بادرت إحدى معلمات الرسم المتقاعدات، وهي أستريد، إلى دعوة السوريين في مدينتها الألمانية الصغيرة للرسم في مرسمها، تحضيرًا لمعرض "أمل"، المهدى إلى سوريا. لبى أبو صطيف السوري الدعوة، وبدأ بالذهاب أسبوعيًا إلى المرسم. يتحضر أبو صطيف إلى الذهاب على طريقته. يضع العطر ويحلق لحيته غالبًا وينطلق. أبو صطيف لا يتقن من الألمانية إلا كلمتين أو ثلاث، لا تنفع في أي تواصل أو حديث، ولكن الألوان كما الموسيقى لا تعرف لغة، كما لا تعرف الحواجز. يجلس أبو صطيف ويرسم ما يخطر في باله وما يرد على خياله، غير متقيد بفكرة المعرض التي تدور حول الأمل.
يرسم أبو صطيف بحرًا وشمسًا تشرق، أطفال يغرقون، علم الثورة السورية، ومزهرية زرقاء بدون ورد
ورد يشتاق له في اللاذقية. وكمقيم قرب البحر سابقًا، يحتل البحر من الذكريات الحيز الأكبر والأجمل. يرسم أبو صطيف بحرًا وشمسًا تشرق، أطفال تغرق، علم الثورة السورية، مزهرية زرقاء بدون ورد. لا يعقد أبو صطيف حضوره. ببساطة يقول إنه يأتي ليتسلى، التزامه بالحضور وابتسامته البسيطة وتعلقه بمهنته كدهان، قدمته إلى الألمان بطريقة مميزة. تغاضوا فيها عن شرط إتقان اللغة الألمانية لحدوث الاندماج. أبو صطيف استثناء يمكن أن يندمج دون أن يتكلم الألمانية. الالتزام والعطاء وملء وقت الفراغ بما هو مهم أيضا شكل من أشكال الاندماج.
المعرض بالأصل لا يشترك فيه فنانون. إنهم عاديون. ألمان وسوريون يرغبون في الرسم وجعلوا منه وسيلة للتقارب. تقول أستريد (إن الرسم وسيلة لحل المشاكل النفسية والخط واللون يفضحان صاحبهما. ولا يحتاح المرء عندما يرسم إلى أن يتحدث، فهو يحكي لغة أخرى). تفتتح أستريد معرضها بالحديث عن أبو صطيف السوري من الساحل، وعن الأمل، وعن لوحته التي جسدت الأمل، أحد معاني الأمل هو تجليات الطبيعة بفصولها التي عبرت عنها الكثير من اللوحات، كما كانت أحد اللوحات تحت عنوان (الطبيعة تنتصر) عبارة عن صاروخ وقد نمى فوقه العشب الأخضر، لوحة لصخور سوداء تثير الكآبة ولكن يعلوها عصفور صغير. شروق الشمس نوع آخر من الأمل يتجدد كل يوم.
النوافذ التي يخترقها النور أيضًا تعبير عن الأمل، كما أن الأمل مرتبط بالحلم الذي عبرت عنه أحد السوريات بلوحة لأحد النساء وهي تغمض عينيها لتحلم. وقد أرسلت لوحتان من سورية مقيمة في لبنان للمشاركة. كما عرضت مجموعة صور للأطفال اللاجئين، ومجموعة أحجار كانت أستريد قد جمعتها خلال زيارتها إلى سوريا.
أرادت الفنانة أن تضيف طابعًا ثقافيًا منوعًا يجمع بين السوري والألماني، فقامت باستضافة العازف الشاب عبد الله غباش، الذي عزف على آلة العود مع اثنين من الألمان. أحدهم عزف على آلة نفخ من أستراليا، موسيقى عربية وعالمية وأدوات موسيقية متنوعة. هكذا يكون الاندماج، يقول عبد الله إن التجربة كانت كاسم المعرض مليئة بالأمل في بناء جسر للتواصل بين الألمان والسوريين وهذا هو دور الفن من الأزل كلغة عالمية.
اقرأ/ي أيضًا: ألمانيا تبهر السوريين.. لولا العائلة!
في المعرض، ثمة تداخل بين الألحان والآلات والألوان، هذا اندماج من مستوى مختلف وهكذا يجب أن يبني المسؤولون خططهم. فالمسؤولون الألمان منشغولون طوال الوقت بكيفية تحقيق الاندماج وباختراع الوصفات التي يرونها مناسبة. يحللون الواقع لاستنباط الأصح، غارقون في الأرقام والإحصاءات والبحث في تجارب الآخرين التي نجحت، ليأتي المواطنون الألمان المنفتحون على الأجانب فيقدمون مشروعات تلقائية وبسيطة، تسرع أحداث الاندماج وتفتح الباب للاختلاط بين السوريين والألمان بدون أي تخطيط مسبق، ليثبتوا أن الانفتاح الحقيقي على الآخر هو أنجع الوسائل. فالسوريون يحتاجون فقط إلى فرصة، كما تقول أستريد. فليمنحوا هذه الفرصة إذًا.
اقرأ/ي أيضًا: الهاربون إلى الله.. الوصول إلى ألمانيا!