهم مع مرور الوقت يفقدون الرغبة باللعب، أو أنهم يتخففون من الخوف، ومن احتمالات تكّسر أنوفهم. ليس فقط في بلادنا، في الأفلام الأمريكية أيضًا هناك بطل واحد. المجموعة موجودة دائمًا لكنها بحاجة إلى رأس. بطل يتجاوزها في النهاية. ليس معقولًا أن يكون جميع البشر أبطالًا. في السينما الأمريكية، لا يجب أن يكونوا جميعهم متساووين. لا نتحدث عن رمز أو عن قائد، ولا عن دكتاتور، أو حتى عن نبي في قومه. هذا البطل هو شخص واحد ولا صفة له سوى البطولة. نعرف أنه سيكون عابسًا أغلب الوقت، ولأسباب لا نفهمها، أخذ على عاتقه مهمة انقاذ العالم. لا نستبعد أن يكون مبعوثًا من السماء وبمباركة ما ورائية تتجاوز طبيعتنا البشرية، نحن السذج الذين لا نملك أي صلاحية في انقاذ الأرض.
اقرأ/ي أيضًا: في حزيران.. أيام للشهداء والحريّة
لا يأخد البطل رأينا وقد لا يسمح له ضيق الوقت أن يعترف بوجودنا، فعندما نتحدث عن "عالم" في السينما الأمريكية فهذا يعني أننا نتحدث عن الولايات المتحدة. وطبعًا هذه المطلقات ليست حصرًا على الأمريكيين. قد يكون البطل عمومًا، أي بطل وليس فقط في أفلام عديم الموهبة بروس ويليس، صاحب عادات سيئة، وقد لا يكون مثاليًا، لكن المهمة التي توكل إليه، من أشخاص متجهمين وقلقين أيضًا، تجعله أكبر من عاداته.
عندما يصير المرء بطلًا، وينال اعترافًا بذلك، لا يمكن التعامل معه مثل الآخرين. هذا البطل في الأفلام، الذي يحارب الكائنات الفضائية والمخططات الروسية الشريرة لتدمير الكوكب والمسلمين الذين يريدون احتلال الكابيتول (اكتشفنا أخيرًا أنهم ليسوا من يرغبون القيام بذلك فعلًا)، هو أكثر من شخص. إنه أكثر من فكرة، بل مجموعة أفكار. قد تكون أوضح تمثيلاته في أفلام البوشار، لكنه موجود بيننا.
إنه شخص يخطئ، ونعرف أنه يخطئ، لكننا مضطرون للعفو عنه. صحيح أن العفو ليس من شيّمنا، عن أي شيء، وعن أي أحد، وذاكراتنا تعمل بصورة استنسابية، لكن البطل هو فرد أو تمجيد للفردانية، ولكن من جماعة، تقدّس نفسها كجماعة، وتخترع أفرادها كأجزاء منها وإليها فقط: أبطالها. البطولة تقوم على تواطؤ معلن. بهذا المعنى لا يوجد ما هو أكثر سذاجة من المفهوم. ليس فقط في هوليوود، بل في كرة القدم أيضًا، وفي بطولات المصارعة ورفع الأثقال ومجموع هذه الرياضات التي يصعب اعتبارها أعمالًا إيجابية في النهاية.
لا يعني هجاء البطولة أن إطفائيًا شجاعًا يساوي في حيازته للقب أحد الزعران اللبنانيين الذين ارتبكوا مجازر في الحرب، وتسنى لهم أن يعّرفوا عن أنفسهم بعدها كأبطال، قادرين على توريث البطولة لأبنائهم، كما يورثونهم المقاعد النيابية والشقق التي كانت فخمة قبل الانهيار الحميد للسوق العقارية. مشكلة البطولة أنها قابلة للاستخدام تحت عدة ذرائع، وأنها تقوم على إجبار الآخرين بقبولها كجزء من منظومة استلاب. ما نتحدث عنه ليس المصطلح بحد ذاته، إنما عن سهولة استخدامه، لشدة مرونته، وقدرة المكتسبين عادةً على التكيّف معه سريعًا. يندر فعلًا أن تجد شخصًا يقول "على مهلكم، أنا لست بطلًا". وإن وجد هذا الشخص، الذي يقول شيئًا مشابهًا، سنرى بيننا من يقول إن هذا موقف بطولي بحد ذاته. وأحيانًا، وأنت تنظر إلى شخص يصنّف نفسه بطلًا، قد تصاب بالارتباك، لشدة ابتذال المصطلح.
البطولة تقوم على تواطؤ معلن. بهذا المعنى لا يوجد ما هو أكثر سذاجة من المفهوم. ليس فقط في هوليوود، بل في كرة القدم أيضًا
نحن مسكونون بالبطولة ومهووسون بها. محاطون بأبطال في كل مكان. في التلفزيون، على المنابر، في حديقة الحيوانات، في سيارات الأجرة، وبطبيعة الحال في البرلمان اللبناني، في قصور السياسيين، حيث يجتمع الأبطال لكي يبذلوا ما بوسعهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
اقرأ/ي أيضًا: إن آن لأوسلو أن تنتهي
أخيرًا، استقبلنا بطلًا جديدًا، وهو وزير الخارجية الفرنسي، الذي زار لبنان، وجاء ليستمع إلى مجموعة أبطال، يسمّون أنفسهم بتواضع سياسيين، بينما هم في الواقع مجموعة أبطال. ولا يمكن القبول بما هو أقل من ذلك، فهم يمثلون معًا، فريقًا يدير البلاد منذ ثلاثين عامًا في أقل تقدير. المشكلة ليست في كون هؤلاء الأشخاص ما زالوا أبطالًا في جماعاتهم، أو حتى في كونهم سيبقون كذلك إلى وقت طويل. المشكلة فعليًا في أن كل هذا، في النهاية، سيضاف إلى مزاد البطولة، وعلى حسابنا طبعًا. لدينا ثقة في هؤلاء الأبطال الكِبار. ستشكّل حكومة في لبنان وبكل تأكيد ستنقذنا... من الكائنات الفضائية!
اقرأ/ي أيضًا: