كان من المفترض أن تجتمع العائلة يوم الجمعة الفائت، مثل كل جمعة أخرى، على مائدة الغداء المعهودة، لكنّ ذلك لم يحدث. ذهبت قبل قليل إلى بيت أهلي، وعند الباب، بحكم أنني وحتى اللحظة لا أملك رفاهية البقاء في البيت، ناولتُ أمي الأشياء التي طلبتها من وراء العتبة التي وضعت عليها الأكياس.
ثمة رعبان مركّبان؛ رعب على الصحة الشخصية والعامة، ورعب آخر على الاقتصاد
سوق نابلس المركزي حتى يوم الجمعة الفائت أبوابه مفتوحة، مع حركة شراء بطيئة ومُقلقة. حركة دخول البضائع نهار هذا اليوم تكاد تكون معدومة وتقترب من الصفر بخطى ثابتة، لكنّ مع حلول المغرب تغيّر الأمر قليلًا، جلب مزارعون من الأغوار وقلقيلية بضائعهم، وفي صباح السبت، أمس، كانت الساحة، ساحة السوق، ملأى عن آخرها بالبضائع.
اقرأ/ي أيضًا: العزل في زمن كورونا وبحث الديمقراطية عن جمهور
الاتجاه العام هنا ذاهب نحو الإغلاق، والتفكير الجمعي، لا سيما مع عودة العمال من الداخل المحتل، مُجمع أن السوق، مثل فلسطين كلها، قد يصبح بؤرة مظلمة لتفشي فايروس كورونا، لا أحد في مأمن. الحذر سيّد كامل على الزمان والمكان.
الإعلان عن حالة واحدة مصابة هنا سوف ينشر الرعب. والرعب مضاعف. إنه رعبان مركّبان على بعضهما البعض؛ رعب على الصحة الشخصية والعامة، ورعب آخر على اقتصاد السوق.
في العموم لم تجتمع العائلة، وعلى الأرجح هذا الحظر سيمتد إلى الأسبوع المقبل. أثناء ذلك عليّ فعل أشياء كثيرة، من ضمنها النهوض كل يوم مع تأخير ساعة عن الموعد المعتاد في الأيام العادية، وهذا يعني أنني وفي حدود الرابعة صباحًا، يجب أن أكون هناك، أفتح محلي كما هو معتاد، أخرج بضاعتي من البرّاد وأقوم بما أتقنه وأفعله عادة، أقوم بعملي.
غير إجراءات السلامة والوقاية المتبعة، لم يتغيّر نمط الحياة كثيرًا علي. أعود إلى البيت في حدود الواحدة ظهرًا، من على الباب تناولني زوجتي عزّة مُطهر اليدين. أخلع الحذاء على الباب، وبعد غسل اليدين وتبديل الملابس واستبدالها بأخرى نظيفة، أقبّل ابني الصغير أمين.
ما أفتقده فعلًا هو فنجان الإسبريسو اليومي. مقاهي المدينة مغلقة. حاولت الحصول على واحد من أقرباء، لكن الكأس الذي جلبته، من سوء حظي، لم يكن مرارُهُ بالحدّة المطلوبة التي اعتدت عليها. حتى طعم القهوة يمارس نوعًا من الحجر على نفسه.
كنت أفكر باستغلال هذا الوقت في القراءة والكتابة، والعمل على أكوام من مشاريع مؤجلة، وعلى ما يبدو أن هذا، وحتى في ظل الحجر الذي نحن فيه، غير متاح ابدًا. أمين، طفلي الصغير، يلحق بي ما إن أنهض باتجاه مكتبي، وفي مرات عديدة يكون قد سبقني إلى هناك وجلس مكاني بانتظاري.
أحد أكثر الأشياء صعوبة في ظل الحجر، التعامل مع الصغير، فهو في الغالب ضجران، وبعد خمسة أيام من المكوث في البيت يريد الخروج إلى الحياة التي اعتاد عليها في الخارج، ولا أستطيع إفهامه أبدًا أن ذلك غير ممكن حاليًا.
على أية حال، الحياة تواصل طموحها وقلقها وتجد أسلوبها حتى في أشد اللحظات سواد
الأشد صعوبة أن الحياة في الخارج لا تحدث فعلًا، حركة السيارات تكاد تكون معدومة، وغير مركبات الأمن، هناك حوالي الخمسين سيارة تتحرك في المدينة بأكملها، الذي في بيته يظنها أكثر من ذلك، لكن حسبة بسيطة للأمر، ستوصلك إلى هذا الرقم.
اقرأ/ي أيضًا: الإنفلونزا الإسبانية.. حكاية "الوباء الشاحب" الذي عالجه العالم بالنسيان
على أية حال، الحياة تواصل طموحها وقلقها وتجد أسلوبها حتى في أشد اللحظات سواد. يرن هاتفي الجوال، كما هو معتاد. عمّال السوق يواصلون الصراخ والتأفف، العملاء والتجار لا يتوقفون عن السؤال، أخي هو الآخر يواصل حياته معي كما هو معتاد، ولا أنفك أسأله عن الحياة التي أمامنا، الحركة التجارية في حدودها الدنيا، لكني كل مرة ومع كل زبون يأتي، أقَول هذا جيد سننجو.
اقرأ/ي أيضًا: