كثّفت الآلة الإعلامية اليمينية في فرنسا مؤخرًا هجومها على العائلة اليسارية بشقّيها "الوسط وأقصى اليسار". وتُركّز الدعاية الإعلامية اليمينية هذه الفترة على قضايا الشرق الأوسط، حيث استغلت التطورات الأخيرة لتشويه صورة المساندين للقضية الفلسطينية والمهاجرين، بل طالت حملة التشويه أولئك الذين لا يُظهرون عداءً للقضيتين المحوريتين في الخطاب اليميني المعادي للهجرة والمساند للرواية الإسرائيلية حول الشرق الأوسط.
التحريض:
يُعدّ الإعلامي الإيراني من أصلٍ فرنسي بنيامين رضوي وجهًا متكرّر الحضور في معظم وسائل إعلام اليمين الفرنسي المتطرف، مثل "أتلانتيكو" و"سي نيو" و"أوروبا1"، وفي كلّ خرجةٍ إعلامية له يحرص رضوي على القول إن "اليسار الفرنسي المتطرف مزروع من نظام الملالي في إيران"، وبالتالي يخدم أجندة إيران وإيديولوجيا "الجهاد" وفق تعبيره.
الأسطوانة المشروخة ذاتها نجدها تتردد في قناة "أل سي أي"، ففي الحلقة التي استضافت فيها القناة اليمينية أبنوس شلماني ودافيد بوغاداس، استدلّ الضيفان على علاقة "الحزب الشيوعي الفرنسي بمشروع إيران"، باستضافة الحزب لوفد من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالإضافة إلى المحامي الفرنسي الفلسطيني صلاح الحموري الذي كان ضحيةً للمؤسسة القضائية الإسرائيلية، إلى حين ترحيله إلى فرنسا"، لكنّ مجرّد "إدانته إسرائيليًا"، هو دليلٌ كافٍ لدى أبواق اليمين لإدانته بالتطرف.
يحرص إعلام اليمين المتطرف الفرنسي على ربط اليسار الفرنسي بإيران والجهاد
الاتهامات ذاتها طالت النائب من حزب فرنسا الأبية في البرلمان الأوروبي ريما حسن، والزعيم اليساري جون لوك ميلانشون، حيث اتُهما من طرف جوليان باسكيه في قناة "سي نيوز" بأنهما "نجمان في دولة الملالي إيران"، وذهب يوان أوساي إلى القول في إحدى خرجاته في قناة "سي نيوز" اليمينية إلى القول إنّ "بيانات حزب فرنسا الأبية تُكتب من طرف جهاديين أو من هم مرشّحون ليكونوا جهادييين".
على ذات المنوال في تشويه اليسار، نجد ريجيس لوسومييه على قناة "سي نيوز" يقول إنّ المرشد الإيراني السابق الخميني "كان تروتسكيًا"، ليبرر بذلك مزاعمه حول ارتباطات اليسار الفرنسي بإيران.
وأبعد من ذلك، صرّحت باسكال دي لا تور على قناة "أوروبا1" قائلةً إن كلًّا من جاك ميلانشون وريما حسن ومارين تونديلييه لديهم "صلات وارتباطات بحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية".
وفي سابقة من نوعها، سعت دي لاتور إلى ربط اليسار الفرنسي بحدث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حيث تساءلت في نقاش مع بنيامين رضوي عمّا كان النائب عن حزب فرنسا الأبية "توماس بورتس يفعله في الشرق الأوسط قبل 48 ساعة من أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر في مستوطنات غلاف غزة؟".
تقديم الرواية الإسرائيلية للحرب:
تحرص قناة "بي إف إم" الفرنسية على استضافة المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أوليفييه رافوفيتش، الذي هنّأ في إحدى المقابلات هذه القناة على تغطيتها للحرب، لأنها تتبنى الرواية الإسرائيلية وتقاطع كل من يحاول كشف زيفها، حيث قاطعت القناة من قَبل "ريما حسن" عندما استضافتها للتعليق على صافرات الاستهجان التي تعرض لها الرئيس الفرنسي في وقت سابق، أثناء كلمةٍ له أمام جمهور المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، بسبب حديثه عن التوقف عن تسليم الأسلحة لإسرائيل.
ذات المهمة المتمثلة في الترويج للرواية الإسرائيلية مع غض النظر عن الرواية الفلسطينية تمارسها أيضًا بشكل فج قناة "أل سي أي" وقناة "بي إف أم"، بإظهار جيش الاحتلال بمظهر "أخلاقي"، وطمس آثار جرائمه الماثلة في تدمير البنية التحتية المدنية والطبية في غزة، وقتل أكثر من 42 ألف من سكان القطاع المحاصر، معظمهم من النساء والأطفال.
النهج ذاته الذي تتعامل وفقًا له وسائل إعلام اليمين المتطرف بشأن قضايا الشرق الأوسط، تستنسخه في تعاملها مع قضية الهجرة والمهاجرين الذين يتم التحريض عليهم في تلك القنوات، ويُحمّل اليسار مسؤولية إقامتهم في فرنسا وأوروبا عمومًا.