وشوشة
في مِرآتِكَ
حَدِّقْ بِغَيْرِكَ
سَتَنجُوْ
مثلَ القَشّةِ مِنْ طينكْ
حينَها
حيًّا
أغْمضْ عَيْنَيْكَ وادْخُلْ
لا تَأبهْ
لأنينهِ خَلفَ الحائط..
إنه سعيدْ
لكنّه دائمُ الشكوىْ
لا تُربةَ تصلحُ لزراعةِ الأطفالْ
ولا ماءَ يكفي لِتَنفجرَ ينابيعُ الرأسْ
إلى ذبولٍ تؤُوْلُ الصورةُ الطازجةْ
نقطِفُها عنْ أغصانٍ مُتفرِّعةٍ منَ القبور،
نحتفظُ بها في بلّوراتِ أثدائِنا،
لبنَ عصافير،
نُمَشّطُها برمشِ العين،
نغرسُها في هواءٍ يكفي
لكُلِّ أسماكِ الخيال..
إلى غرقٍ.
دعوة موت الى العشاء
كَتِفانِ
عاريتانِ منَ الليلْ
مضيئتان
بَهِيّتانِ
تليقانِ بانْكسارِهِما
والصوتُ وجهُ ماءٍ
يليقُ بالرتابةِ الّتي تَعْقِبُ الحياةَ
أو تَطعَنُها
حرّاسُ الليلِ عُميانٌ
ولا شيءَ لِتَلْتقِطَهُ البصيرةْ
في فراغينْ
لا سَفَر يُحصيْ عددَ الشاماتِ في جسدٍ يُعِدّ الفراغَ للبكاءْ
ولا دربَ يَطأُ سياجَ الصدىْ
بعدَ انتحابِ النشوةْ
والموتُ لطيفٌ جدًا
بسيطٌ جدًا
يقبلُ دعوةَ الفقراءِ إلى الموائدِ الأخيرةِ الّتي تَعْويْ منَ الجوعْ
وترتشفُ الفقرَ الفاحشَ منْ فرطِ يَباسِ النبيذْ
كأسٌ فارغٌ من النورِ
ووردٌ مهجورٌ
وشمعٌ في طورِ اختفائهِ
والموتُ هنا
يتلمّسُ آخرَ منحنياتِ الأحلامِ في الشرودْ
ينبعثُ في آخرِ زوايا المرايا
طلاسمهُ في أذنينِ اعْتادتا سماعَ الرعشةِ التاليةِ للولادةْ
والخصرُ مثقلٌ بأظافرهِ
والعتمةُ
غرقٌ
غرقٌ
غرقْ
فاتحًا ذراعيك للغرق
القمرُ الدمويُّ المكسورْ
يغزو عينيكْ
كامرأةٍ عاريةٍ في الدمِ..
أمررتَ بعريٍ في الحربْ؟
أبَكَيتَهُ؟
سيظلُّ يقضُّ وسائدَكَ المشهدْ:
آخرُ أمٍّ تهجُرُكَ
موتٌ يتهادى كنُعاسكْ
امرأةٌ تسبحُ في دمِها نحوَ دمِكْ
عاهرةٌ تخرجُ من ضِلعكْ
عاهرةٌ خَرجَتْ من قُدْسِكْ
قلبُكَ مخلوعٌ كالبابْ
وأظافرُ وجدِكَ تخدشُهُ
كالغرقى
ربٌّ غافٍ في نهديها
يتلو نهديها
يقولُ تشبّثْ بالنهدِ المقطوفْ
يقتسمُ السرّاقونَ جناكَ على الضّفّةْ
وأسودُ جحيمِكَ جائعةٌ..
هل تذكُرُ جوعَ مخالبِكَ؟
أمررتَ بعريٍ في الحربْ؟
أبَكَيتَهْ؟
قتلٌ مُؤجّل
هلْ
سَتُقيمُ الطيورُ مأدُبةً على لَحميْ
إنْ علّقتُ نفْسي
دُميةً في أصابعِ التوتْ؟
سؤالٌ يتفرّعُ مِن جَوْفيْ
وأنا أَحْتفِلُ بِنَزيفِيَ الشهريّْ
الرجلُ الّذي
أَرْضَعتهُ روزنامةَ نزيفيْ
ماتْ
بُحْتُ لهُ بِوَحْيٍ جاءَني في المَغارةْ:
اللهُ دمٌ فاسدٌ
نَكْحٌ
دامِسٌ مُسْتَنْفِرٌ يُمَلِّعُهُ الضوءْ
داوَيْتُهُ
بِمَسْحَةٍ حَمْراءَ على جَبينهِ
بِجَسدي مهيّئًا لموتٍ لا ينضَبْ
بِهُطولِهِ
ثمّ
بشجرٍ باسقٍ يقدحُ الغيمْ
بِرَدْمي فَمًا يتأنّق كل بدرٍ
لابتلاعِنا
لمْ يعرفْ حبيبي
كيف يردُمُ فمًا لا يشبعْ..
لهذا،
ماتْ.
حداء
هلْ تعلمُ أنّي
قَطَّعتُ شَرايينَ يَديْهْ
ثمَّ وقفتُ في المرآةِ أُحَدّقُ مذْهولةً
بِسحرِ القاتلينْ
جسَدي الّذي
شَبَّ كالحصانِ في وجهِ دَمِهِ
الحصانُ الطالعُ
الحصانُ الراكِضُ
الحصانُ الراقِدُ
الحصان المُتّكِئُ على أَفْعاهْ
الحصان الشيخُ المحفورُ وجْهُهُ في صخرةٍ
وفي شُعاعْ
لمْ يَعُد يَشُبُّ كالأنبياء في وجهِ افْتِراسي
زفّة
كنتَ حطّابًا
حارسًا لليَقَظةْ
للحرائِقِ الشاسِعةِ
وكنتَ تَحْمِلُ الناسَ والصخرَ إلى الأبدِ
وما إن تَتَّكِئُ على كَتِفٍ
حتّى تُحْرَقْ
كنتُ دُمْيةً بِأردافْ
في سيركٍ لا يهدأ
وكنتُ أنْفُثُ نارًا لِلأحْداقْ
وكانوا يَتَحَلّقونَ حولي كأنّي آخرُ الأنبياءْ
وما إن أهْدَأ
حتّى أُصْلَبْ.