وأنا ابنُ الفلاة
كنت أركض دائمًا خلف المدن
وفي أزقتها الضيقة
أرشُ حبات السكر
على الصبايا العابرات وعابري السبيل الأنقياء
أهز رأسي تحت قبابها الواطئة
كصوفي عتيق
وأسرح في ملكوت الله.
في صيف ما سحيق
كانت روحي هائمة هنا
وفي ليله المقمر المضاء بحبات النجوم
كان يسير ظلي على الحيطان الصخرية
والتي جرتها المياه والأعاصير والزلازل
وأتت بها لتحرس فيء الأشجار
وكان يتنشق الريح الرقراقة
الخفيفة كأيدي الغجريات
الريح التي تسمى نسمة
وأنا الذي كنت ظلي
كنا جيران في فلاة واسعة
كان اسمها الأرض.
أريد أن أبوح بحبي لكِ
أن نتمشى في شوارع وزواريب مدن العالم
أن نرى المصانع الكبيرة
والحدائق المرسومة بدقة بالغة
وجارحة
أن نرى حبال الضوء
وأشرطة الكهرباء الطويلة
أن نركب الميترو سويا
والقطارات
وأن نسير ونسير ونسير حتى ينتهي العالم.
الأمنيات تقليد قديم
يورثه الأجداد لسلالاتهم
وجيلًا إثر جيل
تحمل على الأكتاف التي تنحني
وترسل مخفورة إلى وريث جديد.
قلبي يدق بوتيرة هادئة جدًا
نزق أكتر من اللازم أحيانًا
عندما تدق أشباح منتصف الليل بابه
يفتح لها الباب بروية
يدخلها إلى صدر الدار
يتحدث معها
يطبطب على هامتها المتعبة
ويعود بها إلى زنزاناتها
بحزن بالغ وعينان تفيضان بالدمع.
لقد قلت لكِ أكثر من مرة
أنا لدي مشكلة كبيرة في ذاكرتي
أكاد أنسى وجهك أحيانًا
أكتب لك الرسائل وأرسلها إلى بشر آخرين
أودع كلمة لك في البريد
فتعود لي مع عنوان خاطئ
وأختام حمراء وخضراء
ماذا عليّ أن أفعل الآن؟
شوارع.. شوارع.. شوارع.. في رأسي
أصوات صاخبة
أريد أن أتذكرك جيدًا
أن أحملك ونغرق في حقول الذرة
أن نمشي ونمشي حتى ينتهي العالم
حيث لا أضواء
لا شوارع
لا حدائق مرسومة بدقة بالغة وجارحة
أن نسير حتى ينتهي العالم
في فلاة الله التي لا تنتهي
حيث النجوم
لا تقتلها أضواء المدن الصفراء.
اقرأ/ي أيضًا: